وجهت دول الجوار الدنماركي، وخصوصاً وزارتي دفاع استوكهولم وأوسلو، اليوم الإثنين، رسالة واضحة إلى كوبنهاغن للحصول على "توضيحات شاملة" بشأن ما بات يعرف بعملية "دنهامر" التي سمحت من خلالها الاستخبارات العسكرية الدنماركية لوكالة الأمن القومي الأميركي بالتجسس على قيادات سياسية وحزبية في دولتيهما، ودول أوروبية أخرى.
ووجدت وزيرة الدفاع الدنماركية ترين برامسن نفسها في حرج شديد مع توالي تفاصيل الاستخدام الأميركي للجهاز الأمني الدنماركي، على الأقل في الفترة المعروفة اليوم بين 2012 و2015، رغم أن التجسس جرى أثناء ولايات حكومات متعاقبة بين يمين ويسار الوسط.
وتتسبب القضية بحالة سجال وصدمة على المستويات الأمنية والسياسية والشعبية، دفعت بالوزيرة للتأكيد، قبل ظهر اليوم الإثنين، تعليقاً على ما كشفه التحقيق الصحافي المشترك لوسائل إعلام أوروبية، بأنه يتوجب "التوضيح أننا نرفض التجسس على الدول الجارة".
موقف برامسن، وحكومة يسار الوسط عموماً، المدعومة برلمانياً من اليسار ويسار الوسط، لم يرق لأغلبية الأحزاب الدنماركية التي دعت بصفة مستعجلة، اليوم الإثنين، برامسن لجلسة استجواب طارئة.
وتُجمع الأحزاب من اليسار إلى اليمين على ضرورة "تقديم الدنمارك اعتذاراً رسمياً وعلنياً لكل الدول التي استهدفها التجسس الأميركي الدنماركي". وأكدت في السياق مسؤولة لجنة الدفاع في "اللائحة الموحدة" اليساري إيفا فلوهولم، على أن "التجسس على سياسيين في القمة بدول الجوار هو خرق وانتهاك عميقان يتطلبان من وزارة الدفاع تقديم ضمانات لدول الجوار، وفي الوقت نفسه فحص القضية بكل تفاصيلها وتقديم اعتذار رسمي ووضع شروط بألّا تتكرر العملية".
وفي الاتجاه نفسه ذهب مقرر الشؤون السياسية في "الشعب الاشتراكي" اليساري كارستن هونغ، الذي عبر عن "الصدمة من أن تكون كوبنهاغن منصة تجسس للوكالة الأميركية على السويد والنرويج وألمانيا وفرنسا، وعلى الحكومة أن تقدم توضيحاً لا لبس فيه حول كيفية تجيير التقنيات والاتصالات الدنماركية لمصلحة الوكالة الأميركية".
وكشف التلفزيون الدنماركي، اليوم، تفاصيل جديدة عن أن التجسس "شمل كل الإنترنت الخارج والداخل إلى الدنمارك بين 2014 و2015، بسرية تامة وبالتعاون مع الاستخبارات العسكرية".
ورغم أن وزيرة الدفاع برامسن لم تدخل في تفاصيل، مساء الأحد، ورفضت الظهور التلفزيوني، إلا أن مسألة التجسس وضعت على طاولتها في أغسطس/آب الماضي، بعد تحقيق داخلي في الجهاز الأمني. وبناء عليه، جرى صرف قيادات في الجهاز، وشكلت الحكومة لجنة فحص لما جرى، دون معرفة الرأي العام ما إذا كان التعاون مع الوكالة الأميركية جزءاً من تحقيق اللجنة، ولم يجرِ الحديث عن "عملية دنهامر"، التي كشف النقاب عنها مساء أمس في سياق الحديث عن مخالفات في جهاز الاستخبارات العسكرية صيف العام الماضي.
ويطالب اليسار الدنماركي بأن ينضم وزير العدل نيك هيكروب (اجتماعي ديمقراطي وكان وزير دفاع في السابق)، إلى جلسة الاستماع رفقة برامسن لتوضيح ملابسات القضية أمام البرلمان الدنماركي، "فنحن نحتاج إلى أجوبة من قمة هرم السلطة المسؤولة عما يحدث"، وفقاً لما صرح به كارستن هونغ اليوم. واعتبرت فولهولم أن ما كشف عنه "يشكل خروجاً كبيراً عن حدود العمل بالتجسس على جيراننا من خلال مشاركتنا الاستخبارات الأميركية في هذا العمل".
وصيف العام الماضي تسرب حديث عن أن "مؤشرات ما تشير إلى أن قيادة الجهاز الأمني كانت تمارس أنشطة جارية تخالف القوانين الأساسية للبلاد"، قبل أن يكشف التحقيق الصحافي الموسع باشتراك بين مؤسسات إعلامية أوروبية مع التلفزيون الدنماركي عن اتساع نطاق التجسس الأميركي بمشاركة دنماركية. ورغم المطالبة السياسية بكشف التفاصيل أمام الرأي العام، فإن خبراء في الشأنين القانوني والأمني في كوبنهاغن لا يتوقعون أن تؤدي التحقيقات والاستجوابات إلى اطلاع الرأي العام على تفاصيل كثيرة، بل يقدرون أن ما سيجري هو طرح خطوط عامة عن مخالفات للقوانين الأساسية في الدنمارك.
وتعتبر العلاقة الأميركية الدنماركية في مجال التحالف الأمني والعسكري علاقة قديمة تأسست منذ فترة الحرب العالمية الثانية. وبنت واشنطن على العلاقة الاستراتيجية لتقيم محطات تجسس متقدمة في جزيرة بورنهولم، في بحر البلطيق، للتجسس على الاتحاد السوفييتي السابق، وهو ما جعل الجزيرة هدفاً محتملاً لهجوم روسي، كما كشفت تحقيقات سابقة خلال العام الماضي. كما أقامت واشنطن قواعد عسكرية ومنشآت تجسس على جزيرة غرينلاند الدنماركية طيلة فترة الحرب الباردة، وعادت للاهتمام مجدداً في التأسيس لعلاقة شبيهة بفترة ما بعد الحرب العالمية الثانية على الجزيرة، خلال زيارة وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن أخيراً إلى كوبنهاغن وغرينلاند، وسط تصاعد تأزم علاقة موسكو بالغرب على منطقة القطب الشمالي. ويبدو أن الكشف عن هذا الحجم من التجسس على الحلفاء، الذي شاركت فيه كوبنهاغن، سيعيد طرح تعقيدات كثيرة بوجه المساعي الأميركية، رغم عمق علاقة الطرفين.