تناولت الصحافة الدنماركية في أعدادها لنهاية الأسبوع توجّه حكومة يسار الوسط، بقيادة "الاجتماعي الديمقراطي" نحو "تبني برامج اليمين المتشدد في سياسة الهجرة والتعامل مع المهاجرين واللاجئين".
وتناولت الصحيفة الدنماركية واسعة الانتشار مع "بيرلنغكسا" و"إنفورماسيون" وغيرها من الصحف، توجه حكومة يسار الوسط برئاسة ميتا فريدركسن نحو تبني سياسات متشددة تطاول آلاف اللاجئين السوريين، من حملة الإقامة المؤقتة، باعتبارها منطقتي "دمشق وريفها آمنتين، وبالتالي يجب إعادة نحو 900 لاجئ من المنطقتين".
كذلك ذهبت صحيفة "بوليتيكن" في عناوين إلى الانتقاد بشكل لاذع توجه وزير الهجرة ماتياس تيسفاي (وهو من أصول أريترية) إلى "إلقاء اللاجئين السوريين إلى حضن الديكتاتورية في دمشق".
وانتقدت "بوليتيكن"، بشكل لاذع "قفز وزير الهجرة ماتياس تيسفاي من أقصى اليسار في الاجتماعي الديمقراطي إلى يمين الحزب".
واستعرضت سياسة يسار الوسط باعتبارها باتت "منافسة ليمين الوسط واليمين المتشدد"، من زاوية اقتحام حزب شعبوي لاستطلاعات الرأي، "البورجوازية الجديدة"، برئاسة شخصية نسوية مثيرة للجدل، بيرنيلا فيرموند، في صراحتها بمهاجمة مسلمي البلد ومطلبها بإلغاء قانون العقوبات المتعلق بالعنصرية.
وأفادت الاستطلاعات بمضاعفة الحزب نوابه في البرلمان بثلاث مرات عن 4 نواب حالياً، إلى جانب تأكيد الصحيفة أن الحزب بسياسته "المتشددة تجاه المهاجرين بات يتبنى سياسات يمين الوسط السابق في فينتسرا (ليبرالي حكم حتى 2019 ويعاني تراجعاً)، إذ يصعب على ناخب اليمين إيجاد فوارق بين معسكري اليمين ويسار الوسط".
ومضت الصحيفة تقول إن "ماتياس تيسفاي يريد تسفير ألف إنسان من أصول مهاجرة سنوياً، وهو يقوم من خلال التلفزة والصحف بتسويق خطته لجعل المزيد من الأجانب يغادرون الدنمارك، وهي خطة يرفضها حتى المحافظون وحزب الشعب المتشدد، ويرون أنها غير ممكنة التنفيذ".
وفي السياق، عنونت الصحيفة في تقرير آخر أنه "مجرد أن يصلوا إلى مطار دمشق سيجري اعتقالهم"، مستعرضة كيف أن كوبنهاغن "تريد أن ترمي بهؤلاء اللاجئين إلى أجهزة (بشار) الأسد القمعية".
والانتقادات التي تطاول تيسفاي تضعه في سلة وزيرة الهجرة السابقة من يمين الوسط، إنغا ستويبرغ، التي وافقت أغلبية برلمانية على محاكمتها في الصيف المقبل على خلفية التلاعب بالقوانين في 2016 لاستهداف اللاجئين السوريين.
وللمفارقة، تفيد صحيفة "بوليتيكن"، بأنه "حتى الزعيم الجديد لحزب فينسترا الليبرالي ياكوب المان يانسن (الذي شددت القوانين فترة حكمه حتى 2019 برئاسة لارس لوكا راسموسن) لا يرى حاجة لتشديد قانون الهجرة كما يريد الاجتماعي الديمقراطي".
تتشدد حكومة "يسار الوسط" مع مواطنيها من أصول مهاجرة، ينسحب على اللاجئين السوريين، الذين باتوا يعانون من انفصال أسري لسنوات بعد تزايد رفض البلد لمّ شمل الأزواج والأطفال (93 رفضاً خلال الأشهر الماضية، رغم استيفاء الشروط)، وهو ما دفع أيضاً "إنفورماسيون" إلى مهاجمة سياسة ماتياس تيسفاي. وعنونت الصحيفة "ماتياس تيسفاي وحكومة الاجتماعي الديمقراطي يكسران احتكار معسكر اليمين للسياسة المتشددة".
