قفزت قضية المفاعلات النووية السويدية بسرعة إلى واجهة النقاشات وجدل الانتخابات البرلمانية المقررة في 11 سبتمبر/أيلول القادم.
مطالب زيادة الاعتماد على الطاقة النووية ليست بمعزل عن دعوات أوروبية أخرى تسعى إلى توليد كهرباء لا تعتمد على الوقود الأحفوري والغاز الطبيعي المستورد من الخارج، وخصوصا بعد تصاعد أزمة الإمدادات الروسية وتأثيرها السلبي على جيوب المستهلكين.
وبات الجدل يتوسع أوروبيا حول المفاعلات النووية، خصوصا في ألمانيا وفنلندا وفرنسا، حيث ترتفع المطالب بزيادة الاستثمار فيها.
باريس، في سياق أوروبي يرى الطاقة النووية بديلا بيئيا ومناخيا أفضل من الوقود الأحفوري، عبرت عن طموحها ببناء المزيد من المفاعلات، بينما تعيش ألمانيا صخب دعوات الاعتماد على الطاقة النووية.
وذهب وزير مالية برلين وزعيم "الحزب الليبرالي"، كريستيان ليندر، الإثنين الماضي، إلى اعتبار أنه "من غير الحكمة في أزمة الطاقة الحالية تجاهل الخيارات الآمنة والصديقة للمناخ لإنتاج الكهرباء، وهي الطاقة النووية".
في المقابل، ترفض وزيرة الخارجية من "حزب الخضر"، أنالينا بربوك، المفاعلات النووية، معتبرة أن الاعتماد عليها "سيكون جنونا ويصبح أكثر تكلفة إذا ما اختارت ألمانيا عدم مواصلة التخلص التدريجي من مفاعلاتها".
وأصبح الجدل في السويد حول إنشاء المزيد من المحطات وإعادة العمل بالمغلقة (12 محطة) مرتبطا بحالة أوروبية فرضت نفسها بعد سنوات من الاعتماد على نسبة لا بأس فيها من صادرات روسيا من الغاز، رغم تناقصها منذ بداية الغزو الروسي لأوكرانيا في 24 فبراير/شباط الماضي.
ويلعب معسكر يمين الوسط واليمين المتشدد في استوكهولم هذه الأيام على وقع أزمة الطاقة، بوعود ودعوات انتخابية في الاستثمار وتشغيل المزيد من المحطات النووية، إذ إن زعيم كتلة يمين الوسط ورئيس حزب المعتدلين، أولف كريسترسون، يعد في حال وصول ائتلافه اليميني إلى رئاسة الحكومة بـ"تسريع أكبر للاستثمارات في الطاقة النووية، وإزالة العقبات القانونية والسياسية من أمام إنشاء المزيد من محطات الطاقة النووية".
ومن بين تلك العقبات، يعد كريسترسون بإزالة رسوم طلب بناء مفاعل نووي، والبالغة نحو 100 مليون كرونه سويدية، لإتاحة المجال أمام الشركات ومراكز الأبحاث لبناء المزيد منها، ولو محطات نووية صغيرة.
يذكر أن السويد انتهجت في السنوات العشر الأخيرة سياسة التخلص التدريجي من مفاعلاتها النووية، وخصوصا محطة بيرسبيك جنوبي البلد، المقابلة للعاصمة الدنماركية كوبنهاغن، لكن خلال السنوات القليلة الماضية أبطأت التخلص النهائي منها، وتوقف تقديم طلبات لبناء محطات جديدة منذ 2010، أما اليوم، وعلى ضوء الارتفاع الجنوني لأسعار الكهرباء على المستهلكين، يندفع معسكر اليمين إلى وضع الطاقة النووية على طاولة الناخبين، باعتبارها "طاقة نظيفة ومتجددة وأرخص ثمنا".
ومن اللافت في هذا السياق أن زعيم حزب اليمين القومي المتشدد "ديمقراطيو السويد"، جيمي أوكسون، أطلق وعدا انتخابيا بجعل اعتماد السويد على الطاقة النووية 100%. ويسعى أوكسون لأن يكون له دور في تقرير سياسات السويد، بعد رفض معظم الأحزاب التعاون معه بسبب ميوله المتطرفة.
ويستغل أوكسون جدل الطاقة عله يقرب بينه وبين معسكر يمين الوسط بزعامة كريسترسون، الساعي لاستبدال رئيسة حكومة يسار الوسط، الاجتماعي الديمقراطي، ماغدالينا أندرسون، فيما يدعم "المسيحي الديمقراطي"، بزعامة إيبا بوش، التوجه إلى الطاقة النووية، مشددا على أنه "إذا كان الاتحاد الأوروبي يريد أن يتحرر من الفحم والغاز، فهناك حاجة لمزيد من الطاقة النووية".
تراجع معارضة المفاعلات النووية
ويعتمد معسكر تأييد الطاقة النووية، كبديل عن المصادر التي يرونها مدمرة للمناخ، على تغير اتجاهات الرأي العام، وخصوصا بين الشباب، على عكس أهاليهم الذين قادوا حملات وشاركوا في تظاهرات في السويد لإغلاق المفاعلات.
وأظهر بحث في أواخر العام الماضي 2021 عن جامعة غوتنبرغ أن نسبة الشباب الراغبين في التخلص التدريجي من الطاقة النووية انخفضت بشكل واضح في السنوات الأخيرة، لتتراجع من 60% في 2017 إلى نحو 36%.
ويوضح ذلك حجم التغيرات التي طرأت على توجهات الشارع السويدي، سواء تعلق الأمر بفهم أهمية الطاقة النووية كطاقة مستدامة فيما خصّ التغيرات المناخية، أو لناحية الاستقلال الأوروبي بشكل عام عن الطاقة القادمة من روسيا.
في كل الأحوال، وقبل حادثة مفاعل فوكوشيما اليابانية قبل نحو 11 عاما، وضعت السويد خطة طموحة للتحول من الطاقة النووية إلى طاقة الرياح، لكن في 2019 انهارت الاتفاقيات بين يسار ويمين الوسط حول منع إقامة مفاعلات نووية جديدة، وتراجعت خطط وصول السويد إلى إنتاج الكهرباء من خلال طاقة متجددة ومستدامة بنسبة 100 في المائة في عام 2040. ولا يزال البلد يحصل على نحو ثلث كهربائه من المحطات النووية النشطة.
وكانت السويد قد بدأت تشغيل أول محطة نووية في عام 1963. وحتى عام 1980 كان البلد بنى 12 محطة نووية. وفي عهد رئيس الحكومة الأسبق، الراحل أولف بالمه، وبعد حادثة هاريسبرغ النووية في أميركا 1979، أجري استفتاء 1980 حول التخلص التدريجي من المفاعلات السويدية الـ12.
كما كان من المقرر أن تخلو السويد من الطاقة النووية بحلول 2010، لكن الأمور لم تجر كما تمناها اليسار ويسار الوسط. ويبدو أن الظروف المحلية والعالمية تفرض نفسها، ليس فقط لإعادة تشغيل ما أُغلق، بل اللحاق بمشاريع أوروبية أخرى لتشييد المزيد من المفاعلات لإنتاج الكهرباء، بل ويعتبره بعض الأوروبيين حلا عمليا لمشكلة التغيرات المناخية وتقليل الاعتماد على إمدادات الغاز الروسي.