- زيادة الدفء في العلاقات ملحوظة من خلال زيارات متبادلة ولقاءات رفيعة المستوى، بما في ذلك زيارة وزير الخارجية الفرنسي للمغرب وحضور أميرات مغربيات لمأدبة بفرنسا.
- الخبراء يرون أن العلاقات المغربية الفرنسية تتميز بالاستمرارية والتكيف مع المصالح المشتركة، مع توقعات بتطور كبير في قطاعات مثل الطاقات المتجددة والتنمية الاقتصادية المستدامة.
تدخل العلاقات الدبلوماسية بين المغرب وفرنسا منعطفاً جديداً في ظل توالي الإشارات على إحراز تقدم في طي صفحة أزمة عميقة شهدتها العلاقات بين البلدين منذ عام 2021، كان من أبرز مظاهرها حالة فراغ دبلوماسي بعد تجميد زيارات مسؤولي البلدين المتبادَلة وأي اتصال بين قادتهما.
وأكّدت الخارجية الفرنسية، أمس الخميس، على لسان نائب المتحدّث باسم وزارة أوروبا والشؤون الخارجية الفرنسية، أن "الرباط وباريس تحرزان تقدّماً في تنفيذ خريطة الطريق المشتركة "الطموحة"، مضيفاً في مؤتمر صحافي أن المحادثات بين وزير أوروبا والشؤون الخارجية الفرنسي، ستيفان سيجورنيه، ونظيره المغربي، ناصر بوريطة، الثلاثاء الماضي في باريس، "سمحت بإحراز مزيد من التقدّم في تنفيذ الأجندة السياسية وخريطة الطريق المشتركة الطموحة التي نتقاسمها مع المغرب". وأوضح المتحدث أن خريطة الطريق هذه "تتعلق بالاستثمارات الكبرى للمستقبل فضلاً عن الجوانب الأمنية والتبادلات الثقافية وحتى القضايا العالمية".
وجاءت هذه التصريحات غداة الزيارة غير المعلنة التي قادت بوريطة إلى باريس حيث التقى سيجورني، وهو اللقاء الثاني بينهما بعد زيارة سيجورني الرباط في 26 فبراير/ شباط الماضي، زاعتبرت بداية لفتح صفحة جديدة في علاقات البلدين بعد أزمة عميقة استمرّت أكثر من سنتين.
وسُجّل خلال الشهرين الماضيين مزيد من مؤشّرات عودة الدفء إلى العلاقات بين البلدين، مثل إعلان وكالة الأنباء الرسمية في المغرب عن حضور الأميرات للا مريم وللا أسماء وللا حسناء مأدبة غداء بقصر الإليزيه بدعوة من بريجيت ماكرون، زوجة الرئيس الفرنسي، في 20 فبراير/ شباط الماضي، وكذلك زيارة وزير الخارجية الفرنسي والوزير المنتدب المكلف بالتجارة الخارجية، فرانك ريستر.
وعرفت العلاقات بين الرباط وباريس مدّاً وجزراً منذ وصول ماكرون إلى قصر الإليزيه عام 2017، وعاشت على وقع توتّر صامت تحوّل إلى "مواجهة مفتوحة" دارت رحاها على جبهات عدة، سياسية ودبلوماسية واقتصادية وإعلامية. وفي السياق، يرى الباحث في تاريخ العلاقات الدولية، بوبكر أونغير، أن العلاقات المغربية الفرنسية كانت ولا تزال وستظل محكومة بالتاريخ وبالمصالح المشتركة الكثيرة جداً التي تحكم تلك العلاقات. وقال لـ"العربي الجديد" أنه تبعاً لذلك تحرص الدولة العميقة في فرنسا، باختلاف الرؤساء الفرنسيين المتعاقبين، على حماية هذه العلاقات وتطويرها على الصعيدين الاقتصادي والسياسي رغم أنها قد تمر بين الفينة والأخرى ببعض المشكلات والتوترات كما وقع في عهد الرئيس الراحل فرانسو ميتران ويحدث في عهد الرئيس ماكرون. ولفت إلى أن السمة الرئيسية للعلاقات تبقى الاستمرارية والتكيّف طبقاً لمصالح البلدين، خصوصاً وأن المغرب كان الشريك الاقتصادي الأول لفرنسا في الاتحاد الأوروبي، كما أن الشركات والرساميل الفرنسية تملك نسباً مهمة في الاقتصاد المغربي الجديد.
وأوضح أونغير أن "فرنسا تدرك أن المغرب لاعبٌ رئيسيٌّ في أمن المنطقة الأفريقية والأوروبية، ولا يمكن الاستغناء عن التعاون الأمني المغربي الفرنسي لمحاصرة الظاهرة الإرهابية والحفاظ على أمن أوروبا". كما أن "جهود المغرب في محاربة الهجرة السرية التي باتت تؤرّق السياسات الأوروبية تجعل من المغرب بلداً ضرورياً في أي استراتيجية أمنية للحد من كل هذه الظواهر التي تهدد الأمن الدولي". ولفت إلى أن المغرب استطاع "بذكاء وحنكة السنين أن يستثمر أوراقه الرابحة سياسياً وأمنياً لجعل فرنسا وإسبانيا ودول أخرى تفضل التعاون والشراكة مع المغرب، على حساب بدائل أخرى تبين محدوديتها السياسية بعدما تجاوزتها الظروف والوقائع".
وتوقع أونغير أن تشهد العلاقات الاقتصادية والسياسية المغربية الفرنسية في المستقبل القريب "تطوراً كبيراً في الكم والنوع وستشمل جميع القطاعات الاقتصادية ومنها قطاع الطاقات المتجددة المرتكزة على إنتاج الطاقات النظيفة المعتمدة على الهيدروجين الأخضر، كما سيسعى الرأسمال الفرنسي إلى الاستفادة من الورش التنموية الكبرى التي سيفتحها المغرب استعداداً لكأس العالم 2030".