أعاد إحياء الذكرى الـ13 للثورة التونسية الجدل حول واقع ومصير الأحزاب، المعارضة والمؤيدة للنظام الحاكم، أمام موجة الانحسار الحزبي التي تهدد كثيراً منها بالاندثار.
وعاشت الأحزاب التونسية طفرة انتشار واسع في سنوات الثورة الأولى بفضل الانتقال الديمقراطي الذي شجع على التعددية الحزبية والتشاركية حتى بلغ عدد الأحزاب ما يناهز 240 حزباً، غالبيتها أحزاب شكلية لا يُعرف إلا رئيسها مع وجود أحزاب كبرى مهيكلة حكمت خلال السنوات العشر الماضية، وأحزاب أقل حجماً منها ممثلة في البرلمانات المتعاقبة أو في تكتلات وائتلافات شعبية معارضة.
ويرى مراقبون أن موقف السلطة التونسية واضح بالنسبة للعلاقة مع الأحزاب، خصوصاً بعد سن دستور 2022 والقانون الانتخابي وبداية ظهور ملامح المؤسسات الدستورية التي لم يعد للمكونات الحزبية فيها دور ولا أثر، ما زاد من صعوباتها وأزماتها.
وأكد المتحدث الرسمي بإسم حزب النهضة عماد الخميري، لـ"العربي الجديد"، أن "النظام الديمقراطي الذي اهتدت له الإنسانية لإشراك المواطنين وعموم الناس في بناء أوطانهم ودولهم يقوم على التنظيم الحزبي، وتوجد الأحزاب في كل المجتمعات فهي فكرة أصيلة تقوم على تمثيل جزء من الشعب في كيانات سياسية تدافع عن حقوقها، وفكرة الأحزاب في تونس قديمة وتاريخ العمل الحزبي يعود إلى ما قبل الاستقلال، وحتى في فترة الاضطهاد وزمن الحزب الواحد وُجدت الأحزاب بشكل أو بآخر ولم تندثر".
وشدد الخميري على أن "فكرة الثورة كانت الإطار لحرية العمل السياسي والحزبي والمدني ومثلت فرصة لانعتاق التونسيين وتمكينهم من ممارسة هذه الأفكار، ويمكن تقييم تجربة الثورة وحتى انقلاب 25 يوليو/تموز ومدى قدرة الأحزاب على تمثيل الشعب والتجذر وتقديم بدائل ومشاريع، ولكن ما لا يمكن قبوله هو فكرة منع العمل الحزبي في أجهزة الدولة وبالقوة والتضييق على الأحزاب التونسية، كما حدث بعد الانقلاب وتسلم قيس سعيد كل مقاليد السلطة وتجميعها في يد فرد، وفرض منوال البناء القاعدي ورفض الحزبية، وهو منوال لم يُستشر فيه الشعب التونسي. ولذلك فهذا التضييق على العمل الحزبي مخالف لكل الحقوق والمواثيق الكونية".
من جانبه، رأى أمين عام حزب التيار الديمقراطي نبيل حجي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "من أخطاء حقبة ما بعد الثورة بروز أحزاب وهمية تشكلت بناء على مشروع شخصي، مثل حزب نداء تونس الذي تأسس حول شخص الرئيس الباجي قايد السبسي، وعندما رحل السبسي رحل معه الحزب، ويمكن ذكر كثير من الأحزاب التي أخذت حجماً كبيراً في الساحة السياسية ولكنها لم ترسخ مفهوم الديمقراطية ولم تقدم للناس مشروعاً، حتى جاء المشروع الشعبوي لقيس سعيد ليحصد ثمار هذا الفشل".
وشدد الحجي على أنه "نحن اليوم نراكم الفشل، وجميع الأحزاب، سواء التي حكمت أو المعارضة، لديها دور كبير ومسؤولية في الفشل وفي ما وصلت إليه البلاد، وكذلك يتحمل الإعلام مسؤولية جسيمة في ترذيل الديمقراطية وتحويل الخطاب السياسي إلى فرجة وحرف اهتمام التونسيين عن القضايا الحقيقية، وفي صناعة أحزاب وشخصيات وهمية".
