كشفت مصادر مصرية خاصة، لـ"العربي الجديد"، أجندة الوفد المصري (من مبادرة الحوار الدولي) الذي زار الولايات المتحدة أخيراً، للرد على ملاحظات الإدارة الأميركية بشأن أوضاع حقوق الإنسان في مصر. وأوضحت المصادر، المقربة من أعضاء في الوفد، أنهم اجتمعوا مع مسؤولين في جهاز الاستخبارات العامة، وآخرين في جهاز الأمن الوطني، قبل أن يختتموا اجتماعاتهم بمسؤولين في الخارجية المصرية، لافتة إلى أن الملفات الأبرز على أجندة الوفد هي توضيح الإجراءات التي اتُخذت أخيراً، بحق عدد من المستثمرين، ورجال الأعمال المصريين، والحجز على ممتلكاتهم وفي مقدمتهم رجل الأعمال صفوان ثابت مؤسس شركة جهينة للمنتجات الغذائية، وسيد السويركي مالك سلسلة متاجر التوحيد والنور.
ردّ الوفد على الملاحظات الخاصة بالنظام القضائي المصري
وأشارت المصادر إلى أن الوفد الذي قاده النائب البرلماني السابق، رئيس حزب "الإصلاح والتنمية" محمد أنور السادات، عرض على عدد من مراكز صناعة القرار الأميركي ونواب في الكونغرس، ملفاً يتضمن أوضاع السجناء السياسيين في مصر، من خلال استعراض موقف كل فئة منهم، لافتة إلى أن الملف الذي حمله الوفد في هذا السياق تم الفصل فيه بين السجناء من خلفيات إسلامية، والسجناء المحسوبين على تيارات أخرى، موضحة أن الإدارة المصرية تعول كثيراً على نوعية الأشخاص المكونين للوفد، وكونهم غير محسوبين بشكل مباشر على النظام السياسي الحالي، وبعضهم كانت له مواقف قليلة تبدو معارضة له. وأشارت إلى أن الملف الثالث الذي تصدر أجندة الوفد المصري، هو الرد على الملاحظات الخاصة بالنظام القضائي المصري، والتشكيك في سلامة الأحكام القضائية الصادرة بحق المعارضين السياسيين، ومدى تبعية النظام القضائي والأحكام الصادرة عنه للأجهزة الأمنية.
وفي ما يخص ملف السجناء الإسلاميين، كشفت المصادر أن الوفد حمل معه قائمة بأسماء نحو 400 سجين تم وضعهم في قضايا متعلقة بجماعة "الإخوان المسلمين" أطلق سراحهم أخيراً، ضمن قرارات عفو رئاسية، خلال مناسبات مختلفة، وذلك كرد على الانتهاكات التي يتعرض لها أعضاء الجماعة في السجون المصرية. وقالت إن "هناك تضخيماً من الجماعة في الحديث عن ملف السجناء من خلال التركيز على قيادات الصف الأول ورموز الجماعة في السجون، في المقابل هناك قرارات عفو تصدر لكثير منهم في المناسبات القومية، والتي كان آخرها قرار العفو الرئاسي الذي تضمن أكثر من 3 آلاف سجين جنائي وآخرين على ذمة قضايا سياسية".
وحول حقيقة ما تضمنه ملف الردود على الملاحظات الأميركية، وتحقيقها على أرض الواقع، قالت المصادر إن "الوفد ذهب في مهمة شبه محسومة مسبقاً"، كاشفة أنه خلال اللقاء الذي جمع أعضاء الوفد بمسؤولين بارزين في جهاز الاستخبارات العامة المصري، قبل سفرهم، تلقوا رسائل ضمنية بأن الزيارة مرتبة مع الإدارة الأميركية ومسؤولين بارزين فيها، من أجل الرد على الأصوات المعارضة هناك التي تعيق تواصل العلاقات بين البلدين بشكل طبيعي من دون ضغوط من جانب المنظمات الدولية والأميركية المعنية بحقوق الإنسان.
