بين آمالهم التي لم تتحقق، ورغبات بالنجاح خارج إيران أو داخلها على الرغم من الصعوبات، تتشابه يوميات الجيل الشاب في إيران، مع ارتفاع كلفة المعيشة، والضغوطات التي تسببها بشكل رئيسي، العقوبات الأميركية المفروضة على البلاد، والتي عادت أو اشتدت، مع انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي الإيراني في العام 2015. وكان الاتفاق، الذي وقعته إيران مع مجموعة 5+1 (الولايات المتحدة وألمانيا وبريطانيا وفرنسا والصين وروسيا)، في يوليو/تموز من ذلك العام، قد منح فسحة أمل للإيرانيين، بانفراجة لتحسين حياتهم ومستقبلهم، بعد رفع العقوبات الدولية التي كانت مفروضة على بلادهم، إلا أن الأمل تلاشى سريعاً مع سياسة الضغوط القصوى التي انتهجتها الإدارة الأميركية في عهد دونالد ترامب، ضد الخصوم الدوليين، ومن بينهم إيران. ويقابل شبّان وشابات إيرانيون، الانتخابات الرئاسية المقررة في بلادهم بعد غدٍ الجمعة، باهتمام متفاوت، مؤكدين لوكالة "فرانس برس"، حجم الصعوبات الاقتصادية التي تلقي بثقلها على كاهل المواطن الإيراني.
ويعّد المجتمع الإيراني شاباً بنسبة كبيرة. ووفق إحصاء رسمي يعود للعامين 2016-2017، يشكل الذين لم يتجاوزوا الـ30 من العمر، نحو نصف عدد السكّان الذي يناهز 83 مليون نسمة. وتجرى الانتخابات يوم الجمعة، لاختيار خلف للرئيس حسن روحاني (ولايتين)، وتأتي في ظلّ أزمة اقتصادية خانقة، لكن الكثير من الشبّان لا يزالون متمسكين بالأمل.
يعّد المجتمع الإيراني شاباً بنسبة كبيرة
وتشدّد طالبة الصيدلة نرجس (20 عاماً)، على "صعوبة الحياة"، لافتة من ساحة تجريش المزدحمة في شمال طهران، إلى ارتفاع كلفة المعيشة "حيث باتت زيارة واحدة الى المتجر الاستهلاكي، كفيلة باستنفاد كامل الحساب (المصرفي)". لكنها ترى، على الرغم من ذلك، أن "جماليات الحياة لا تزال حاضرة". وتجد نرجس هذه الجماليات في أمور بسيطة: تفقد المكتبات المنتشرة في أنحاء طهران، وشراء بعض الحلويات أو مجرد التنزه. ومستذكرة إبرام الاتفاق النووي، حين كانت تلميذة في المرحلة الثانوية، تقول إنها توقعت حينها أن يساهم في "جعل البلاد فرحة. لكن، حسناً، لم يحصل ذلك". يدفعها ذلك للتفكير بالعودة للإقامة مع ذويها أو الهجرة، وهو خيار كانت ترفضه دائماً، قبل أن تضطر لتقبّله. وتقول: "كنت شخصاً لا يرغب في الرحيل، آمنت بالبقاء والبناء". وفي حين أن الانتخابات هي الأولى التي يحق لها المشاركة فيها (بعد بلوغها سن الاقتراع المحددة بـ18 عاماً)، تشير طالبة الصيدلة الى أن "لا مشاعر" لديها حيال الموعد.
إلى جانبها، تقدم زميلة نرجس، ناهيد (22 عاماً)، رؤية مختلفة ليوميات شابة إيرانية في المرحلة الجامعية. وتشدد ناهيد على أن الأوضاع "لم تكن رائعة سابقاً، وليست سيئة حالياً إلى درجة تدفعني إلى الرغبة بالمغادرة". وتعرب عن اعتقادها أن "هذه هي الحياة، تمضي قدماً. أعتقد أنك كائناً من تكون، إذا لم تتمكن من إسعاد نفسك بنفسك، فالأمور الخارجية لن تسعدك أيضا".
