أصدرت حركة النهضة التونسية، ليلة أمس الاثنين، بياناً بعد صدور حكم قضائي جديد ضد رئيس الحركة راشد الغنوشي، يمدد حكم السجن الصادر بحقه في إحدى القضايا المرفوعة ضده إلى 15 شهراً، بعد أن كانت 12 فقط في الحكم الابتدائي.
وقالت النهضة في بيانها إنّ "الغنوشي اختار منذ الأيام الأولى لاعتقاله عدم المثول أمام أي هيئة قضائية أو أمنية لقناعته أن حبسه واعتقاله يندرج في باب التنكيل بالمعارضين واستهدافهم السياسي، وإنّ القضاء فقد استقلاليته منذ تحويله من سلطة إلى وظيفة، ومنذ إخضاعه عبر حل المجلس الأعلى للقضاء والعزل التعسفي للقضاة الشرفاء، ورفض تنفيذ قرار المحكمة الإدارية القاضي بعودتهم للعمل".
من جهتها، قالت "حملة غنوشي لست وحدك" إنّ رئيس حركة النهضة وفريق الدفاع الخاص به "كانوا قد بينوا بشكل واضح خلال جلسات الاستماع التي تمت قبل اعتقاله أن هذه التهمة باطلة، وتخلو من أي أركان قانونية".
واعتبرت الحملة أن "هذا الحكم إنما جاء ليفضح مرة أخرى خضوع أجزاء مهمة من القضاء التونسي لأجندة السلطة التنفيذية، ورغبتها في التنكيل بمعارضيه السياسيين، واستعمالها القضاء كسلاح ضد كل صوت حر".
ويواجه الغنوشي تهماً في عدة قضايا، من بينها ما يعرف بملف تسفير التونسيين إلى بؤر التوتر، وتبيض الأموال، وقضية مصطلح "الطواغيت"، وكذلك تهمة التحريض بسبب مداخلة له في ندوة نظمتها جبهة الخلاص الوطني، وغيرها.
ويبدو أن سجن الغنوشي وبقية القادة السياسيين المعارضين لسعيد ستطول، خاصة بعد الرفض المتكرر لإطلاق سراح المتهمين فيما يعرف بقضية التآمر على أمن الدولة.
ومع انشغال الرأي العام التونسي بالأحداث في غزة، وتوجه لدى قيادات جبهة الخلاص لتأجيل كل الاحتجاجات بشأن الوضع الداخلي، ومنح الأولوية لنصرة المقاومة في غزة، يبدو أن السلطة يستهويها هذا الوضع الذي خفف الضغط عنها، خصوصاً بعد سجن أهم معارضيها من كل التيارات، وآخرهم رئيسة الحزب الدستوري الحر عبير موسي.
ويؤكد مستشار الغنوشي رياض الشعيبي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن سجن الغنوشي "مثّل تصعيداً سياسياً خطيراً من السلطة في استهداف المؤسسات الديمقراطية والشخصيات الوطنية في البلاد".
وأوضح أن "الغنوشي فضلاً عن قيمته الرمزية والاعتبارية كأحد أهم زعماء الحركة الديمقراطية في تونس وفي العالم العربي والإسلامي، فإنه كذلك رئيس البرلمان الشرعي الذي انقلب عليه رئيس الدولة، لذلك فإن في اعتقاله رسالة قوية مفادها الإصرار على استكمال كل مراحل الانقلاب، وانتهاك كل المكاسب الديمقراطية، وعدم الاستعداد لكل محاولات فتح حوار وطني أو توفير شروط المصالحة الوطنية".
وأضاف الشعيبي: "إذا كان أهم زعماء المعارضة في السجن، فمن الذي يجرؤ على دق باب السلطة أو دعوتها للحوار، أو الاستجابة لأي دعوة يمكن أن تتوجه بها للساحة السياسية".
وعن تداعيات سجن الغنوشي على المشهد الوطني وعلى النهضة، يؤكد الشعيبي أن ذلك "أثّر بقوة على حركة النهضة وعلى كل الحركة الديمقراطية المعارضة لسلطة الانقلاب (...) فالنهضة احتاجت لبعض الوقت لاستعادة توازنها، خاصة وقد ترافق هذا الاعتقال بإغلاق مقراتها كلها ومنع أعضائها من الاجتماع في هذه المقرات، بما مثل انتهاكاً صارخاً لحرية التنظيم والاجتماع. لكن هذا الارتباك لم يدم طويلاً، وعادت الحركة لمستوى تعبئتها السياسية والتنظيمية المعهودة، وشاركت بقوة في إنجاح كل التحركات التي دعت لها جبهة الخلاص الوطني، بما يدل بوضوح على تعافيها".
وقال الشعيبي إنّ "اعتقال رئيس الحركة، أدى لبروز آلية قيادة جماعية للحركة، نجحت في أن تملأ الفراغ الذي تركه اعتقال رئيسها. فعندما اعتقلت السلطة رئيس الحركة بالنيابة منذر الونيسي، استطاعت الحركة أن تتجاوز بسرعة هذا الاعتقال بفضل هذه القيادة الجماعية والتضامنية".
وأكد الشعيبي أنه "إلى حين أن تتوفر المناخات السياسية والاستعدادات التنظيمية لتنظيم مؤتمر الحركة القادم، فإنها ستدار من خلال أمين عام ونواب ومكتب تنفيذي مصادق عليهم جميعا داخل مجلس الشورى". ويقبع الغنوشي في الاعتقال منذ 197 يوماً.
وعن وضعه الصحي والنفسي من داخل سجنه، أكد الشعيبي أن الغنوشي "بعد أكثر من ستة أشهر في السجن، هو اليوم بنفس إيمانه بالقيم والمبادئ التي طالما كان يناضل من أجلها، وهو بنفس الثقة بأن حبل الانقلاب قصير، وأن الربيع الديمقراطي التونسي لا يمكن أن تعكر صفوه زوبعة عابرة كهذه الموجة الشعبوية التي تجتاح بلادنا. وهو يتابع باهتمام تفاصيل المشهد الوطني، وتطورات العدوان على غزة، وهو يدعو لنصرة غزة وأهلها ويحيي هبة الشعب التونسي الذي تضمخ بحب فلسطين ودعم المقاومة حتى يستعيد حقوقه كاملة".