الصحافة الدنماركية عن فضحية التجسس مع الأميركيين: الجميع متورط فلا ترفعوا من حدة الدروس الأخلاقية

01 يونيو 2021
الصحافة: لا أحد في الواقع يثير القضية أو يسأل عنها إلا حين تعلو الأصوات الشعبية (Getty)
+ الخط -

تناولت الصحافة الدنماركية الصادرة اليوم الثلاثاء عملية التجسس التي باتت تعرف بـ"عملية دنهامر"، والتي كشف النقاب عن تفاصيلها صباح الإثنين بعد نشر تحقيق صحافي أوروبي مشترك مساء الأحد الماضي.
 واتفقت أكبر صحيفتين في البلاد، "بوليتيكن" و"إنفورماسيون"، على أنه يتوجب تقديم توضيح شامل للمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون"، وذلك بعد أن طالبا مساء أمس بتوضيحات دنماركية شافية عن سماح الاستخبارات العسكرية الدنماركية لوكالة الأمن القومي الأميركي بالتجسس على ميركل وسياسيين في كل من فرنسا والسويد والنرويج وألمانيا.

وفي تغطية "بوليتيكن" كان لافتاً ذهاب الصحيفة إلى عنوان "خبراء: الولايات المتحدة ربما عرضت على الدنمارك عرضاً لا يمكن رفضه"، لتوضح أنه رغم ما يمكن أن تثيره القضية من إساءة لعلاقات البلد بجيرانه؛ "فإنه بعد أسبوع أو اثنين ستهدأ القضية". ومضت الصحيفة تشرح حول قضية التنصت الأميركية من خلال الكابلات الدنماركية "على أهم حلفاء الدنمارك في دول الجوار وألمانيا وفرنسا، فالأمر قد يكون مفاجئاً للعامة، وعليه فالسياسيون سيجارون الرأي العام بالتأكيد على أنه لا يجب التجسس على الحلفاء".

 

ونقلت الصحيفة على لسان الباحث الأول في المعهد الدنماركي للدراسات الدولية، فليمنج سبليدسبويل، أنه في عالم الاستخبارات ربما قدم الأميركيون عرضاً "افترض أننا يمكن أن نستخدمه كل يوم، ويمكن أن نشعر بقلق لأنهم قادرون على الضغط على زر ما لتوقيفه، فالاستخبارات الأميركية تأتي على قائمة الأجهزة القوية في العالم".

ومن جانبه رأى الباحث في شؤون الحرب الباردة في جامعة جنوبي الدنمارك، توماس فينغر فريس، أنه من السابق لأوانه القول إن مطالبة ماكرون وميركل بتوضيحات، إضافة إلى طلب وزيري دفاع السويد والنرويج؛ "ستؤثر على علاقة الحلفاء، ربما نكون بعد أسبوعين نسينا الأمر، ثم يطفو مرة أخرى على السطح". ورغم المراهنة على الوقت يوضّح فريس للصحيفة أن "السخط الواضح، والمفاجئة التي شعر بها السكان، وخصوصاً بعد احتفالنا العام الماضي بالصداقة الألمانية-الدنماركية؛ يفتح أيضاً مخاطر حول الشراكة الأوروبية. وهذا يكشف في الواقع موقف أوروبا الضعيف، والسؤال المتكرر حول ما إذا كان يتوجب المراهنة على علاقات أوروبية أوثق أم علاقة بواشنطن".

 

فريس يرى أيضاً أن ألمانيا تعرف أنه جرى التجسس على مستشارتها منذ 2013، ورغم تصريحات المستشارة ميركل في 2015 بأنه على الأصدقاء ألا يتجسسوا على بعضهم؛ "فإن برلين نفسها انخرطت في عمليات تجسس ومراقبة لمساعدة واشنطن في أوروبا، ولو لم تتوقف عمليات التنصت والتجسس في الوقت المناسب لكان جون كيري (وزير الخارجية الأميركي الأسبق) تحت المراقبة أيضاً". وعليه يرى هذا الخبير أن "دير شبيغل (الألمانية) سبق أن كشفت عن قضية التجسس التي انخرطت فيها برلين مع واشنطن، وهو ما يجعل من الصعب على الألمان أن يرفعوا كثيراً من حدة الدروس الأخلاقية".