في أحد متنزهات العاصمة، يجول محمد حكمت (34 عاماً) تحت حرارة شمس الصيف، حاملاً وروداً حمراء لم تجد من يشتريها بعد. انتقل حامل الإجازة الفنية في علم المعادن، إلى طهران قبل حوالي عقد من الزمن، أملاً بالعثور على وظيفة بعد فشله بذلك في مسقط رأسه، مدينة قائم شهر. لكن الحظ لم يسعفه في العاصمة الإيرانية، التي يقطنها نحو 10 ملايين نسمة، ووجد نفسه يجني قوته اليومي ببيع الزهور.
ويقول الشاب: "تخيلت أنني سأكون في مدينة كبرى، مع فرصة للتطور وبناء مستقبل، لكن الأمور لم تجرِ كما أردتها". يجمع حكمت ما يكفيه للمعيشة اليومية واستئجار غرفة للسكن عند الأطراف الشرقية للعاصمة. وضعه الحالي لا يترك له مجالاً واسعاً "للتفكير بالمستقبل، فقط الحاضر، البقاء على قيد الحياة". لا يبدي الشاب اهتماما كبيراً بالانتخابات، لكنه يأمل في أن تفضي لفوز مرشح "قادر" على حلّ الأزمة الاقتصادية.
على مقعد قريب في المتنزه نفسه، يجلس محمد شيخي (20 عاماً) برفقة صديقين، وما تبقى من رفيقته المفضلة، آلة الغيتار، بعد تحطمها جزئياً في حادث قبل أيام. تشكل الموسيقى ركناً أساسياً في حياة الشاب الذي وضع وشم غيتار على ذراعه اليمنى. يتحدث بثقة عن حلمه الأكبر: النجومية الموسيقية "ذات يوم، سأقف على المسرح، أغني وأعزف لـ15 ألف شخص". يخطط شيخي للانتقال الى تركيا حيث يقيم الفنان الإيراني المفضل لديه، المغني أمير تتلو. ومع أنه لا يتابع عن قرب أنباء الانتخابات، يعرف اسم المرشح المحافظ ابراهيم رئيسي، الذي يعد الأوفر حظاً للفوز. ويأمل شيخي في أن يتيح الرئيس الإيراني المقبل للموسيقيين "العمل، وإقامة الحفلات، والحصول على إذن" لذلك. ويقول: "أهنئك أيها السيد الذي سيصبح رئيساً، كائناً من تكون. آمل في أن تقود البلاد بشكل جيد".
المرشح المحافظ ابراهيم رئيسي يعد الأوفر حظاً لخلافة حسن روحاني في الرئاسة
في وسط العاصمة المزدحم، يعمل محمد رضا نظامي (20 عاماً) في متجر للأحذية المصنوعة يدوياً، بعدما تنقّل بين مجالات مهنية مختلفة، من ورش البناء الى مصنع للألبان. ويقول لـ"فرانس برس": "أعمل مذ كنت في الـ13 من العمر، لكن ماذا جنيت من ذلك؟ لا يمكنني شراء سيارة أو أي أمر آخر". ويضيف أن "جني المال صعب وإنفاقه سهل. كل من يقول إن المال لا يجلب السعادة مخطئ، لأن المال هو جزء من الحياة". يرسم نظامي لنفسه أحلاماً بسيطة: امتلاك متجر خاص للأحذية وسيارة ومدخول لا بأس به، ما يوفر له "حياة سعيدة". وفي حين يبدي ثقته بأنه سيحقق ما يرغب به، يأسف في الوقت الراهن "لأنني لا أزال بعيداً جداً عن تحقيق أحلامي". ومع أن المسار نحو ذلك سيكون "صعباً"، يعتزم نظامي البقاء في إيران، معتبراً أن من يختارون الرحيل "يخترعون التبريرات" وتنقصهم الإرادة والتصميم على تحقيق النجاح. ورداً على سؤال بشأن الانتخابات، يوضح نظامي أنها "المرة الأولى التي يحقّ لي فيها التصويت. لكنني لست واثقاً (بعد). ربما سأقوم بالتصويت".
(فرانس برس)