رغم الجهود التي بذلتها الدبلوماسية الفلسطينية في الآونة الأخيرة، إلا أنها فشلت في منع الاتحاد الأوروبي من فرض شروط مرتبطة بالمساعدات التي يقدمها لفلسطين، ولم تحقق أي اختراق في ذلك.
وانتهى، الأسبوع الماضي، الاجتماع الدوري للجنة الفلسطينية الأوروبية المشتركة في بروكسل، دون أن ينتهي البت بمسألة ربط الدعم المالي للسلطة الفلسطينية بشروط تغيير وتعديل المناهج التعليمية الفلسطينية بما يتوافق مع مطالب الاحتلال الإسرائيلي.
لا اختراق في إلغاء الدعم المشروط
وقال وزير الخارجية والمغتربين الفلسطيني رياض المالكي، في تصريح صحافي لإذاعة "فلسطين" الرسمية، اليوم الإثنين، إن "الاتحاد الأوروبي لا يزال يمنع وصول المساعدات المالية لخزينة دولة فلسطين حتى الآن، ولا يوجد أي اختراق في ذلك، لإصراره على موقفه بتعديل المنهاج الدراسي قبل استئناف الدعم المتوقف منذ عامين".
وأشار المالكي إلى أن المفوض المكلّف بسياسة الجوار الأوروبي ومفاوضات التوسع في الاتحاد الأوروبي أوليفر فاريلي سيزور فلسطين، الأسبوع القادم، وسيتم البحث معه في إلغاء الشروط الأوروبية.
وأكد المالكي وجود خلافات حادة بين دول الاتحاد الأوروبي بخصوص استئناف الدعم المالي لفلسطين، حيث صوتت 9 دول ضد استئناف الدعم، و9 دول أيدت الدعم المالي دون شروط، فيما امتنعت تسع دول عن التصويت، ما يعني استمرار الأزمة.
ووفق المالكي، فإن القيادة الفلسطينية تتابع الموضوع على أعلى المستويات، وسيتم إرسال رسالة إلى مفوضية الاتحاد الأوروبي من الرئيس الفلسطيني محمود عباس حول هذا الأمر، ضمن التحركات الدولية لتوفير الدعم المالي لأبناء الشعب الفلسطيني.
وشدد المالكي على أن فلسطين ترفض شروط التمويل للخزينة العامة بشكل كامل، مؤكداً أن هذا الأمر مرفوض من دول أخرى تتلقى مساعدات من الاتحاد الأوروبي، ما يضع الاتحاد الأوربي أمام حرج دولي بوضع اشتراطات للتمويل، على حد تعبيره.
غموض في كيفية التمويل
في رام الله، لا يفضل المسؤولون الحديث عن الموضوع ويكتفون بالتأكيد على أن الدعم الأوروبي قادم لا محالة، دون التطرق لموضوع ربطه بشروط تغيير المناهج الفلسطينية حسب النقاش الدائر في بروكسل والذي سيستمر في اجتماع يوم غد الثلاثاء على أقل تقدير، وكذلك صرّح مكتب الاتحاد الأوروبي في القدس بأن الدعم سيتواصل دون ذكر متى سيصل وعلى أي أساس.
لكن الأسوأ أن وزارة الخارجية الفلسطينية لم تتطرق في كل تصريحاتها للحديث عن فشلها في حشد دعم 14 دولة أوروبية لإسقاط مشروع قرار يناقش المناهج التعليمية الفلسطينية، ما يفتح باب الأسئلة حول إمكانية أن يساند الاتحاد الأوروبي السلطة الفلسطينية في قرارات سياسية مصيرية وقت الجد، مثل وقف الاستيطان أو قيام دولة فلسطينية ذات سيادة على كامل الأراضي المحتلة عام 1967 أو حتى في القضايا المقدمة أمام المحكمة الجنائية الدولية، إذا كان هذا الاتحاد الأوروبي الآن يخضع للضغوط الإسرائيلية في ما يتعلق بمساعدات مالية بعشرات الملايين فقط.
