"لم تتسق تصريحات وزير الخارجية المصري سامح شكري حول ضرورة إجراء الانتخابات الليبية في موعدها المحدد (24 ديسمبر/كانون الأول الحالي)، مع الرغبة المصرية الملحة في تأجيل الانتخابات، والتي عبرت عنها القاهرة خلال مؤتمر باريس حول ليبيا (في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي)". هكذا علق دبلوماسي مصري سابق على تصريحات شكري أول من أمس الخميس خلال مؤتمر صحافي مع نظيره السعودي الأمير فيصل بن فرحان آل سعود بالعاصمة المصرية القاهرة، عقب اجتماع لجنة المتابعة والتشاور السياسي بين مصر والسعودية.
وأكد الوزير المصري خلال المؤتمر على "ضرورة إجراء الانتخابات الليبية في موعدها المحدد، وأن تكون معبّرة عن إرادة الشعب الليبي الشقيق". وأضاف: "نحن نتابع التطورات الخاصة بالإجراءات التي تتخذها اللجنة العليا للانتخابات في ليبيا".
لا حماسة مصرية لإجراء الانتخابات الليبية
وقال الدبلوماسي السابق، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إن الموقف المصري من الانتخابات الليبية "واضح منذ البداية، وهو يتمثل بعدم حماسة القيادة السياسية في القاهرة لإجراء الانتخابات الرئاسية في ليبيا في الموعد المحدد لها في 24 ديسمبر الحالي".
وأشار إلى أن "الرؤية المصرية مختلفة مع التصور الأميركي والأوروبي، بشأن الاستحقاقات الانتخابية الليبية، والتي طرحت خلال مؤتمر باريس". وكان المشاركون في مؤتمر باريس الدولي بشأن ليبيا، هددوا بفرض عقوبات على من يعرقلون الانتخابات بليبيا.
لا وجود لحليف ليبي موثوق يُعتمد عليه بالنسبة لمصر
ولفت الدبلوماسي المصري إلى "المشاورات المصرية الأميركية التي جرت في العاصمة واشنطن على هامش الحوار الاستراتيجي المصري الأميركي في نوفمبر الماضي، والتي أبدت فيها القاهرة قلقها من إجراء الانتخابات في ظل وجود القوات التركية والمقاتلين السوريين التابعين لأنقرة في ليبيا".
وأوضح أن "شكري أبلغ نظيره الأميركي أنتوني بلينكن، بأن إجراء الانتخابات بهذه الصيغة، في وجود القوات التركية، يعني أن النتيجة ستكون معلومة".
أسباب رغبة مصر بتأجيل الانتخابات الليبية
وأكد المصدر نفسه أن "القاهرة لا تزال متمسكة بموقفها من الانتخابات الليبية إلى الآن، وخصوصاً في ظل التطورات الجارية على الأرض". وأوضح أن "الأسباب الحقيقية للرغبة المصرية في عدم إجراء الانتخابات في موعدها، هي عدم وجود حليف موثوق يُعتمد عليه بالنسبة لمصر، فضلاً عن أن المرشحين المدعومين من أطراف أخرى، حظوظهم أقوى؛ سواء كان رئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة أو غيره من المقربين من تركيا".
وأضاف المتحدث نفسه أنه "حتى الحلفاء الآخرون المحسوبون على المعسكر الذي تنتمي إليه القاهرة، أقرب لروسيا من مصر"، موضحاً أن "الرهان المصري على سيف الإسلام القذافي، لا يزال يشكل خطراً، إضافة إلى أنه ليس مضمون العواقب، خاصة مع المطالبة الدولية بتسليم سيف الإسلام للمحكمة الجنائية الدولية".
وتابع الدبلوماسي المصري أنه "في ظل هذا الوضع، تتمسك القاهرة بفكرة تأجيل الانتخابات الليبية، وهي الفكرة التي كانت تخشى التعبير عنها بشكل صريح، لأنه كان هناك فيتو أميركي ثم أوروبي، على مسألة تأجيل الانتخابات، وكانت مصر لا تريد أن تصطدم بهذين الطرفين القويين".