وبحسب المصادر، فإن "هناك أصواتاً داخل الإدارة الأميركية، تدفع في دعم النظام المصري كونه أفضل الخيارات المتاحة حالياً على الساحة، وكذلك في ظل إبداء النظام تجاوباً كبيراً في التعاون مع الإدارة الأميركية في كافة الملفات التي تمثل أهمية كبيرة لواشنطن في الوقت الراهن". وكانت 19 منظمة حقوقية، تقدمتها منظمة العفو الدولية و"هيومن رايتس ووتش" و"بيت الحرية"، قد انتقدت في بيان ملف حقوق الإنسان في مصر، معتبرة أن دعم الرئيس الأميركي جو بايدن لنظام عبد الفتاح السيسي والإفراج عن 130 مليون دولار من المساعدات الأميركية المقررة للقاهرة ضمن اتفاقية كامب ديفيد للسلام، تمثل "خيانة لالتزاماته بملف حقوق الإنسان في مصر". وقالت الخارجية الأميركية في وقت سابق إن واشنطن "تناقش المخاوف الجادة بشأن حقوق الإنسان بمصر"، مضيفة أن وزير الخارجية أنتوني بلينكن، "سيفرج عن 130 مليون دولار من شريحة قيمتها 300 مليون دولار (بخلاف 1.3 مليار دولار مساعدات عسكرية)، إذا عالجت القاهرة وضع حقوق الإنسان".
حمل الوفد معه ملف أوضاع السجناء السياسيين في مصر
واعتبرت مصادر مصرية أن هناك رغبة من جانب إدارة بايدن في تسوية هذا الملف مع القاهرة، بالشكل الذي يرفع عنها الحرج أمام المعارضين للرئيس الأميركي في خطواته نحو النظام المصري، مؤكدة أن الإدارة الأميركية كانت قد ردت على مطلب مصري بعقد لقاء ثنائي بين بايدن والسيسي أثناء اجتماعات الجمعية العمومية للأمم المتحدة في سبتمبر/أيلول الماضي، بالتريث ومزيد من الدراسة، لعدم وضع بايدن تحت ضغوط داخلية في فترة كان يواجه فيها عاصفة انتقادات بسبب طريقة الخروج من أفغانستان. وكشفت المصادر أن الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان التي أطلقها السيسي أخيراً في 11 سبتمبر الماضي، هي مقترح أميركي بالأساس جرى تداوله خلال آخر زيارة لعباس كامل رئيس المخابرات العامة المصرية إلى واشنطن. كما أوضحت المصادر أن ملاحظات ومقترحات أخرى بشأن الصورة الكلية الخاصة بالأوضاع الحقوقية في مصر طرحت أخيرا خلال لقاءات ثنائية مصرية أميركية، طالب خلالها مسؤولون أميركيون باعتماد تلك الملاحظات لما لها من تأثير يتيح للإدارة الأميركية التجاوب مع مساعي الجانب المصري. يذكر أن اللجنة العامة في مجلس النواب المصري صدقت في 4 أكتوبر/تشرين الأول الحالي على التشكيل الجديد للمجلس القومي لحقوق الإنسان، والذي ضم السفيرة مشيرة خطاب رئيسة، وعددا من الشخصيات الحزبية في مقدمتها محمد أنور السادات، والمحامي الوفدي، عضو الهيئة العليا للحزب عصام شيحة، والناشط السياسي والحقوقي جورج إسحاق.
وقال مصدر دبلوماسي رسمي، إن هناك جدلا ربما يكون الأول من نوعه، داخل مراكز صناعة القرار الأميركي، بشأن التعامل مع النظام المصري، مؤكداً أن "هناك بالفعل من يدفع داخل الإدارة الأميركية لتوسيع التفاهم مع القاهرة خلال الفترة المقبلة، ورفع القيود والمحاذير بسبب ما يواجه السياسة الأميركية في ملفات الشرق الأوسط الساخنة من عقبات، تحتاج فيها واشنطن إلى أصدقاء دوليين يملكون تأثيرا في تلك الأزمات". وأوضح المصدر" تلك الأصوات وجدت لها من يسمعها في البيت الأبيض".