لم يتأخر الرد الصيني على خطاب الرئيس الأميركي دونالد ترامب، اليوم الثلاثاء، أمام الجمعية العامة، الذي حمل انتقادات شديدة اللهجة لبكين، بعدما وصف مندوبها لدى الأمم المتحدة، تسانغ يون، ترامب، من دون أن يذكره بالاسم، بأنه "يرتكز على التنمر ويحمل إدعاءات ضد الصين لا أساس لها".
وقال المندوب الصيني رداً على كلمة ترامب التي جاءت بمناسبة افتتاح الدورة الـ75 لجمعية الأمم المتحدة، واتهم خلالها الصين بالتسبب بنشر فيروس كورونا: "في هذه الأوقات وفي ظل التحديات التي يواجهها العالم علينا أن نشجع الثقة المتبادلة بدلا من نشر فيروس سياسي".
وفي أقل من سبع دقائق، تمكن الرئيس الأميركي من إشعال وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام بسبب خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، وكان خطابه بارزا ليس فقط في قصر مدته مقارنة بخطاباته السابقة أو بخطابات غيره من القادة، بل بسبب الادعاءات والهجمات التي شنها تجاه الصين بشكل خاص.
وحتى الأمم المتحدة لم تسلم هي الأخرى من سلاطة لسانه واتهاماته الإشكالية. ولم يحمل الرئيس الأميركي الصين المسؤولية عن تفشي فيروس كورونا فحسب، بل استخدم مجددا تسمية عنصرية للفيروس حين أسماه "فيروس الصين". كما اتهم بكين بالسيطرة على منظمة الصحة العالمية، وكال الاتهامات لمنظمة الصحة العالمية كذلك مدعيا أنها تسترت على الصين، وكلها ادعاءات لم تثبت صحتها.
"We must hold accountable the nation which unleashed this plague onto the world: China."#UNGA pic.twitter.com/gtrdzUWzp1
— The White House (@WhiteHouse) September 22, 2020
وقد يكون خطاب ترامب الأقصر في تاريخ الجمعية العامة الذي يقدم خلال اجتماعاتها رفيعة المستوى منذ تأسيسها قبل خمسة وسبعين عاما، لكنه ربما أكثر خطاب تكال فيه الاتهامات لدولة أخرى بشكل غير مسبوق وعلى أكثر من صعيد، مع تحميله الصين مسؤولية مشاكل الولايات المتحدة التي يحاول الرئيس الأميركي التعامل معها وكأنها غير موجودة. ولعل أبرزها أمران: فيروس كورونا والبيئة. حيث تخطى عدد الوفيات جراء الإصابة بفيروس كورونا في الولايات المتحدة، اليوم، رسميا، 200 ألف شخص. أما حرائق كاليفورنيا غير المسبوقة فهي تتحدث عن نفسها.
"75 years after the end of World War II and the founding of the United Nations, we are once again engaged in a great global struggle.
— The White House (@WhiteHouse) September 22, 2020
We have waged a fierce battle against the invisible enemy—the China virus—which has claimed countless lives in 188 countries."#UNGA pic.twitter.com/hrbRcERmgP
لم يكن سرا أن الرئيس الأميركي سيهاجم الصين، لكن ضراوة الهجوم قد تكون فاجأت الجانب الصيني نفسه، ما اضطر مندوب الصين للتعليق على خطاب الرئيس الأميركي، ووصفه بأنه "خطاب تنمر ويحمل ادعاءات لا أساس لها وأنه بمثابة نشر لفيروس سياسي"، قبل أن يقدم الفيديو المسجل الذي تحدث فيه رئيسه عن مواقف بلاده من القضايا المهمة في العالم. ولأن مداخلات جميع الدول مسجلة مسبقا بسبب فيروس كورونا وقرار الجمعية العامة عدم عقد الاجتماعات بشكل شخصي، فهذا يعني أنه يصعب على قادة تلك الدول الرد على خطابات من سبقهم وبشكل مباشر، وفي هذا السياق جاء تعليق المندوب الصيني.
ومع أن الرئيس الأميركي مقبل على انتخابات وأن خطابه موجه لقاعدته الانتخابية، إلا أن هجومه على الصين بهذا الشكل يظهر كذلك التهديد الذي يشعر به الجانب الأميركي من تعاظم القوة الصينية، ولعب بكين دورا أكثر بروزا ليس فحسب على الساحة الدولية، بل وصل كذلك تأثيره إلى السياسة الأميركية وخاصة في مجال التجارة. فعندما تولى ترامب رئاسته كان يعتقد أنه يمكنه أن يحتوي الصين من دون أن يستوعب أنه لن يستطيع ذلك، لتتحول تدريجياً إلى الشماعة التي يعلق عليها إخفاقاته، لا سيما بعد انتشار فيروس كورونا.
وكان لافتا أن تركز خطابات دول كروسيا والصين وفرنسا، وبشكل غير معتاد، على أهمية التعددية الدولية والتعاون من أجل مواجهة التحديات التي يواجهها العالم وعلى رأسها كورونا، وهي دول من دون شك تعمل كذلك على فرض مصالحها ورؤيتها في عدد من بقع العالم، لكن خطابها أمام العالم بدا توافقيا أكثر من أي وقت مضى مقارنة بخطاب ضيق الرؤية كخطاب الرئيس الأميركي.
"أميركا أولا" كان شعار ترامب قبل توليه الرئاسة، لكن "أميركا" دونالد ترامب أصبحت هي أميركا الأغنياء والبيض، وهذا ما تثبته الأرقام بحسب ما قال منتقدو ترامب. ليست فقط معدلات الوفاة والبطالة واختلاف نسب انتشارها، حيث إن نسبة الإصابات بفيروس كورونا بين الأقليات والفقراء عالية وتأثير تبعات الجائحة الاجتماعية والاقتصادية عليهم أكبر من غيرهم.
ومن الضروري وضع خطاب الرئيس الأميركي بنطاقه الأوسع وطريقة تعامله مع الأمم المتحدة، فخلال ولايته لم تنسحب الولايات المتحدة فقط من عدد من المنظمات الدولية التابعة للأمم المتحدة، كمنظمة الصحة العالمية ومجلس حقوق الأنسان وغيرها، بل إنها قلصت وأوقفت دعمها المادي لبعضها الآخر، كوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، ناهيك عن انسحابها من الاتفاق النووي الذي أبرمه سلفه باراك أوباما مع إيران.