"نوعان من الأحزاب التونسية"
واعتبر القيادي المؤسس لحزب نداء تونس ورئيس كتلة حزب تحيا تونس في البرلمان المنحل مصطفى بن أحمد، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "كل المنظومة من أحزاب ومنظمات وجمعيات تعيش أزمة، ونلاحظ انحساراً في عمل المنظمات الوطنية كاتحاد الشغل مثلاً"، مشيراً إلى أن "القضية ليست بقاء الأحزاب أو اندثارها، ولا يمكن أن نتحدث عن ديمقراطية دون أحزاب، فكل التجارب الديمقراطية، القريبة أو البعيدة، تقوم على الأحزاب، والتنظم الحزبي ليس بفكرة جديدة، كما أن هناك تجارب فشلت على غرار التجربة الجماهيرية الليبية، فلا تستقيم الديمقراطية دون أحزاب".
وبين بن أحمد "أن هناك نوعين من الأحزاب: تلك التي تقوم على فكرة ومشروع وتنتمي إلى عائلات وتيارات سياسية، وأحزاب أخرى تشكلت من أجل الوصول إلى الحكم ما جعلها تتحول إلى مقولات"، ما أدى، بحسب بن أحمد، إلى حصول "انفجار في عدد الأحزاب ووصولها لأكثر من 200 حزب، وهو ما لا تتحمله الساحة السياسية وشوّش على وعي المواطن التونسي".
أما أمين عام حزب التكتل من أجل العمل والحريات خليل الزاوية، فهو يؤكد على أن الأحزاب ضرورة لقيام حياة سياسية حقيقية، وقال لـ"العربي الجديد"، إنه "لا يمكن للأحزاب أن تندثر في تونس، ولا يمكن بناء ديمقراطية بلا أحزاب ولا أن تستقيم الحياة السياسية بلا أحزاب، فالأحزاب في الأصل هي الفكرة والمشروع والرافعة، ويمكن أن يتغير مستقبلاً شكل الأحزاب وطرق عملها وصياغة البرامج وتجديد تركيبتها ببروز جيل جديد يأخذ بزمام الأمور بدل الجيل القديم".
ويرى القيادي في حزب "مسار 25 جويلية" والمتحدث الرسمي باسمه محمود بن مبروك، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "المسار طالب الرئيس قيس سعيد بمحاسبة الأحزاب التونسية التي أجرمت في حق الشعب التونسي، وطالبنا بحل ملف الأحزاب التونسية التي لم تقدم قوائمها المالية والإدارية، وهو ما حدث أخيراً من قبل ديوان رئاسة الحكومة الذي قام بحل عدد من الأحزاب والبعض الآخر قام بحل نفسه".
وشدد بن مبروك على أن "الأحزاب ضرورية في تونس رغم أن التونسيين كرهوا الأحزاب ولكنها أساسية، وحتى الدولة ليست رافضة لوجود الأحزاب، فهناك إدارة عامة كاملة في رئاسة الحكومة خاصة بالأحزاب تقدم التراخيص للأحزاب الراغبة في النشاط"، مبيناً أن "الفرق اليوم هو أنه تم القطع مع الانتهازية والمال الفاسد بأناس جدد لديهم وازع وطني ويريدون الإصلاح"، مشيراً إلى أنه "لن يتم محو الأحزاب جذرياً من الحياة السياسية".
ونفى بن مبروك وجود تضييق على الأحزاب التونسية وأكد أن "كل الأحزاب بصدد المشاركة في شكل جديد، فحركة النهضة مثلا شاركت بشكل خفي وحركة الشعب ممثلة بنواب في البرلمان وغيرها"، وأفاد بأن "المختلف اليوم هو قوانين الانتخابات المختلفة عن القوائم الحزبية، وهو ما أضعف الأحزاب".