الشبه والاختلاف بين مقاومة غزة ولبنان

10 أكتوبر 2024
قوات إسرائيلية في مخيم قلنديا، 7 أكتوبر الحالي (عصام ريماوي/الأناضول)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- عملية "طوفان الأقصى" أجبرت الاحتلال الإسرائيلي على تغيير استراتيجياته التقليدية، متبنياً تكتيكات جديدة تتماشى مع المستجدات في غزة، مثل تقبل القصف المباشر والتكيف مع طول فترة الحرب.

- التغير في التفكير الاستراتيجي الإسرائيلي انعكس على المجتمع والأحزاب المعارضة، حيث تراجعت المطالبات بمحاسبة القيادة، وزادت الدعوات لخوض المزيد من الحروب، مما يشير إلى تغير في مفاهيم الحرب.

- الاختلاف الجغرافي بين غزة ولبنان يفرض استراتيجيات قتال مختلفة، حيث تعتمد غزة على الأنفاق، بينما يتمتع لبنان بعمق جغرافي واسع، مما يجعل حرب الشوارع غير فعالة في لبنان.

بخلاف ما عُرف عن حروب الاحتلال الإسرائيلي من تبنّي استراتيجيات لطالما انتهجها طيلة عقود طويلة، وهي الردع والإنذار والحسم السريع، فإن عملية "طوفان الأقصى" الأخيرة أجبرته على تغيير استراتيجياته طيلة عام كامل، وتبنّي تكتيكات حربية جديدة تتفاعل مع المستجدات التي فرضتها المقاومة في غزة، كالتماهي مع طول فترة الحرب في غزة وتقبّل تعرّض عمقه للقصف المباشر وغيرها من مظاهر القتال التي لم يتعرّض لها منذ فترة طويلة. ويبدو أن الاحتلال يحاول الاستفادة بشكل كبير من تجربته الأليمة مع غزة لتطوير استراتيجياته من خلال تكتيكات جديدة يستخدمها في حربه على لبنان.

ينعكس هذا التغير في التفكير الاستراتيجي لدى القيادة الصهيونية في تعاطي القطاعات المجتمعية الداخلية، فلم تعد المطالبات بمحاسبة القيادة الإسرائيلية بمثل قوتها التي برزت في أولى بدايات "طوفان الأقصى" العام الماضي، كما أن الأحزاب الصهيونية المعارضة هي الأخرى لم تعد تنتقد عدم قدرة القوات الإسرائيلية على حسم الحرب، بل تشجعها على خوض المزيد، وكل هذا يزيد من فرضية وجود تغير في مفاهيم الحرب في الجانب الإسرائيلي، ولكن هل تفيد هذه المفاهيم الجديدة في الحرب على لبنان؟

دراسة الواقع في طبيعة الأرض وتأثيرها على مجريات الحرب بين غزة ولبنان تعكس اختلافاً كبيراً، فالمقاومة في غزة تقوم على جغرافية ضيقة ومحدودة ومحاصَرة، ورئتها التي تتنفس منها هي عدد من الأنفاق، بعكس لبنان المفتوح على عمق جغرافي واسع لا يجعل المقاومة فيه تعتمد فقط استراتيجيات الأنفاق كما هو الحال في غزة. ويبدو الاختلاف أيضاً في نوع الأسلحة بين ساحتي غزة ولبنان، وطبيعة الأرض، وذلك يفرض اختلافاً أيضاً في استراتيجيات القتال، فلا شك أن العدو تعلم في غزة كيفية حرب الشوارع التي لن تفيده في حربه في لبنان ذي الجغرافية المفتوحة.

من غير شك أن العدو تنفس الصعداء وأعاد شيئاً من الثقة لنفسه أخيراً من خلال سلسلة الاغتيالات التي طاولت قيادات في حركة حماس وحزب الله، وكل ما يمكن رصده حتى الآن في حربه على لبنان هو السيطرة على قرى في المرتفعات المطلة على المستوطنات من دون أن يحرز أي تقدّم بري، وتبرز العديد من الفرضيات هنا، من بينها التفكير، ربما، في تحصين الداخل ومنع المقاومة في جنوب لبنان من الاستفادة من تلك المرتفعات.

كل ذلك من قبيل القراءات لشكل المتغيرات بين ساحتي غزة ولبنان، وكذلك الظاهر في تغيّر استراتيجيات وتكتيكات العدو، لكن تبقى هناك مسألة تقبض بقوة على جانب لا ينفك يهدد كل قوى التفكير الاستراتيجي وآلياته المتطورة والحديثة، وهي مسألة الإيمان بالوجود والحق في الوجود، فذلك هو الثابت الوحيد والمشترك في ساحتي المقاومة في غزة ولبنان، ويتجلى في أكبر صوره وهو قوة الخزان البشري المغذي لقوى المقاومة منذ عقود طويلة وسيبقى.