يبدأ رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية عبد الحميد الدبيبة، برفقة وفد حكومي رفيع، اليوم الاثنين، زيارة للعاصمة التركية أنقرة، بينما يلتقي رئيس مجلس النواب في طبرق وزير الخارجية اليوناني نيكوس ديندياس، الذي سيصل اليوم إلى بنغازي.
وتسعى السلطة التنفيذية الجديدة في ليبيا إلى تحديد موقف من الصراعات القائمة في شرق المتوسط، وفق رؤية جديدة تتبنى فتح مشاورات مع كل الأطراف بشأن الحدود المائية الخاصة بليبيا.
وبحسب تصريح سابق للمتحدث الرسمي باسم حكومة الوحدة الوطنية محمد حمودة، لـ"العربي الجديد"، فإن الدبيبة يجري زيارة لأنقرة برفقة 14 وزيرا من حكومته، لـ"مناقشة ملفات هامة، على رأسها رجوع الشركات التركية لاستكمال تنفيذ مشاريعها المتوقفة في البلاد"، وتوقيع اتفاقات شراكات جديدة، بالإضافة لمستجدات الوضع السياسي في البلاد.
وبحسب بيان للرئاسة التركية، أمس الأحد، فإن الدبيبة والرئيس التركي رجب طيب أردوعان سيترأسان اجتماع المجلس الليبي التركي للتعاون الاستراتيجي، الذي تأسس عام 2014، لتقييم العلاقات بين تركيا وليبيا في جميع جوانبها، ومناقشة الخطوات التي تعزز من التعاون الثنائي، بمشاركة الوزراء المعنيين من كلا البلدين.
وفي الوقت ذاته، يصل وزير الخارجية اليوناني نيكوس ديندياس إلى مدينة بنغازي للقاء رئيس بلديتها حسين القطراني، قبل أن ينتقل إلى طبرق للقاء رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، وفق وسائل إعلام يونانية، والتي أشارت إلى أن زيارة الوزير اليوناني تهدف إلى فتح قنصلية لليونان في بنغازي.
وتأتي زيارة الوزير اليوناني متزامنة مع تصريحات صحافية، أمس الأحد، للمتحدثة باسم الحكومة اليونانية أريستوتيليا بيلوني، أكدت فيها أن ليبيا مستعدة لمناقشة قضية ترسيم المنطقة البحرية مع اليونان، من خلال لجنة مراجعة فنية اقترحها الجانب الليبي.
وفيما دعا رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس الجانب الليبي إلى إلغاء الاتفاق البحري الموقع مع تركيا، خلال زيارته طرابلس الثلاثاء الماضي، أكد رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، ورئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة، أهمية أن "يسهم أي اتفاق في وضع الحلول المناسبة ويحفظ حقوق ليبيا واليونان وتركيا"، وأبدى الدبيبة استعداد بلاده لـ"تشكيل لجان لتحديد المنطقة الاقتصادية الخالصة بين البلدين".
وفي غضون ذلك، كشفت مصادر حكومية من طرابلس عن عزم المنفي إجراء زيارة قريبة لليونان لبحث تشكيل لجنة ليبية– يونانية لبحث قضية الحدود المائية بيت البلدين، في سياق رؤية خاصة بالسلطة الجديدة لمعالجة الآثار السياسية للاتفاق البحري الموقع مع تركيا.
تأتي زيارة الوزير اليوناني متزامنة مع تصريحات صحافية، أمس الأحد، للمتحدثة باسم الحكومة اليونانية، أريستوتيليا بيلوني، أكدت فيها أن ليبيا مستعدة لمناقشة قضية ترسيم المنطقة البحرية مع اليونان
وفي السياق، أوضحت المصادر، التي تحدثت لـ"العربي الجديد"، أن المنفي والدبيبة يسعيان لتحديد موقف ليبي جديد، من خلال علاقات متوازنة مع كل الأطراف المتصلة بالصراع في شرق المتوسط حول الحدود المائية، من خلال فتح ملفات المشاورات التي كانت بدأتها ليبيا منذ أكثر من عقدين مع عدة دول في البحر المتوسط، وتوقفت عام 2010.