وذكرت أن الحكومة الحالية "تمضي باتجاه تشدد ومزيد من التشدد، حيث يجب ألا يكون هناك ظنون أننا أمام حكومة حزب ديمقراطي تتبنى بشكل رائع سياسات تحالف اليمين السابقة، فالتشديدات الجديدة تريد أن تقول إن تيسفاي يواصل سياسة سلفه إنغا ستويبرغ (يمينية متشددة انسحبت من يمين الوسط بعد إحالتها على محكمة وطنية) بعناوين إعادة تعريف الخطاب السياسي المتشدد، بحجة التعاون في الوسط (مع يمين الوسط)".
وأشارت "إنفورماسيون" إلى التشديدات الجديدة المنوي تبنيها، وهي تتجاوز "تشديد قانون المواطنة في عهد اليمين نحو صرامة أكثر في قانون التجنيس للمقيمين، إلى جانب سياسة تصدير طالبي اللجوء إلى دول أجنبية، وهو اقتراح سابق أشار إليه "العربي الجديد"، يقضي بإقامة معسكرات في دول جنوب المتوسط.
وأخيراً، تبنى بأغلبية دعم اليمين (بدون حليف الديمقراطي في أحزاب اليسار) إجراءات تستهدف ترحيل آلاف المقيمين منذ سنوات طويلة إلى دولهم الأصلية. وتؤكد الصحيفة أنه بالفعل بدأت الحكومة تطبيق سياسة التشدد "فخلال الفترة المقبلة سيُدعى نحو 8900 عاطل من العمل من أصول مهاجرة لجلسات محادثة، ليس لتشغيلهم، بل لعرض ترحيلهم إلى بلاد الأجداد".
وتناولت الصحف، اليوم الأحد، قصة رجل في الثلاثين من العمر من توغو حضر مع أهله إلى كوبنهاغن في عمر 8 سنوات، ودرس وكبر في البلد، وبعد 24 سنة يجد إقامته سحبت منه، بعد إجازة خارجية لأشهر، وعليه المغادرة يوم غد الاثنين 22 فبراير/ شباط الحالي إلى بلد لا أقارب ولا معارف له فيه.
وتتزامن الانتقادات اللاذعة التي توجهها الصحافة الدنماركية إلى سياسات بلدها القومية المتشددة مع انتشار "خطاب تحريضي وعنصري بات يصدر عن الاجتماعي الديمقراطي وينعكس في تشريعه في الشارع"، على ما صرّح لـ"العربي الجديد" مسؤول لجنة "مكافحة العنصرية" في حزب "اللائحة الموحدة" اليساري، جون غراوسغورد، بعد تزايد تراشق السياسيين بلغة عنصرية، وعدم التنديد باعتداءات لفظية وجسدية على مواطنين من أصول إثنية غير دنماركية، خصوصاً المسلمات المحجبات، كما حدث قبل أسبوع مع امرأة من أصول عربية.
وتتفق الصحف الدنماركية على أن سياسات التشدد الأخيرة تؤشر على "توجه يسار الوسط نحو تبني سياسات معسكر اليمين وخطابه"، كما ذهبت "بيرلنغكسا" الأقرب إلى الخط الليبرالي في انتقاد ماتياس تيسفاي وحكومة ميتا فريدركسن.
واعتبرتها "إنفورماسيون" أنها سياسة "تتلمس خطى سياسات تشدد وزيرة الهجرة السابقة إنغا ستويبرغ، بل تذهب إلى أبعد منها في سياسة عدائية تجاه المهاجرين، وهو ما يتجاوز سياسات يسار الوسط التقليدية في سنوات حكم بول نيروب راسموسن وزعامة موينز لوكاتوفت للحزب (في تسعينيات القرن الماضي)، وما يثير القلق، ما نشره تيسفاي في مقال رأي في "بيرلنغسكا"، قال فيه إن المعاهدات والمواثيق الدولية "تعوقنا في تبني المزيد من التشدد"، فوق التشدد الذي يمارسه، وخصوصاً في اعتبارها قوانين تعوق رغبته في سحب الجنسيات، كما ذكر بنفسه أسفه على التزام الدنمارك تلك المواثيق.
وختمت "إنفورماسيون" تناولها التشدد الجديد في الدنمارك بالقول: "لقد جعلت حكومة الاجتماعي الديمقراطي الأمر مستحيلاً على اليمين ليجد سبيلاً إلى سياسات أكثر تشدداً.