في استمرار للمعارك التي دخلت شهرها السابع بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، خاض الطرفان في الأيام الماضية معركة جديدة في منطقة جبل أولياء، أقصى جنوب العاصمة الخرطوم، إذ هاجمت "الدعم" المنطقة الاستراتيجية التي تضم خزان جبل أولياء، حيث يتم تخزين كميات كبيرة من المياه، والذي حذر مراقبون من أنه سيُغرق الخرطوم في حال انهياره نتيجة الاشتباكات الجارية حوله.
وخزان جبل أولياء هو سد حجري على نهر النيل الأبيض، وأنشئ عام 1937، وظل تحت الإشراف الفني والإداري للحكومة المصرية وفق اتفاقية بين الدولتين، حتى تم تسليمه إلى حكومة السودان عام 1977.
وتضم منطقة جبل أولياء قاعدة "ود النجومي" الجوية الخاصة بالمروحيات، ومعسكراً للجيش السوداني، وتمثل بوابة الدخول الجنوبية للعاصمة الخرطوم من الولايات الأخرى.
تبادل اتهامات بتدمير الجسر المتحرك للخزان
وتسببت الاشتباكات التي تجري منذ أسبوع، في تدمير الجسر المتحرك للخزان، وتبادل الجيش وقوات الدعم السريع الاتهامات حول تدمير الجسر. وقال الجيش، في بيان يوم 18 نوفمبر/تشرين الثاني الحالي، إن ما وصفها بالمليشيا المتمردة أقدمت في "مواصلة لمشروعها التدميري للبلاد وتخريب بنيتها التحتية، على قصف مواقع قواته، ما تسبب في تدمير جسر خزان جبل أولياء".
كثفت قوات الدعم السريع هجومها على منطقة خزان جبل أولياء
من جهتها، أصدرت "الدعم" بياناً في اليوم نفسه قالت فيه إن مليشيا البرهان - قائد الجيش عبد الفتاح البرهان- وفلول "المؤتمر الوطني" الإرهابية حسب وصفها، دمرت جسر خزان جبل أولياء، معتبرة ذلك "عملاً إرهابياً بامتياز وجريمة حرب مكتملة الأركان... ونحمل مليشيا البرهان المسؤولية كاملة في حالة حدوث أي أضرار على خزان جبل أولياء".
ثم أصدرت قوات الدعم السريع بياناً آخر في 21 نوفمبر الحالي، أكدت فيه حرصها الشديد على أمن خزان جبل أولياء وسلامته "وتوفير كافة الضمانات والتسهيلات اللازمة لعودة كافة الفرق الفنية والهندسية العاملة في السد، لا سيما البعثة المصرية، ومباشرة عملها الفني الخاص بعمليات الرصد المائي على النهر".
تكثيف "الدعم" هجماتها على جبل أولياء
وبعد تدمير جسر شمبات الرابط بين مدينتي الخرطوم بحري وأم درمان في 11 نوفمبر الحالي، كثفت قوات الدعم السريع هجومها على منطقة خزان جبل أولياء، التي تضم جسراً ضيقاً تابعاً لخزان المياه يربط بين الخرطوم وأم درمان.
ولدى قوات الدعم السريع معسكر في منطقة صالحة في أم درمان وتحتاج -حسب مراقبين- إلى معبر بري يربطها بالضفة الشرقية للنيل في جبل أولياء، حيث تمتلك معسكراً آخر هناك في منطقة طيبة الحسناب.
فرار السكان من مدينة القطينة
وسيطر الهلع على المواطنين في مدينة القطينة في ولاية النيل الأبيض، والتي تعتبر أقرب مدينة للخرطوم من الناحية الجنوبية، وتضم معسكراً للجيش يتم فيه تدريب الآلاف من المجندين الجدد. وشهدت المدينة في الأيام الأخيرة موجة نزوح جماعي للسكان خوفاً من اقتراب المعارك، حيث تسمع أصوات الاشتباكات الجارية في جبل أولياء.
وتبعد القطينة عن جبل أولياء نحو 45 كيلومتراً، ويربطها به طريق بري معبّد شرق نهر النيل الأبيض. وقد أصيبت المدينة بالشلل بسبب فرار التجار والمواطنين وإغلاق المؤسسات الحكومية والمراكز الصحية، وصار السوق يعمل بصورة جزئية، فيما أصبحت الكثير من أحياء المدينة شبه خالية من السكان، الذين غادروا على عجل منذ الأيام الأولى للاشتباكات، إذ كانت الطائرات المقاتلة تحلق فوق المنطقة وتعود نحو جبل أولياء.
