وتحدث قياديون في "حماس"، سابقاً عن "الصندوق الأسود"، بينهم نائب رئيس مكتبها السياسي إسماعيل هنية، الذي قال خلال زيارته لرفح بعد العدوان، إن المدينة "كتمت أسراراً كثيرة من الحرب، وهي صندوق أسود مغلق".
غير أن أبو عبيدة، أكد بشكل واضح في خطابه الأول بعد انتهاء العدوان، أنّ لدى "القسام" ما تقوله، خصوصاً عن رفح وما جرى فيها خلال العدوان. وربما كان يشير إلى الاتهام الإسرائيلي لـ"القسام" بخطف ضابط إسرائيلي، وهو الأمر الذي فجرّ هجمة شرسة على المدينة وتكتمت "القسام" على تفاصيله منذ البداية.
وقال أبو عبيدة، من على منصة تكريم شهداء "القسام" في رفح "نعلم يا أبناء شعبنا وأمتنا، أنكم تنتظرون من القسام قولاً ما، كما رأيتم منه في الميدان فعلاً، لكننا نؤكد أنه لن يسمع شعبنا وأمتنا، إلا ما يسرهم ويشفي صدورهم وما يرفع رؤوسهم، إلا أن القسام تدرك ما تقول، ومتى تقول، وكيف تقول، تماما كما تتقن ما تفعل ومتى تفعل وكيف تفعل". وتشير استراتيجية "القسام" الجديدة، إلى "ضرورة أن يدفع الإسرائيليون ثمناً لكل كلمة"، هذا الثمن وإنّ طال فإنّ "حماس" مؤمنة أنها ستحصله يوماً.
تعلمت "حماس" جيداً من تجربة التفاوض في قضية الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط، فضيّقت دائرة المتحدثين عن "الصندوق الأسود"، لضمان السرية والكتمان، ولتحقيق أفضل النتائج المرجوة من الملف. حتى إن "قادة في حماس لا يعرفون ما يحتويه الصندوق الأسود"، بهذه الكلمات ردّ قيادي في الحركة على سؤال لـ"العربي الجديد" عن الصندوق والإشارات اللافتة حوله. غير أنّ القيادي الذي رفض الكشف عن اسمه، أشار إلى أن حركته تنتظر "التوقيت المرتبط بدفع الثمن مسبقاً، للكشف عن ما لديها".
ويؤكدّ القيادي الحمساوي أن "حركته ستحصل على الثمن الذي تريد، لكنها ليست في عجلة من أمرها، خصوصاً، في ظل محاولة الاحتلال تجاهل الأمر، والتعامل بلامبالاة مع الملف". ويراهن الحمساويون على الضغط الداخلي من عوائل الجنود الإسرائيليين القتلى والمفقودين لتحريك الملف، كما أنّ لدى الحركة ثقة بأن الاحتلال لا يترك المفقودين منه بسهولة، لكنه يستخدم استراتيجية جديدة هذه المرة عنوانها "التجاهل".
ويقول الكاتب والمحلل السياسي إبراهيم المدهون لـ"العربي الجديد"، إنّ "الصندوق الأسود مصطلح إعلامي، تهدف من ورائه حماس إلى الإشارة لموضوع الجنود الأسرى والمفقودين من جيش الاحتلال، دون التطرق إلى أيّ من تفاصيله".
ويلفت المدهون إلى أن "حماس تتعامل بذكاء مع الملف، في ظل تجاهل الاحتلال الإسرائيلي له، ومحاولة الاحتلال تخفيض الأثمان، وهو ليس من عادته تجاه جنوده القتلى والمفقودين". وأشار إلى أنّ "هذا التجاهل يبدو خطة مدروسة مسبقاً من قبل الاحتلال، الذي لا يريد دفع ثمن كبير كما دفع لشاليط".
ويستبعد المدهون أن يُبقي الاحتلال على حالة عدم الاهتمام طويلاً، مؤكداً في الوقت عينه أن الصمت الايجابي في الملف يفيد جداً، ويوجّه رسائله للشعب الفلسطيني بأنّ "المقاومة لديها ما تقول، وتحرّض المجتمع الإسرائيلي على الضغط على حكومته".
ويؤكدّ أنّ "الجهاز العسكري لحماس هو المسؤول عن ملف التبادل، خصوصاً أنه أصبح لديه من الخبرة ما يؤهله للحفاظ على المفقودين، وقيادة عملية تفاوضية باحتراف، متعلماً من الملف السابق الذي طال البحث فيه خمس سنوات".