السودان: عودة التفاوض تؤجج المعارك

27 أكتوبر 2023
الخرطوم في خضم الاشتباكات، يونيو الماضي (فرانس برس)
+ الخط -

استأنف طرفا النزاع في السودان، الجيش وقوات الدعم السريع، مفاوضاتهما في مدينة جدّة السعودية حسب ما أعلنت وزارة الخارجية السعودية أمس الخميس، في وقت احتدمت فيه المعارك في أكثر من منطقة سودانية وسط إعلان "الدعم السريع" أنها سيطرت على قيادة المنطقة الغربية الفرقة 16 مشاة نيالا في ولاية جنوب دارفور.

وإذا ما تأكدت هذه الأنباء، فإن تحكم "الدعم السريع" بنيالا، والتي تعد ثاني أكبر المدن السودانية بعد العاصمة الخرطوم، فإن من شأن ذلك أن يشكل نقطة تحول في الحرب الممتدة منذ 15 إبريل/نيسان الماضي.

ورحبت وزارة الخارجية السعودية في بيان أمس "باستئناف المحادثات في مدينة جدة بتيسير من المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأميركية". كما يشارك في مفاوضات جدة ممثلون عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية في شرق أفريقيا "إيغاد".

وذكرت وزارة الخارجية السعودية في بيانها أنّ المملكة "تحث القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع على استئناف ما تم الاتفاق عليه بينهما في إعلان جدة (الالتزام بحماية المدنيين في السودان) في 11 مايو/أيار 2023 وعلى اتفاق وقف إطلاق النار قصير الأمد الموقّع من الطرفين في مدينة جدة في مايو".

وتابعت الخارجية السعودية إنّ المملكة "تؤكد حرصها على وحدة الصف وأهمية تغليب الحكمة ووقف الصراع لحقن الدماء ورفع المعاناة عن الشعب السوداني". وأعربت عن أملها في التوصل إلى "اتفاق سياسي يتحقق بموجبه الأمن والاستقرار والازدهار للسودان وشعبه الشقيق".

في موازاة ذلك، نقلت وكالة "فرانس برس" عن مسؤولين أميركيين معنيين بأزمة السودان أن جولة المباحثات الجديدة تهدف للتوصل إلى وقف إطلاق نار، لكن من السابق لأوانه مناقشة حل سياسي دائم. وأشار مسؤول في وزارة الخارجية الأميركية طلب عدم كشف هويته إلى أن "الجولة الجديدة ستركز على ضمان وصول المساعدات الإنسانية دون عوائق وتحقيق وقف لإطلاق النار وإجراءات أخرى لبناء الثقة". 

وتسببت الحرب في تدهور الأوضاع الإنسانية، كما تسببت بمقتل نحو 9 آلاف شخص، ونزوح أكثر من 5.6 ملايين من ديارهم، واحتياج 25 مليون شخص إلى المساعدات، حسبما أعلن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في 19 أكتوبر/تشرين الأول الحالي.

وسبق أن وقع الطرفان في 11 مايو/أيار الماضي على إعلان جدة لحماية المدنيين، وتم الإعلان عن عدد من الهدن القصيرة لفتح مسارات آمنة وتوصيل المساعدات الانسانية، لكنهما لم يلتزما بذلك.

ولم يستطع المواطنون الاستفادة من الهدن المعلنة بسبب الخروقات المستمرة وتجدد الاشتباكات، وفي 27 يوليو/تموز الماضي، أعاد الجيش وفده المفاوض لمدينة بورتسودان، ورهن العودة لطاولة المفاوضات بالتزام "الدعم السريع" الخروج من منازل المواطنين والأعيان المدنية.

استئناف التفاوض واستمرار المعارك

وشدّد الجيش أول من أمس الأربعاء، على أن "استئناف التفاوض لا يعني توقف معركة الكرامة الوطنية"، مضيفاً في بيان أن "استجابته (للمسار التفاوضي) إيمانا منه بأن التفاوض من الوسائل التي ربما تنهي الحرب. ونأمل أن تلتزم مليشيا التمرد هذه المرة بما تم الاتفاق عليه سابقا".

من جهتها، عبّرت "قوات الدعم السريع" عن "الأمل في تحلي الطرف الآخر بالمصداقية والواقعية والإرادة في الوصول إلى حل يوقف الحرب وينهي معاناة شعبنا". ومع الإعلان عن عودة الطرفين للجلوس إلى طاولة المفاوضات أمس، تزايدت الاشتباكات بينهما، وشنّ الجيش هجوماً على مواقع "الدعم السريع" في منطقة العيلفون، جنوب شرقي الخرطوم، الثلاثاء الماضي.

وأوضح مواطنون في المنطقة لـ"العربي الجديد" أن الجيش أعاد السيطرة على نقاط ارتكاز استولت عليها "الدعم السريع" خلال هجومها في 5 أكتوبر الحالي.


