أربكت تسريبات صحافية بالسودان عن توقيف ضباط في الجيش في محاولة انقلاب، في خضم حربه مع قوات "الدعم السريع"، الحسابات كلها في البلاد.
وكانت صحيفة "السوداني" قد أوردت نقلاً عن مصادر تابعة لها، اعتقال استخبارات الجيش السوداني بمنطقة وادي سيدنا العسكرية في أم درمان، عدداً من الضباط الفاعلين في قيادة العمليات العسكرية في المدينة، بتهمة الإعداد لانقلاب.
وكشفت الصحيفة، عن أن حملة الاعتقالات استهدفت ضباطاً نشطين في إدارة العمليات بأم درمان بصورة خاصة، وأن المعتقلين يشملون قائد المتحرك الاحتياطي في معسكر سركاب، غربي أم درمان، ومدير الإدارة الفنية بالدفاع الجوي، ومسؤولاً عن الرادارات وأجهزة التشويش المضاد للمسيّرات، ومسؤول عمليات الدعم والإسناد الاستراتيجي لمواقع المدرعات والشجرة، فيما يجري اعتقال ضابط برتبة عميد يشغل منصب قيادة أحد المتحركات بمدينة أم درمان.
وأشارت المصادر إلى أن اعتقالات الضباط تزامنت مع زيارة عضو مجلس السيادة، مساعد القائد العام للجيش، الفريق إبراهيم جابر، لمنطقة وادي سيدنا العسكرية.
وبعد مرور ساعات على نشر الصحيفة للتسريبات، في السياق، قال مساعد القائد العام للجيش السوداني ياسر العطا، إن القوات المسلحة لبلاده "كلها خلف قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، والقوات النظامية الأمنية تعمل خلف القيادة بقلب رجل واحد وفق تراتبية منظمة".
وأضاف، خلال مخاطبته وفداً شعبياً بأم درمان غربي العاصمة الخرطوم، وفق بيان للجيش السوداني، أن "القوات المسلحة كلها خلف القائد، والجيش السوداني هو كيان قوي سيحقق ويلبي أشواق ورغبات الشعب".
وأشار العطا إلى أن "رؤية ومطلوبات الانتصار كلها مكتملة في أم درمان، وبحري (شمالي العاصمة الخرطوم)، وكذلك ولاية الجزيرة (وسط)".
وللسودان تاريخ طويل مع الانقلابات العسكرية، وصلت لأكثر من 13 محاولة، نجحت منها أربع، إذ كانت الأولى في عام 1958 بواسطة إبراهيم عبود، والثانية في 1969 بواسطة جعفر نميري، والثالثة بواسطة عمر البشير 1989، أما الأخيرة فقد وقعت في عام 2021 بواسطة قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، بمساعدة من قائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو، قبل أن تأتي المحاولة الأخيرة اليوم، وهي الأولى من نوعها عقب اندلاع الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع في الخامس من إبريل/ نيسان الماضي، والتي دخلت شهرها العاشر دون بصيص أمل لإنهائها بحسم عسكري أو حوار سياسي.
وتتباين الرؤى والتحليلات حول ما جرى من توقيف لضباط الجيش، إذ يراها البعض محاولة للإطاحة بسلطة قائد الجيش الجنرال عبد الفتاح البرهان، بينما قدّرها آخرون كمجرد تململ من إدارة قادة الجيش للعمليات العسكرية في الحرب ضد الدعم السريع.
ويستبعد أستاذ الدراسات الاستراتيجية اللواء متقاعد محمد خليل الصائم في حديث مع "العربي الجديد"، وقوع أي محاولة انقلابية، ويراها "تضخيماً إعلامياً متعمداً، لأنه ليس لعاقل أن يفكر في انقلاب في هذا التوقيت لمحدودية تحركه، وخصوصاً أن كلّ الفرق العسكرية والألوية مشغولة تماماً بما يدور في الميدان، وتبلغ يقظتها ذروتها، مرجحاً وجود حالة تذمر من الضباط لوجود نواقص على شاكلة نقص المؤن والذخائر، وهو أمر تجاوزه السودان في الأسابيع الماضية بتحسن علاقته مع عدد من الدول، ما وفر له كميات كبيرة من الإمداد العسكري". كما نبه إلى أن إظهار التذمر بأي شكل من الأشكال يُعدّ عدم انضباط عسكري يستوجب المحاسبة.
ويؤكد الصائم أنه حتى موضوع البطء في العمليات العسكرية هو نتاج أشياء تعلمها وتدركها القيادة، مشيراً إلى أن الحدث العارض لن يؤثر على وحدة وتماسك الجيش السوداني مطلقاً، وما جرى حدث سابقاً في كل جيوش العالم، وآخرها في أوكرانيا، حيث تم التحفظ على عدد من الضباط، مبيناً أن الجيش السوداني مؤسسة قديمة وراسخة، وتقف على قلب رجل واحد، مستنكراً بشدة الربط بين الواقعة ووجود مساعد قائد الجيش الفريق إبراهيم جابر في منطقة وادي سيدنا العسكرية، وهو ربط قصد به زعزعة قيادة الجيش ووحدتها.
