استمع إلى الملخص
- أشار عمار السلمو إلى المخاطر التي تواجهها المقابر بسبب التدخلات غير المهنية، مؤكدًا على ضرورة حمايتها للحفاظ على كرامة الضحايا ومعرفة هوية المفقودين.
- أصدرت الشبكة السورية لحقوق الإنسان تقريرًا يوصي بحماية المقابر الجماعية وتعزيز الجهود للتحقيق، مؤكدة على أهمية توثيق المقابر لضمان محاسبة الجناة وحماية حقوق الضحايا.
شدّدت منظمة الدفاع المدني السوري (الخوذ البيضاء) على ضرورة اتخاذ خطوات لحماية المقابر الجماعية في البلاد من العبث والتخريب وعمليات النبش العشوائي، التي قد تؤدي إلى ضياع الأدلة الجنائية وإمكانية التعرف إلى الجثث فيها. وأكدت المنظمة أن عمليات الكشف عن المقابر الجماعية تتطلب جهودًا حكومية ومنظمات متخصصة، سواء على المستوى المحلي أو الدولي. يأتي ذلك بعدما اكتُشفت العديد من المقابر الجماعية في كل من دمشق ودرعا عقب إسقاط نظام بشار الأسد.
وعمد سكان محليون إلى نقل جثث إلى المستشفى بعد نبش مقبرة اكتُشفت في مدينة إزرع بريف محافظة درعا، ضمن ما يُسمى مزرعة الكويتي، التي كانت تُتخذ مقرًا من قبل فرع الأمن العسكري غرب المدينة. وأوضحت المنظمة أن هذا الإجراء يتنافى مع المسؤوليات القانونية والجنائية المتعلقة بالمقابر الجماعية. كذلك اكتُشِف قبر مفتوح في منطقة جسر بغداد شرقي دمشق، وفق ما صرّح عبد الرحمن مواس عضو المنظمة لوكالة "فرانس برس"، الذي رجح أن مدنيين هم من نبشوا القبر.
تدمير الأدلة الجنائية في المقابر الجماعية
وبخصوص آليات التعامل ومحددات الكشف عن المقابر الجماعية، شدّد عمار السلمو، عضو مجلس إدارة الدفاع المدني السوري، على المخاطر الكبيرة التي تواجهها المقابر الجماعية المنتشرة في سورية نتيجة النبش العشوائي والتدخلات غير المهنية. وأشار في تصريح لـ"العربي الجديد" إلى أن هذه التدخلات تهدد مباشرةً كرامة الضحايا وحقوقهم وحقوق عائلاتهم، وتعوق الجهود المستقبلية لتحقيق المساءلة والعدالة. وأضاف السلمو: "النبش العشوائي والتدخلات غير المهنية تؤدي إلى تدمير الأدلة الجنائية في المقابر، ما يُفقد فرصة مهمة لاكتشاف التفاصيل التي قد تُساعد في تحديد هوية الضحايا والمتورطين في الجرائم المتعلقة باختفائهم. كذلك فإنها تؤدي إلى تدمير الأدلة ومسرح الجريمة، ما يعرقل الجهود الرامية إلى محاسبة مرتكبي هذه الجرائم وضمان تحقيق العدالة".
وأكد السلمو ضرورة أن تكون حماية هذه المقابر أولوية للحفاظ على كرامة الضحايا، ومعرفة هوية المعتقلين والمفقودين ومصيرهم، وضمان تحقيق العدالة لعائلاتهم. وتركز المنظمة حاليًا على الاستجابة الطارئة لنداءات الأهالي بوجود رفات مكشوف غير مدفون، لتوثيقه وفق الالتزام الصارم بمبادئ الإنسانية والجنائية. وأشارت الخوذ البيضاء إلى أنها تتبع بروتوكولات خاصة وتنسق لاستكمال الإجراءات اللازمة لحفظها.
وبيّنت المنظمة في تقرير صدر عنها منتصف ديسمبر/ كانون الأول أن فرقها لا تقوم بفتح أي مقابر جماعية ولا تستخرج أي رفات مدفون فيها، بل تعمل في إطار الاستجابة للتعامل مع الجثامين والقبور المفتوحة أو الرفات المكشوف خارج المقابر الجماعية. وأكدت أن التعامل مع المقابر الجماعية يحتاج إلى ولاية قضائية وجنائية وإلى فرق مختصة وتفويض قانوني، بالإضافة إلى وجود تقنيين مختصين ومختبرات متخصصة لضمان التعامل مع الرفات بشكل علمي ودقيق.
شاهد على حجم الجرائم
من جهتها، أصدرت الشبكة السورية لحقوق الإنسان تقريرًا خلال ديسمبر/ كانون الأول الحالي، تناولت فيه توصيات مفصّلة للحفاظ على المقابر الجماعية. وقد ركز التقرير على ضرورة حماية المقابر، والحفاظ عليها أولوية، إلى جانب تعزيز الجهود الرامية إلى التحقيق وضمان المساءلة القانونية. كذلك دعا إلى العمل على تحديد هوية الضحايا وإعادة رفاتهم إلى عائلاتهم، مع الالتزام الكامل بالأطر القانونية الدولية وتوفير الدعم اللازم لتنفيذ هذه التوصيات بشكل فعّال.
وتعتبر المقابر الجماعية السورية شاهداً إضافياً على حجم الجرائم التي ارتكبها نظام بشار الأسد بحق الشعب السوري، ويضع القانون الدولي الإنساني قيوداً صارمة على التعامل مع الجثامين في أوقات النزاع المسلح، إذ يحظر بشكل قاطع أي انتهاك لكرامة الموتى. بينما تعتبر المقابر الجماعية انتهاكاً صارخاً لهذه القوانين، خصوصاً عندما تكون ناتجة من أعمال عنيفة، أو إعدامات خارج نطاق القضاء.
وتحمي اتفاقيات جنيف ضحايا الحرب، وتنص على ضرورة التعامل باحترام مع جثث القتلى ودفنهم بكرامة، وتجعل هذه الاتفاقيات من جريمة الحرب جريمة ضد الإنسانية، وتطالب بمحاكمة مرتكبيها. ولتوثيق المقابر الجماعية أهمية قصوى في ضمان محاسبة الجناة، وتقديم الأدلة اللازمة لمحاكمة المسؤولين عن الجرائم، وكذا حماية حقوق وكرامة الضحايا، وتكريم ذكراهم، ومنح أهلهم الحق في معرفة مصيرهم. وتشمل أبرز التحديات التي تواجه التحقيقات في المقابر الجماعية نقص الشهادات بسبب مرور الوقت، أو تدمير الأدلة، أو خوف من كانوا شهوداً من الملاحقة والمساءلة، أو تعرضهم للتهديد.