وقالت مصادر أوروبية مطلعة لـ"العربي الجديد": "لم تنجح الدبلوماسية الفلسطينية في حشد 14 دولة أوروبية لإفشال مشروع القرار الذي تقدم به المفوض المكلّف بسياسة الجوار الأوروبي ومفاوضات التوسع في الاتحاد الأوروبي أوليفر فاريلي".
وتابع المصدر: "صحيح أن فاريلي لم يستطع هو الآخر حشد 14 دولة أوروبية لتصوّت معه لإنجاح مشروع قراره بربط مساعدات الاتحاد الأوروبي للفلسطينيين بشروط (إصلاح التعليم) الفلسطيني، لكن ملف المساعدات الأوروبية المشروطة قد تم فتحه بالفعل، ولا أعتقد أنه سيغلق من قبل الاتحاد الأوروبي، الذي تنظر له السلطة الفلسطينية كحليف سياسي أساسي".
لماذا لم تصل المساعدات الأوروبية؟
لكن ما الذي حدث في بروكسل خلال الأسبوع الماضي؟ ولماذا لم تصل المساعدات الأوروبية والتي تبلغ قيمتها 214 مليون يورو الخاصة بعام 2021 حتى الآن؟ ولماذا ما زالت المشاورات في المفوضية الأوروبية مستمرة حولها؟
تفيد المعلومات التي وصلت لمراسلة "العربي الجديد"، بأن المساعدات الأوروبية كان من المفترض أن يتم صرفها في بداية العام الماضي، بناء على قرار لجنة الموازنة في البرلمان الأوروبي، الأمر الذي لم يحدث، وهذه سابقة منذ تأسيس السلطة الفلسطينية، وكان عذر الأوروبيين حينها أن عدم الصرف يعود لأسباب فنية، وهذا غير صحيح، وفق مصادر "العربي الجديد" التي اشترطت عدم كشف هويتها.
وتفيد المصادر بأن "السبب الحقيقي هو إلغاء الانتخابات التشريعية الفلسطينية، وسجل انتهاك الحريات العامة الحافل لدى السلطة الفلسطينية"، وأضافت أن هناك "سببا آخر غير معلن، هو التحريض الإسرائيلي المستمر على المناهج التعليمية الفلسطينية، التي يتهمها بالتحريض ضد السامية وكراهية إسرائيل، ودعم السلطة الفلسطينية للأسرى والأسرى المحررين والشهداء والجرحى".
ضغوط لتغيير المناهج
يضغط الاتحاد الأوروبي من أجل تغيير مناهج التعليم في المدارس الفلسطينية منذ عام 2017، وقد تم إفشال مشروع قرار بهذا الإطار بتصويت البرلمان الأوروبي عامي 2018 و2019، ولم يتم طرحه ثانية عامي 2020 و2021، بسبب تفشي وباء كورونا.
وقالت الباحثة مجد حمد لـ"العربي الجديد": "قدّم الاتحاد الأوروبي، في أكتوبر/ تشرين الأول 2021، تعديلًا يشترط تقديم 23 مليون دولار من التمويل الأوروبي بتغيير الكتب المدرسية التابعة للسلطة؛ إذ أقرَّت لجنة الميزانيات التابعة للاتحاد تعديلًا على ميزانيتها للعام 2022، ما لم تتم مراجعة مناهج السلطة، ووافقت لجنة الميزانية في البرلمان الأوروبي على التعديل لحجب 23.2 مليون دولار من المساعدات المقدمة إلى الأونروا (وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين) إذا لم يتم إجراء تغييرات فورية على المناهج الدراسية التي تدّرس في مدارسها".