ويشدد الصائم على أن العمليات العسكرية مستمرة، وفيها يحقق الجيش انتصاراً تلو الآخر، ولن يتوقف المقاتلون عند تلك الأقاويل.
بدوره، يرى أدهم المعتصم، أن الخطوة التي أقدم عليها عدد من الضباط خاطئة من حيث الزمان والمكان، وفي ظرف لا تحتاج فيه البلاد لشيء سوى الالتفاف حول قيادة الجيش من أجل تحقيق هدف أسمى هو القضاء على مليشيا الدعم السريع، مبيناً أن المحاولة محكوم عليها بالفشل نسبة للمعطيات الواقعية الميدانية، وحتى لو نجحت في الاستيلاء على السلطة، فهي لن تستطيع ترتيب الداخل المعقد بمجموعة من الاشكاليات.
ويستبعد المعتصم في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن تكون للمحاولة أي أثر يذكر على وحدة وتماسك الجيش السوداني الذي يلتف حوله الشعب بأجمعه ضد عدو واحد مارس مختلف الانتهاكات بحق مجموعات واسعة من السودانيين من قتل، ونهب، وتشريد، وتدمير للبنى التحتية، مبيناً أن الضباط المشاركين في الفعل ليسوا من كبار الضباط، وبالتالي يقل تأثيرهم، مشيراً إلى أن ما ورد عن تذمر الضباط الموقوفين، لو أتى كرد فعل على بطء العمليات العسكرية، فهذا ليس زمانه، رغم الإقرار بذلك البطء، ويمكن المحاسبة عليه بعد انجلاء غبار المعركة.
ومن جهته، يرجح الكاتب والمحلل السياسي النذير إبراهيم فرضية التأثير السلبي للمحاولة على وحدة الجيش وعملياته العسكرية التي تشهد تقدماً واسعاً في الأيام الماضية بعدد من المحاور، بما فيها محور أم درمان، مكان المحاولة الانقلابية، لكن إبراهيم، يؤكد لـ"العربي الجديد"، أنه مهما حدث، فإن ذلك لن يغير في نتيجة المعركة لصالح الجيش السوداني، مشيراً إلى أن زمن الانقلابات العسكرية قد ولى بلا رجعة، وأن أي تغيير لن يحدث إلا عن طريق الوسائل المدنية.
على صعيد آخر، يتواصل توقف اثنتين من شركات الاتصالات في السودان هما "سوداني" و"أم تي أن"، ما أحدث ارتباكاً كبيراً وسط السودانيين، خصوصاً في تعاملات التطبيقات البنكية والتجارية. وفشل سودانيون كثر في استلام تحويلات مالية من ذويهم بالخارج يعتمدون عليها في حياتهم اليومية، كما توقفت في حالات أخرى معاملات تجارية خاصة بسلع ضرورية.
وأمس الاثنين، اتهمت وزارة الخارجية في بيان صحافي، قوات الدعم السريع باللجوء لقطع الاتصالات الهاتفية وشبكة الإنترنت في أجزاء واسعة من البلاد، باستخدام وسائل الإرهاب، والتخريب، وابتزاز الشركات العاملة في هذا المجال الحيوي، وذلك في مواجهة الهزائم العسكرية التي تعرضت لها المليشيا الإرهابية، وتضييق الخناق عليها أخيراً.
إلى ذلك، حذرت المنسقية العامة لمعسكرات النازحين واللاجئين من تدهور مستمر وخطير في الوضع الإنساني والصحي. وأطلقت المنسقية، نداءً إنسانياً عاجلاً للمجتمع الإقليمي والدولي، والأمم المتحدة، ومجلس الأمن الدولي، والاتحاد الأفريقي، ودول الترويكا، والولايات المتحدة الأميركية، حول الوضع الإنساني الحرج الذي وصلت إليه مخيمات النازحين بإقليم دارفور، والذي يرتقي، حسب بيانها، لدرجة الكارثة الإنسانية، وكذلك ما تعيشه المجتمعات السودانية المتأثرة بالحرب، وهي في حاجة ماسة إلى وصول المساعدات الإنسانية الطارئة من الغذاء، والأدوية المنقذة للحياة، ومياه الشرب، والمأوى، محذرة من أزمة مجاعة حقيقية، ومن تفشي الأمراض، وسوء التغذية للأطفال، والنساء الحوامل، والمرضعات، بسبب عدم توفر الطعام الكافي، مما ينذر بحدوث موت جماعي بالجوع والأمراض داخل مخيمات النزوح، وهنالك عشرات الأطفال والنساء وكبار السن يموتون يومياً بسبب نقص الغذاء.