كما كان متوقعاً، تبنّت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني في اجتماع استمر أربعة أيام، قراراً تاريخياً حيال الإنجازات الرئيسية والتجربة التاريخية لمساعي الحزب على مدار مائة عام، وهو القرار الثالث من نوعه منذ تأسيس الحزب عام 1921، ومن شأنه أن يعزز مكانة الرئيس الحالي شي جين بينغ، ويضعه في خانة الزعماء الصينيين التاريخيين، أمثال ماو تسي تونغ، ودينغ شياو بينغ. كما قد يمهد الطريق أمامه لتمديد ولايته لفترة رئاسية ثالثة تستمر خمس سنوات، في سابقة تاريخية، اعتبرها مراقبون انقلاباً على دستور الحزب، وإعادة البلاد إلى فترة الماوية في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، حين سادت القيادة الفردية وعبادة الشخصية.
لاو تشو يونغ: قادة الصين فصّلوا تاريخ الحزب بما يتوافق مع طموحات شي جين بينغ
وقالت اللجنة المركزية، في بيان نشر مساء الخميس الماضي، إنه تم خلال الاجتماع استعراض الإنجازات الرئيسية للحزب والتجربة التاريخية على مدى قرن من الزمن. وأكد المجتمعون التمسك بالاشتراكية ذات الخصائص الصينية، وتطويرها بما يتناسب مع روح العصر الجديد، ودعم الماركسية اللينينية، وفكر ماو تسي تونغ، ونظرية دينغ شياو بينغ، والتنفيذ الكامل لفكر شي جين بينغ، من أجل حقبة جديدة. وأشارت إلى أنه تقرر خلال الاجتماع عقد المؤتمر الوطني العشرين للحزب الشيوعي الصيني في العاصمة بكين في النصف الثاني من 2022. وذكرت أن المؤتمر سيعقد في وقت مهم، وسيؤسس لمرحلة جديدة من أجل بناء دولة اشتراكية حديثة، وتحقيق هدف المئوية الثانية الذي أعلن عنه شي جين بينغ في وقت سابق. ودعت اللجنة المركزية في بيانها، أعضاء الحزب وقادة والجيش وجميع الصينيين إلى الالتفاف بشكل أوثق حول شي جين بينغ، من أجل التنفيذ الكامل لأفكاره، باعتباره بطل الروح التأسيسية العظيمة للحزب الشيوعي الصيني.
هروب إلى الأمام
حول بيان اللجنة المركزية، قال لاو تشو يونغ، الباحث الزميل في معهد تسيونغ كوان للدراسات والأبحاث في هونغ كونغ، لـ"العربي الجديد"، إن قادة الصين فصّلوا تاريخ الحزب بما يتوافق مع طموحات شي جين بينغ، لإحكام قبضته على السلطة، واختصروا مسيرة مائة عام، بقرارين تاريخيين (وثيقة ماو تسي تونغ عام 1945، ووثيقة دينغ شياو بينغ عام 1981). ولفت إلى أن الوثيقتين صدرتا لرأب الصدع في تلك الفترات التي شهد فيها الحزب صراعات داخلية، وهو ما يشير، حسب رأيه، إلى أن الحزب قد يكون هشاً من الداخل على الرغم صورته القوية، وبالتالي فإن إصدار هذا النوع من الوثائق، محاولة للهروب إلى الأمام في ظل التصدعات والتحديات الداخلية والخارجية، والكثير من الأسئلة المعلقة التي لا يريد شي جين بينغ الإجابة عنها في المؤتمر الوطني للحزب الشيوعي العام المقبل.
في المقابل، رأى آخرون أن شي الذي وصل إلى السلطة عام 2012، يختلف عن أسلافه في أنه لم يتطرق إلى إخفاقات التجارب السابقة، كما فعل ماو تسي تونغ قبل إشعال الثورة الثقافية في ستينيات القرن الماضي، وكذلك دينغ شياو بينغ حين انتقد أخطاء ماو، التي تسببت في مقتل ملايين الصينيين. وأشار هؤلاء إلى ذكاء شي في استثمار تاريخ الحزب من أجل تكريس صورته بطلاً وقائداً عظيماً وعنواناً أساسياً للمرحلة المقبلة.
وكان شي جين بينغ، قد حدد هدفاً استراتيجياً لمئوية الحزب الثانية (تحويل الصين إلى دولة اشتراكية حديثة بالكامل بحلول عام 2049)، حيث دعا، في خطاب له مطلع العام الماضي، إلى تجديد شباب الأمة الصينية، ومواصلة الجهود لضمان أن يظل الحزب الشيوعي وفياً لتطلعاته ومرتكزاته الأساسية. وقال محذراً "عندما نقترب من التجديد الوطني بحلول منتصف القرن، فلن يكون الأمر سهلًا، سيكون هناك المزيد من المخاطر والتحديات، والأمواج العالية والمرعبة". وفي أعقاب هذا الخطاب ذكرت وسائل إعلام رسمية صينية، أن وجود قيادة مستقرة ذات نواة قوية للحزب الشيوعي أمر أساسي لقيادة البلاد لتحقيق الهدف التاريخي الكبير. وهو ما فسره مراقبون بأنه إشارة إلى اعتزام اللجنة المركزية تمديد ولاية الرئيس لفترة ثالثة، وتنصيبه قائداً لـ"تجديد شباب الأمة الصينية".