وأضافت أن الرؤية التي يتبناها المنفي والدبيبة تقوم على أساس استئناف المشاورات بين ليبيا وكل دولة على حدة في قضية الحدود المائية، استمرارا لمشاورات سابقة كانت قد بدأتها أمانة اللجنة الشعبية العامة للاتصال الخارجي والتعاون الدولي (وزارة الخارجية ) في عهد النظام السابق، مع كل من تركيا واليونان وإيطاليا، مشيرة إلى أن ليبيا قطعت أشواطا في قضية الحدود المائية مع تلك الدول، وأقفلت بشكل نهائي قضية مماثلة مع مالطا عام 1981.
وأثار الاتفاق البحري الموقع بين تركيا وليبيا جدلا سياسيا واسعا، على الرغم من تصريحات رئيس مجلس النواب في طبرق عقيلة صالح بشأن شرعية الاتفاق، كون مجلس النواب لم يصادق عليه، لكن أستاذ القانون بالجامعات الليبية أحمد العاقل لا يرى لاعتراض مجلس النواب في طبرق أي أثر قانوني.
وأوضح العاقل، خلال حديثه لـ"العربي الجديد"، أن عقيلة صالح وجه مذكرة للأمم المتحدة طالبها فيها بعدم تسجيل الاتفاق البحري بين "الوفاق" والحكومة التركية، ولم تأخذ الأمم المتحدة بمطالبه، "ما يعني أنها لا تخالف معاهدة الأمم المتحدة لقانون البحار، ولا تمس حرمة حدود الدول المتشاطئة في البحر المتوسط".
ووفق هذا، يرى العاقل أن "أساس علاج الخلافات في هذا الملف سيكون بناء على الاتفاق الموقع بين تركيا وليبيا والانطلاق منه"، مشيرا إلى أن "تركيا نجحت مبكرا في إسقاط محاولات الاصطفاف الإقليمية ضدها في ردهات الأمم المتحدة، وحصنت الاتفاق قانونا ليكون أساسا لأي حديث عن الحدود المائية في شرق المتوسط".
وأضاف: "الدبيبة والمنفي يدركان ذلك، ولذا فقد أكدا إصرارهما على الاحتفاظ بالاتفاق، كونه يحفظ مصالح ليبيا، وتصريحات مسؤولي اليونان تخفي وراءها قبولا يونانيا بمراجعة مواقفها المتصلبة من الاتفاق".
ويرى العاقل أن "ذهاب الدبيبة على رأس وفد حكومي كبير إلى أنقرة خطوة في اتجاه التأكيد على شرعية العلاقة مع تركيا"، لافتا إلى أن رئيس حكومة الوحدة الليبية، وهو رجل أعمال، غلب على وفده الحكومي وزراء من القطاعين الخدمي والاقتصادي، ومن بينهم وزير الطاقة والنفط.
وفي المقابل، تقرأ الباحثة الليبية في الشأن السياسي، مروة الفاخري، زيارة وزير الخارجية اليوناني لبنغازي في اليوم ذاته "رسالة مناكفة يونانية قد تكون أيضا مدفوعة بطلب أوروبي".
وأضافت الفاخري، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن زيارة الوزير اليوناني "دون شك مناكفة، خصوصا أن نظيرته الليبية نجلاء المنقوش ضمن الوفد الحكومي الذي يزور أنقره، والحكومة الموازية شرقي البلاد سلمت مهامها، ما يعني أن سعيه للقاء مسؤولي بلدية بنغازي وعقيلة صالح يأتي في سياق مناورة للضغط على المنفي والدبيبة، للحصول على أكبر قدر ممكن من المصالح ضمن المشاورات المرتقبة".
وتعتبر الفاخري أن خطوة المنفي والدبيبة للعمل على سحب ليبيا من أتون الصراع في شرق المتوسط "مهمة وفي الطريق الصحيح"، مرجحة أن الخطوة تهدف إلى "تجميد الموقف الليبي بفتح ملفات المشاورات السابقة مع تلك الدول، خصوصا أنها لم تكتمل".
وقالت: "فتح المشاورات في هذه الملفات سيأخذ وقتا طويلا أطول من عمر الفترة الانتقالية الحالية، ويتوجب انتظار حكومة جديدة للبت فيها"، ولفتت إلى أن قادة السلطة الجديدة يسعون للاستفادة من التقارب الحاصل بين القاهرة وأنقرة، كونهما أبرز دولتين تؤثران في الملف الليبي، لخفض حدة تأثير المواقف الإقليمية الأخرى في مسار عملهما في الفترة الحالية.