استأثر الرئيس التونسي قيس سعيد بالصلاحيات التشريعية من خلال التدابير الاستثنائية التي فرضها منذ 25 يوليو/تموز، بالإضافة إلى سيطرته على كامل السلطة التنفيذية منذ إقالته رئيس الحكومة هشام المشيشي.
وأصدر سعيد أمراً رئاسياً يتعلق بالمصادقة على المعاهدة المؤسسة لوكالة الأدوية الأفريقية، ليكون بذلك أول نص يصدره دون العودة إلى مصادقة البرلمان، كما ينص الدستور.
وأوضحت أستاذة القانون الدستوري منى كريم، في تعليق لـ"العربي الجديد"، أن "البند 63 من الدستور ينص على أن رئيس الحكومة يختص بتقديم مشاريع قوانين الموافقة على المعاهدات ومشاريع قوانين المالية، كما ينص البند 46 و65 على أن المعاهدات تتخذ شكل قوانين عادية ويتم المصادقة عليها بأغلبية عادية في مجلس الشعب لا تقل عن ثلث أعضائه".
وذكّرت كريم بأن "البند 67 من الدستور يشير إلى أن المعاهدات لا تصبح نافذة إلا بعد المصادقة عليها". وينص أيضاً على أن "تعرض المعاهدات التجارية والمعاهدات المتعلقة بالتنظيم الدولي، أو بحدود الدولة، أو بالتعهدات المالية للدولة، أو بحالة الأشخاص، أو بأحكام ذات صبغة تشريعية، على مجلس نواب الشعب للموافقة"، كما ينص عليه الدستور.
وبيّنت أستاذة القانون الدستوري أنه "لا يمكن الحديث عن دستورية إصدار المعاهدات أو القوانين بأوامر رئاسية، لأن الوضعية لادستورية، باعتبار أن الفصل 80 الذي استند إليه الرئيس لاتخاذ التدابير الاستثنائية ينص على بقاء البرلمان في حالة انعقاد"، مشيرة إلى أن "الرئيس، انطلاقاً من تأويله للفصل 80، توسّع في اتجاه سحب الاختصاص التشريعي للبرلمان الذي تم تعليق أعماله في 29 يوليو/تموز الماضي بمقتضى أمر رئاسي".
ولفتت إلى أنه "في ظل تواصل تعليق عمل البرلمان، فإن الرئيس سيتولى إصدار ما استعجل من نصوص واتفاقيات ومعاهدات، كما يمكن أن يذهب أبعد من ذلك من خلال تشريع نص انتخابي أو تنظيمي للسلطات العمومية، معتمداً على المشروعية القانونية والسياسية، على الرغم من عدم وجود نصوص دستورية يعتمد عليها للقيام بذلك".
ويرى مراقبون أن سعيد مضى منذ انعطافة 25 يوليو/ تموز في تجاوز البرلمان، من خلال الشروع في تعيين وزراء مكلفين بتسيير الوزارات من دون الحصول على ثقة مجلس الشعب، حيث عين رضا غرسلاوي مشرفاً على وزارة الداخلية، وعلي مرابط على وزارة الصحة، وسهام بوغديري على وزارة الاقتصاد والمالية، ونزار بن ناجي على وزارة تكنولوجيات الاتصال والتحول الرقمي.
ويبدو أن الرئيس يسير نحو مواصلة التشريع بأوامر رئاسية، وتعيين الوزراء دون العودة إلى البرلمان، ليكون بذلك قد منح نفسه صلاحيات السلطة التشريعية بعد أن تمكّن من التفرد بالإشراف على كامل السلطة التنفيذية.
ومرّ اليوم 21 يوماً منذ إعلان الرئيس قراراته، من دون أن يعلن عن خارطة الطريق للخروج من الأزمة، ولا عن رئيس الوزراء الجديد الذي سيساعده على قيادة المرحلة.
وفي السياق، تطالب منظمات حقوقية وأحزاب بإنهاء الوضع الاستثنائي وعودة عمل مؤسسات الدولة، واستئناف البرلمان لنشاطه، محذرين من تمركز السلطة وتفرد الرئيس بكل الصلاحيات، ما يهدد ما تحقق من مكاسب ديمقراطية في تونس.