ضمانة حزبية
من جهته، شرح أستاذ الدراسات السياسية في معهد قوانغ دونغ، لين تشين، في حديث مع "العربي الجديد"، خلفيات قرار اللجنة المركزية للحزب الشيوعي، واختلافه عن قرارات حزبية سابقة. وقال إن الظروف التي اتُخذ فيها القرار تختلف عما كان عليه الحال في فترتي ماو تسي تونغ، ودينغ شياو بينغ، وإن كانت القرارات الثلاثة تتفق في شيء واحد، هو توحيد الحزب تحت قيادة زعيم ملهم، فالصين اليوم قوية اقتصادياً وعسكرياً، وتضطلع بأدوار دولية بارزة، وهي مهام ومسؤوليات تحتاج إلى استقرار في الحكم والسلطة، لضمان استمرارها وتنفيذها بكفاءة وصورة مثالية. ولفت إلى أن الاستقرار لا يعني بالضرورة استمرار شي في الحكم، بل ألا تحدث اضطرابات عند تداول السلطة، فضلاً عن أن شي جين بينغ لم يصرّح علانية برغبته في البقاء بالسلطة إلى ما لا نهاية.
لين تشين: تضطلع الصين بأدوار دولية بارزة، وهي مهام ومسؤوليات تحتاج إلى استقرار في الحكم
وكان حكم شي جين بينغ قد مر بعدة مراحل مفصلية منذ توليه زمام السلطة في المؤتمر الوطني الثامن عشر للحزب الشيوعي قبل تسع سنوات. فقد بدأ حكمه عام 2012 بإطلاق حملة لمكافحة الفساد طاولت قيادات بارزة في الحزب والدولة. وفي أواخر 2017 أدرجت اللجنة المركزية أفكاره حول الاشتراكية ذات الخصائص الصينية في دستور الحزب، وقد وصف مسؤولون هذه الخطوة بأنها بالغة الأهمية بالنظر إلى أن الماركسية هي الأساس الأيديولوجي للحزب الشيوعي الصيني. وفي أوائل عام 2018 أزالت اللجنة المركزية حدود فترة رئاسة الصين، في سابقة تاريخية تمهد الطريق أمامه للبقاء في السلطة لفترة ثالثة. أما الاجتماع الأخير للجنة المركزية، فقد تبنى قراراً يضع شي في مكانة الزعماء الصينيين التاريخيين، بحيث لا يمكن تجاوزه في المستقبل المنظور.
إعادة إنتاج الماوية
حول أهمية القرار الأخير وتأثيره على شكل وطبيعة القيادة الصينية الجديدة، قال عميد كلية الدراسات التاريخية السابق في جامعة سوتشو، غوانغ يوان، في حديث مع "العربي الجديد"، إن أهمية القرار تكمن في كسر القواعد والبروتوكولات المتعارف عليها داخل الحزب، وإعادة إحياء فكرة القيادة الفردية والاستئثار بالسلطة على غرار حقبة ماو. وأضاف: على الرغم من أن شي جين بينغ، هو أول رئيس يُولد بعد تأسيس جمهورية الصين الشعبية، فإنه أكثر الزعماء الصينيين شبهاً من حيث الفكر والنهج والسياسات بالزعيم الراحل ماو تسي تونغ. فقد تجرأ وزج بأعضاء بارزين في الحزب الشيوعي بالسجون، كما أحكم قبضته على وسائل الإعلام، وتبنى خطاباً شديد اللهجة فيما يتعلق بالمسائل الحساسة والتهديدات الخارجية، وكذلك عمل على زرع الأيديولوجيا الحزبية في عقول الشباب، واعتبرها المعيار الأساسي في الانتماء للهوية الوطنية.
غوانغ يوان: شي أكثر الزعماء الصينيين شبهاً من حيث الفكر والنهج والسياسات بماو
ولفت الأستاذ الجامعي المقيم في تايوان، إلى أن ما تشهده الصين اليوم من قرارات وما نسمعه من مصطلحات، يشبه إلى حد كبير ما كان يصدر عن اللجنة المركزية للحزب في خمسينيات وستينيات القرن الماضي: تجديد شباب الأمة الصينية (استُخدم من قبل لتشكيل ما عرف بالجيش الأحمر)، معاداة الإمبريالية، التمسك بالقيم الاشتراكية، الماركسية عنوان المرحلة، وغيرها من المفردات التي تعبر جميعها عن مرحلة سابقة يُعاد إنتاجها الآن، حسب قوله، لخدمة أجندة محددة تتمثل في منح شي سلطة مطلقة ومكانة رفيعة، تتساوى إلى حد كبير مع مكانة ماو تسي تونغ في أوج زعامته.
هذا وكان من المقرر أن يتنازل الرئيس الصيني عن السلطة طواعية، في مؤتمر الحزب الوطني الذي سيعقد العام المقبل، وذلك بعد قضاء فترتين رئاسيتين استمرتا عشر سنوات. ولكن بموجب القرار الجديد، فإن شي سيستمر في السلطة لفترة ثالثة من أجل تحقيق هدف المئوية الثانية، حسب ما أكدت وسائل إعلام رسمية صينية. وكانت صحيفة "غلوبال تايمز" الحكومية، قد ذكرت في افتتاحيتها تعقيباً على القرار التاريخي: "ما دام الحزب الشيوعي الصيني لديه قيادة ذات نواة قوية وموحدة، تعمل بجد، وتضع نموذجاً يحتذى به للحزب بأكمله، ليظل وفياً لطموحه وتطلعاته، فلن يكون هناك شيء يمكن أن يوقفه".