ما المطلوب لإسقاط المقترح؟
في اجتماع الثلاثاء الماضي في بروكسل تم طرح المشروع للنقاش، وبهدف إسقاط المقترح يجب أن تصوّت ضده 14 دولة أوروبية، وهو العدد نفسه المطلوب للتصويت لإنجاح المشروع، لكن ما حدث أن ست دول فقط دعمت فلسطين أي صوتت ضد القرار، وهي فرنسا، وإسبانيا، وإيطاليا وأيرلندا ولوكسمبورغ ومالطا، في حين ساندته ألمانيا، والتزمت الصمت 11 دولة، وامتنعت ست.
وحسب النظام الأوروبي في هذه الحالة، وبسبب عدم قدرة الطرفين المؤيد والرافض للمشروع على حشد دعم 14 دولة، فإن هذا المقترح يعود لمفوضية الجوار ليقرر المفوّض الهنغاري أوليفر فاريلي، المعروف بمساندته لإسرائيل، ما يراه مناسبا.
وقال مصدر مطلع لـ"العربي الجديد": "فاريلي ينظر لهذا المقترح على أنه طفله، ويدافع عنه منذ عدة سنوات، ومن غير المتوقع أن يستسلم بسهولة".
وأضاف قائلا "الشروط لا تشمل جميع المساعدات، وإنما قام المفوض بوضعها على 10 ملايين يورو وهي حصة المدارس ورواتب المعلمين".
وتابع المصدر: "يستطيع الفلسطينيون التوقيع على المبلغ كله كرزمة واحدة، ويملكون حق رفض الـ10 ملايين يورو، لأنها تحت شروط، أو كما يقول المفوض الأوروبي (حوافز)- في حال تم تعديل المناهج سيتم منحها للفلسطينيين تحفيزا لهم-، لكن مبدأ وضع الشروط هو السيئ، وبهذا يكون قطار الدعم المشروط للسلطة أوروبياً قد انطلق فعلاً بمخاوف أن تتدحرج لجميع المساعدات في السنوات القادمة".
شروط قاسية
بدأ الاتحاد الأوروبي بفرض شروط قاسية على دعم المؤسسات غير الحكومية والجامعات الفلسطينية وطالبها بالتوقيع على الدعم المشروط منذ يونيو/ حزيران 2021، ما حرم كبرى الجامعات الفلسطينية من الدعم، مثل جامعة بيرزيت في رام الله على سبيل المثال.
وتراجع الدعم المالي الذي يقدمه الإتحاد الأوروبي للسلطة الفلسطينية بشكل كبير في السنوات الماضية، حيث وصل الدعم عام 2003 و2004 إلى 500 مليون يورو، ويعود هذا الأمر بالدرجة الأولى إلى تراجع إمكانية تحقيق حل الدولتين الذي بات غير ممكن على الأرض.
وقال مصدر في مكتب الاتحاد الأوروبي في القدس لـ"العربي الجديد": "نعمل حالياً على استكمال الإجراءات الداخلية في المفوضية الأوربية المتعلقة باعتماد المساعدات المالية للسلطة الفلسطينية لعام 2021، في صيغتها النهائية، لذلك لا يمكننا الخوض في مزيد من التفاصيل في هذه المرحلة".
وتابع المصدر: "يواصل الاتحاد الأوروبي كونه أكبر مانح لفلسطين، ونأمل أن نتمكن من إعلان قرار بشأن المساعدة المستقبلية ومعالجة المدفوعات بأسرع ما يمكن"، لافتاً إلى "تمتع الاتحاد الأوروبي والسلطة الفلسطينية بشراكة قوية تسترشد بمبادئ المساءلة المتبادلة والشفافية واحترام حقوق الإنسان التي تعتبر ضرورية لإقامة دولة فلسطينية ديمقراطية وقابلة للحياة".
في حين أكد مصدر فلسطيني، فضل كذلك عدم ذكر اسمه، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "كل هذه الاجتماعات من أجل الحصول على الدعم المالي لعام 2021، لا نعرف كيف سيكون عليه الوضع بالنسبة لمساعدات 2022".