ياسر جبارة: زيادة وتيرة الاشتباكات كانت جزءاً من ترتيبات كل طرف للتفاوض في جدة

في مدينة أم درمان، احتدمت الاشتباكات في الأحياء القديمة وفي منطقة أم بدة وفي شمال أم درمان، حيث أطلقت "الدعم السريع" القذائف على مناطق سكنية. وتبادل الطرفان القصف المدفعي في أحياء الثورات، وذلك في ظل استمرار تحليق الطيران الحربي في سماء العاصمة، وقصف مواقع وتجمعات "الدعم السريع" في مناطق شرق الخرطوم.

وهاجمت "قوات الدعم السريع"، الثلاثاء الماضي، معسكر منطقة القردود الاستراتيجية بولاية جنوب كردفان، واشتبكت مع الجيش في مدينة نيالا بولاية جنوب دارفور، وذلك بمشاركة الرجل الثاني في قيادة "الدعم السريع"، عبد الرحيم حمدان دقلو ضمن القوة المهاجمة.

وضمن معارك نيالا استهدفت "قوات الدعم السريع" عناصر القوة المشتركة المكونة من الحركات المسلحة الموقعة على اتفاق سلام مع الحكومة، وهي القوة المكلفة بحماية المدنيين في المدينة. وقتل خلال الاشتباكات ضابط برتبة نقيب وجنديان آخران.

وكشفت لجان المقاومة في مدينة الفاشر أن المدينة شهدت قصفاً مدفعياً ثقيلاً في محيط قيادة الفرقة 16 مشاة من قبل الطرفين، مشيرة إلى أن "قوات الدعم السريع سيطرت على السلاح الطبي والمستودعات، قبل أن يستعيدهما الجيش مجدداً".

وكان القائد العام للجيش السوداني عبد الفتاح البرهان، أصدر قراراً في 21 أكتوبر الحالي بإحالة اللواء محمد علوي للتقاعد، بعد إعلان "الدعم السريع" انضمامه إلى صفوفها، وذلك عبر نشرها بياناً في حسابها على منصة "إكس" (تويتر سابقاً) في 19 أكتوبر، ذكرت خلاله أن 321 عنصراً من القوات المسلحة بقيادة اللواء محمد علوي، قرروا الانحياز لها استجابة لنداء قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو "حميدتي". وفي سياق متصل أعلنت "الدعم السريع" مساء الأربعاء، أن مجموعة جديدة من 60 فرداً من الفرقة 16 نيالا، انضمت لصفوفها بكامل عتادها العسكري.

أسباب زيادة وتيرة الاشتباكات

وحول هذه التطورات، اعتبر الصحافي السوداني، ياسر جبارة في حديث لـ"العربي الجديد"، أن زيادة وتيرة الاشتباكات والمعارك بين الجيش و"قوات الدعم السريع" منذ الأسبوع الماضي، كانت جزءاً من ترتيبات كل طرف لطاولة المناقشات بينهما في جدة. وحسب جبارة، جاء هذا التصعيد المتبادل لتحصيل بعض نقاط التقدم في الميدان، أملاً في ترجمته على مستوى مخرجات المباحثات.

لكنه رأى أن "هذا الاتجاه يبدو غير ذي جدوى في ظل عدم تحقق اختراقات كبيرة من هذه المعارك، وكذلك عدم امتلاك الجيش ووفده المفاوض لمساحة مناورة مريحة، نظراً إلى الضغوط الشعبية والسياسية التي تدعم اتجاه حل قوات الدعم السريع، والتي صدر قرار حلها من قائد الجيش فعلياً في 6 سبتمبر/أيلول الماضي".


شهدت مدينة نيالا اشتباكات متزايدة في الأيام الأخيرة

وأشار جبارة إلى أن "الجيش متمسك بتنفيذ إعلان المبادئ الموقع في جدة، بخروج قوات الدعم من منازل المواطنين والمستشفيات والأعيان المدنية، وتنفيذ ما تضمنه الإعلان من التزامات من قبل الطرفين، وهو كفيل بإنجاح بقية الخطوات التي تفضي إلى إنهاء الحرب إذا انحصرت ذروة الأجندة في الترتيبات الأمنية".

وكانت نائبة ممثل الأمين العام للأمم المتحدة، منسقة الشؤون الإنسانية في السودان، كليمنتاين نكويتا سلامي، دعت جميع الأطراف إلى وقف القتال، والالتزام بوقف دائم للأعمال العدائية. وشدّدت في تصريحات في 24 أكتوبر الحالي على أهمية تقيد الأطراف في السودان، بالتزاماتها بموجب القانون الإنساني الدولي والقانون الدولي لحقوق الإنسان لحماية المدنيين، وتمكين الوصول الإنساني الآمن إلى المحتاجين. كما اعتبرت أنه "كلما طال أمد هذا القتال، أصبح تأثيره أكثر تدميراً".

بدوره، اعتبر وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، المنسق العام للإغاثة في حالات الطوارئ مارتن غريفيث، في 15 أكتوبر الحالي، بمناسبة مرور ستة أشهر على بدء النزاع في السودان، أن "المدنيين، خصوصاً في الخرطوم ودارفور وكردفان، لم يعرفوا أي راحة من إراقة الدماء والذعر لستة أشهر. وتتواتر التقارير المروعة عن حالات الاغتصاب والعنف الجنسي، كما تتزايد الاشتباكات على أسس عرقية ولا سيما في دارفور".