استمع إلى الملخص
- تعهدت الصين باتخاذ تدابير مضادة لمبيعات الأسلحة الأميركية، محذرة من زعزعة الاستقرار الإقليمي، بينما أكدت تايوان على تعزيز إنفاقها الدفاعي، مشيرة إلى أن الصفقة هي الأكبر في عهد بايدن.
- تسريع الدعم العسكري لتايوان يعكس مخاوف أميركية من فوز ترامب في الانتخابات المقبلة، مع رسالة ردع قوية إلى بكين حول التزام واشنطن بالدفاع عن تايوان.
لا تزال تداعيات مبيعات الأسلحة الأميركية إلى تايوان، التي وافقت عليها إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن الأسبوع الماضي، تلقي بظلالها على الصين والعلاقات الأميركية الصينية المتوترة. واعتبرت وسائل إعلام صينية، أمس الأحد، أن الصفقة تمثل توسعاً كبيراً في الدعم العسكري الأميركي لتايوان في عهد إدارة جو بايدن، مشيرة إلى أنها تضمنت أول إدراج على الإطلاق لنظام دفاع صاروخي متقدم جرى اختباره في أوكرانيا لمواجهة الهجمات الروسية. وقالت صحيفة ساوث تشاينا مورنيغ بوست إنه على النقيض من حزم بايدن التسليحية السابقة التي كانت تتألف إلى حد كبير من قطع الغيار والخدمات، فإن الحزمة الأخيرة البالغة قيمتها ملياري دولار، والتي جرت الموافقة عليها يوم الجمعة الماضي، تضمّنت أول تسليم لنظام الصواريخ أرض - جو المتقدم (NASAMS).
خون وانغ: تسريع وتيرة تقديم الأسلحة إلى تايوان ربما يعكس مخاوف بايدن من فوز ترامب
بكين تحذّر من التمادي في دعم تايوان
ولفتت الصحيفة إلى أنه بعد إتمام الصفقة بثلاثة أيام فقط، وصلت الدبلوماسية الأميركية المخضرمة إنغريد لارسون، المديرة الإدارية لمكتب واشنطن التابع للمعهد الأميركي في تايوان، وهو بمثابة سفارة أميركية بحكم الأمر الواقع، إلى تايبيه، في زيارة استمرت خمسة أيام. وأشارت "ساوث تشاينا مورنينغ بوست" إلى أن تصعيد الأسبوع الماضي يأتي في ظل التهديدات الجوية المتزايدة من الجيش الصيني الذي أجرى أحدث تدريباته العسكرية واسعة النطاق حول تايوان قبل أيام، والتي شهدت عدداً قياسياً من الغارات الجوية. وأعلنت وزارة الدفاع التايوانية، أمس الأحد، أنها رصدت 37 مقاتلة ومسيّرة وغيرها من الطائرات الصينية قرب الجزيرة، عبرت 35 منها خط الوسط في مضيق تايوان.
من جهتها، تعهدت بكين باتخاذ تدابير مضادة رداً على مبيعات الأسلحة الأميركية، لكنها لم تشر إلى ما قد تكون عليه تلك التدابير. ودانت وزارة الدفاع الصينية بشدة عملية البيع، محذرة من أنها "ستأتي بنتائج عكسية بالتأكيد". وقال المتحدث باسم الوزارة تشانغ شياو جانغ، في إفادة صحافية يوم الخميس الماضي: "إن عدة قطع من الأسلحة الأميركية لن تؤدي إلى تضييق الفجوة في القوة العسكرية عبر المضيق، ناهيك عن وقف الاتجاه التاريخي لإعادة توحيد الصين". وأضاف أن "الانفصاليين وقوى التدخل الأجنبي هم مصادر مؤكدة للفوضى، ويقوضون الوضع الراهن، ويؤججون الأزمات، ويزعزعون الاستقرار الإقليمي، في حين حثّ الولايات المتحدة على عدم المضي قدماً في الطريق الخطأ".
ولطالما حذرت بكين واشنطن بشأن هذه القضية، ووصفت الدعم العسكري الأميركي لتايوان بأنه "خط أحمر". وفي لقاء مع بايدن على هامش قمة منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ في كاليفورنيا في نوفمبر/تشرين الثاني 2023، حثّ الرئيس الصيني شي جين بينغ نظيره الأميركي على وقف تسليح تايوان ودعم إعادة التوحيد السلمي. وعلى الرغم من أن تايوان ليست لديها معاهدة دفاع رسمية مع الولايات المتحدة، فإنها طلبت أسلحة بمليارات الدولارات، وتعهدت بزيادة إنفاقها الدفاعي. وكانت صفقة الأسلحة التي أُبرمت الأسبوع الماضي هي الصفقة السابعة عشرة والأكبر من نوعها التي وافق عليها بايدن، وفقاً لوزارة الدفاع الأميركية.