ورصدت "العربي الجديد" نزوح سكان أحياء منطقة جبل أولياء، والقرى الواقعة بينها وبين مدينة القطينة، وهي قرى الشيخ الياقوت، ود الكريل، منارة الغبش، والخلوات، على متن الحافلات والسيارات الخاصة والشاحنات، متوجهين نحو مدن الدويم وكوستي وربك، ومدينة ود مدني في ولاية الجزيرة القريبة. وتتراوح قيمة تذاكر السفر بين 10 آلاف و15 ألف جنيه حسب بعد المنطقة (الدولار يساوي 800 جنيه سوداني).
وقرر بعض النازحين الذين لجأوا إلى القطينة العودة إلى الخرطوم، وهو حال السيدة بخيتة وبناتها الاثنتين، حيث توجب عليهن السفر من القطينة إلى مدينة الحصاحيصا بولاية الجزيرة وسط السودان، ومن ثم استقلال الحافلات إلى الخرطوم بحري وصولاً إلى منطقة الحاج يوسف.
شهدت مدينة القطينة موجة نزوح جماعي للسكان خوفاً من اقتراب المعارك منها
وقالت بخيتة، لـ"العربي الجديد"، إنها كانت تنوي العودة لمنزلها في حي أم بدة بمدينة أم درمان، لكن ابنها طلب منها القدوم إلى حي الحاج يوسف حيث الوضع مستقر نوعاً ما، على الرغم من سيطرة "الدعم السريع" على المنطقة منذ أشهر.
وتسببت المعارك في انقطاع الكهرباء عن مدينة القطينة منذ نحو أسبوع، وتفاقمت بسبب ذلك مشكلة المياه، حيث يعاني السكان لتوفير مياه الشرب، وتستخدم بعض المنازل والمتاجر ألواح الطاقة الشمسية لسحب المياه وشحن الهواتف، بينما تنتشر في أحياء أخرى مضخات المياه اليدوية التي تسمى محلياً (كرجاكة) لتوفير مياه الشرب، والتي يصطف عندها النساء والأطفال طوال اليوم.
وقال المواطن محمد موسى، الذي جاء نازحاً من الخرطوم، إنه بعد أربعة أيام من احتدام معارك جبل أولياء سرت شائعات قوية أن قوات الدعم السريع تتوجه إلى المدينة، الأمر الذي تسبب في فرار الكثير من السكان والتوجه جنوباً نحو مدينة الدويم. وأضاف أن السوق أصيب بالشلل وتوقف العمل. وتابع: "أصبحنا نفكر الآن في مغادرة المدينة والنزوح إلى مكان آخر".
الجيش ينتشر عند مدخل القطينة
وينتشر عناصر الجيش عند مدخل مدينة القطينة على الطريق الرئيسي المتجه شمالاً نحو جبل أولياء، وينصبون المدافع والرشاشات المتوسطة ويتمترسون حول خنادق بجوار الطريق. وكذلك يتمركز الجيش عند مدخل المدينة الجنوبي على الطريق المتجه نحو مدينتي الدويم وربك، ويفتشون السيارات ويدققون بهويات الركاب.
وداخل المدينة وفي السوق تحديداً تتجول سيارات عسكرية للجيش عليها مدافع "دوشكا" السوفييتية وقذائف "آر بي جي"، بينما ينتشر أيضاً جنود يطلق عليهم اسم "المستنفرون" (متطوعون من المدنيين دربهم الجيش) وهم يحملون بنادق كلاشنكوف، ويتجولون طوال اليوم داخل السوق، ويدخلون أحياناً في مشاجرات مع الباعة والمواطنين.
فرار أصحاب السيارات خوفاً من انتزاعها منهم
وقال المواطن عبد الرحيم إبراهيم، الذي يعمل في صيانة السيارات، لـ"العربي الجديد"، إن الكثير من أصحاب السيارات هربوا بسياراتهم إلى قرى ومدن أخرى، مثل قرية نعيمة ومدن كوستي والدويم وربك، خوفاً من انتزاعها منهم حال سقطت المدينة في أيدي قوات الدعم السريع. وأضاف أن عملهم توقف وصار السوق شبه فارغ من مرتاديه، حيث أغلقت المحال وورش الصيانة وغادر أصحاب المطاعم.
بدوره قال التجاني أحمد، الذي يملك متجراً للمواد الغذائية في سوق القطينة، لـ"العربي الجديد"، إنه أرسل كل أمواله إلى مدينة أخرى ومعها جزء من البضائع، وحوّل رصيده البنكي عبر تطبيق هاتفي مصرفي إلى شقيقه في السعودية خوفاً من التعرض للنهب في حال قدوم "الدعم السريع".
وأضاف: "نعمل بالقليل من الأموال النقدية والبضاعة الآن، ومستعدون للمغادرة في أي وقت... لا يمكننا المخاطرة. بعد سقوط جبل أولياء سوف يأتون إلى هنا في أي يوم".