من ناحيته، أشار الباحث فليمنج سبليدسبويل إلى أن ردود الفعل الغاضبة "هي جزء من اللعبة، حيث يفاجأ الجمهور أكثر من السياسيين، وذلك يشبه إلى حد ما مرور سفينة تحمل أسلحة نووية، لا أحد في الواقع يثير القضية أو يسأل عنها إلا حين تعلو الأصوات الشعبية، فنحن نفضل ألا نعرف حتى لا نضطر إلى الرد، وببساطة حتى لا ننقل معرفتنا إلى الآخرين".

من ناحيتها تناولت "إنفورماسيون" القضية من زاوية أن قضايا التجسس الأميركي "مشكلة أوروبية لا تكبح إلا جماعياً". وغمزت الصحيفة، كما فعلت "بوليتيكن"، من زاوية أن عمل الأميركيين على أراضٍ أوروبية في مجال التجسس والمراقبة لا يقتصر على بلدها الدنمارك. ورغم وصفها القضية بأنها "فضيحة تعاون مع الأميركيين للتجسس على السياسيين الأوروبيين"؛ فإنها ذكّرت بأن "وكالة الأمن القومي الأميركي دخلت في تعاون مع عدد من الحلفاء في أوروبا، مكّنها من الوصول، من بين أشياء أخرى، إلى كابلات الألياف الضوئية، وهو ما كشف قبل سبع سنوات، بسماح ألمانيا بالأمر نفسه، كما وضّح المنشق الأميركي إدوارد سنودن الذي وضّح أن الشرط كان ألاّ يجري التجسس على مواطنين ألمانيين". ونوّهت "إنفورماسيون" بما قاله سنودن للبرلمان الأوروبي قبل سبع سنوات، لناحية أن "التنصت والمراقبة التي تستثني المواطنين؛ لا تستثنيهم بمجرد عبورهم الحدود إلى الدنمارك أو دولة أخرى".

 

ركزت الصحيفة أيضاً على أن "هذا الكشف هو فضيحة دبلوماسية للدنمارك، وأدى إلى ردود فعل غاضبة من السياسيين في البلدان المتضررة. لكنه ليس بالأمر الجديد أن تقوم الولايات المتحدة باستخدام التعاون التجسسي مع شركاء أوروبيين للتجسس على دول ومؤسسات أخرى في الاتحاد الأوروبي". وطرحت الصحيفة في السياق تعاون جهاز الاستخبارات الألماني BND في الفترة الممتدة بين 2005 و2015، والتي شملت أهدافاً تجسسية مثل عناوين البريد الإلكتروني أو أرقام هواتف. وبيّنت أن 70 في المئة من تلك الحوادث كان مرتبطاً بمؤسسات حكومية في دول الاتحاد الأوروبي، إضافة إلى أهداف أخرى في ثلثي الدول الأعضاء في الاتحاد، ومن بينها شركات دفاع".

 

وتخلص "إنفورماسيون" إلى أن التجسس ضد الحلفاء يتم من خلال برنامج مراقبة جماعي، حيث تمتلك أميركا أكبر جهاز مراقبة إلكتروني حول العالم، "وهي بالتالي قادرة من موقع قوة على طلب مقابل من الأوروبيين الراغبين بمشاركة المعلومات الاستخبارية والخبرة الفنية مع حلفائها".

وعليه ترى الصحيفة أن مشكلة التجسس في الواقع هي مشكلة أوروبية جماعية، مؤكدة على أن "الاتحاد الأوروبي لا يتمتع حالياً بقدرات وتخصصات تتعلق بالسياسات الخارجية الأمنية، وبالتالي يتطلب ذلك تعاوناً أوروبياً أوسع لمنع تجسس قوى خارجية على دول الاتحاد الأوروبي بسبب مكافحة الإرهاب".

وختمت "إنفورماسيون" بالتذكير بما قاله سنودن للبرلمان الأوروبي في 2013 عن أن "أجهزة الاستخبارات الوطنية في أوروبا على دراية بكيفية تمكين الجهاز الأميركي من فرض مراقبة جماعية على المواطنين العاديين. وأنه لا أحد يستطيع التذرّع الآن بالسذاجة، فإذا أراد ساسة أوروبا وقف التجسس الأميركي فيجب عليهم البدء في تحدي الهيكل نفسه الذي يسمح للولايات المتحدة بالجلوس على قمة التسلسل الهرمي للتجسس، لتلعب لعبة ينخرط فيها الأوروبيين".