الدعم العسكري الأميركي لتايوان بين ترامب وبايدن
وفي تعليقه على الدعم العسكري الأميركي لتايوان وأحدث مبيعات الأسلحة الأميركية للجزيرة وتأثير ذلك على بكين، قال الباحث في الشؤون العسكرية في معهد نان جينغ للبحوث والدراسات الاستراتيجية يوان تشو، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن هذه الخطوة تعكس نيات الولايات المتحدة في زعزعة الاستقرار في مضيق تايوان، ودعم التوجه الانفصالي المقاوم لفكرة إعادة التوحيد الوطني مع البرّ الرئيس الصيني. وأضاف: "من ناحية أخرى، هناك سعي لرفع كلفة أي محاولة من بكين لإعادة التوحيد بالقوة العسكرية من خلال رفع جودة وكفاءة الدفاع في الجزيرة". واعتبر أنه بالنظر إلى طبيعة الأسلحة وفق ما أُعلن في الصفقة، "يتضح أن هناك رغبة في تحصين الجزيرة بالأسلحة الذكية القادرة على التخفي والتعامل بكفاءة مع القدرات الصينية المتقدمة"، لافتاً إلى أن ذلك "يعكس مخاوف واشنطن من أن تايبيه ليست مستعدة بالقدر الكافي لأي هجوم صيني محتمل، لذلك كثفت من مبيعات الأسلحة النوعية للجزيرة".
يوان تشو: هناك سعي لرفع كلفة أي محاولة من بكين لإعادة التوحيد بالقوة العسكرية من خلال رفع جودة وكفاءة الدفاع في الجزيرة
كما أشار يوان تشو إلى أن حجم المبيعات في عهد إدارة بايدن (مبيعات الأسلحة لتايبيه) كان أقل بشكل ملحوظ من تلك التي جرت الموافقة عليها في عهد دونالد ترامب (2016 – 2020)، لكن ما ميّز الصفقات الحالية هو نوعية الأسلحة وكفاءتها. ولفت إلى أنه في عهد ترامب، جرت الموافقة على أكبر صفقة مبيعات أسلحة إلى تايوان في عام 2019، شملت 8 مليارات دولار أميركي لطائرات مقاتلة من طراز إف 16، وهي أكثر من إجمالي الصفقات السبع عشرة مجتمعة في عهد بايدن. وكانت الحزمة الوحيدة الأخرى في عهد بايدن التي تجاوزت مليار دولار هي الحزمة التي جرت الموافقة عليها في سبتمبر/أيلول 2022.
في المقابل، اعتبر الباحث في معهد الدراسات الاستراتيجية في تايبيه خون وانغ، في حديث مع "العربي الجديد"، أن صفقة الأسلحة الأميركية الأخيرة خطوة مهمة في تعزيز قدرات الجزيرة الدفاعية، وتأتي في إطار التزام واشنطن الراسخ قانونياً وأخلاقياً بالدفاع عن تايوان في مواجهة التهديدات الصينية المتكررة. ورأى وانغ أن هذه الصفقة تحمل رسالة ردع قوية إلى بكين بأن تايبيه لن تكون لقمة سائغة، وأن واشنطن، على الرغم من انشغالها وانخراطها في العديد من الأزمات الدولية مثل الحرب الروسية وحرب غزة ولبنان، فإنها لم تغفل الوضع الأمني في تايوان، ولن تسمح لبكين باستغلال الظرف الدولي الراهن من أجل تمرير خططها العسكرية بشأن ضم الجزيرة بالقوة.
ولفت الباحث إلى أنه في قراءة ثانية، يبدو أن تسريع وتيرة الدعم العسكري الأميركي لتايوان خلال الأشهر الأخيرة مرتبط في مكان ما بمخاوف إدارة بايدن من فوز ترامب بالانتخابات الرئاسية مجدداً، خصوصاً أن الأخير أعلن في أكثر من مناسبة عن رغبته في جعل تايبيه تدفع مقابل حمايتها من الجانب الأميركي. وكان ترامب قد اقترح أن تدفع تايوان للولايات المتحدة مقابل دفاعها، وهي التعليقات التي كرّرها في أكثر من مناسبة.