وأضاف "لكن حين تيقنت القاهرة من أنه أصبح هناك توافق دولي على تأجيل الانتخابات، وأن هذا هو المتاح والممكن الآن، ومع إعلان عضو في مفوضية الانتخابات في ليبيا (أبو بكر مردة) أخيراً، أنه غير ممكن إجراء الانتخابات في 24 ديسمبر الحالي، خرج شكري، ليدعو لعقد الانتخابات في موعدها، لكي يُظهر القاهرة وكأنها طوال الوقت كانت مع عقد الانتخابات الليبية في موعدها".
ويواجه مسار الانتخابات الليبية عراقيل عدة ومتتالية، كان أحدثها ما صدر عن محكمة الاستئناف بمدينة مصراتة، التي قضت بوقف جميع إجراءات المفوضية الوطنية العليا للانتخابات ووقف تنفيذ جميع قراراتها، بما فيها قرار اعتمادها القائمة الأولية لمترشحي الانتخابات الرئاسية الليبية.
الرهان المصري على سيف الإسلام القذافي، لا يزال يشكل خطراً
وجاء حكم المحكمة، مساء أول من أمس الخميس، بناءً على عدد من الدعاوى المرفوعة ضد مفوضية الانتخابات من قبل عدد من الطاعنين في إجراءاتها، ومن بينها قرار اعتمادها لقائمة المترشحين للانتخابات الرئاسية.
واستند حكم المحكمة إلى "بطلان تشكيل إدارة المفوضية العليا للانتخابات" الحالية، وبالتالي "بطلان كافة قراراتها"، مشيرةً إلى أن حكمها واجب التنفيذ إلا إذا طعنت المفوضية عليه أمام المحكمة العليا.
ارتباك في دوائر الحكم بمصر
وفي السياق، قال الدبلوماسي المصري، إنه "في ظلّ الحالة الضبابية التي تخيم على المشهد الليبي، تعيش دوائر الحكم في مصر حالة من الارتباك، زادتها زيارة نواب موالين للواء المتقاعد خليفة حفتر إلى تركيا أخيراً، وكذلك الأنباء التي ترددت عن زيارة صدام خليفة حفتر إلى إسطنبول".
وأوضح الدبلوماسي أن "مسألة ضرب التحالفات السابقة، تسببت في خلطٍ أكثر للأوراق المصرية، وبالتالي، فإن تأجيل الانتخابات سيكون فرصة كبيرة للقاهرة لكي تعيد حساباتها وتراجع تحالفاتها، وتقيّم من ستراهن عليه في المستقبل".
وأضاف أن "تأجيل الانتخابات سيمنح الفرصة أيضاً للقاهرة لكي تنسّق موقفها مع الأميركيين والروس والأوروبيين ومع جهات مختلفة أخرى".
وكان البيان الختامي لمباحثات لجنة المتابعة والتشاور السياسي بين مصر والسعودية، والتي ترأسها كل من شكري ونظيره السعودي فيصل بن فرحان آل سعود، أكد أن الجانبين شددا على "ضرورة الحفاظ على استقرار ليبيا ووحدة وسلامة أراضيها، وعلى ضرورة عقد الانتخابات في موعدها المقرر نهاية العام الحالي".
تأجيل الانتخابات سيكون فرصة كبيرة للقاهرة لكي تعيد حساباتها وتراجع تحالفاتها
كما أكد الطرفان على "ضرورة خروج القوات الأجنبية والمرتزقة والمقاتلين الأجانب من ليبيا في مدى زمني محدد، تنفيذاً لقرار مجلس الأمن رقم 2570 والمخرجات الصادرة عن قمة باريس، ومؤتمر برلين 2 (عقد في يونيو/حزيران الماضي)، وآلية دول جوار ليبيا، وجامعة الدول العربية والاتحاد الأفريقي".
وجاء في البيان أيضاً أنه "في ختام الاجتماع، وفي إطار التوافق في الرؤى بين البلدين حيال العديد من القضايا والأزمات في المنطقة، شدد الجانبان على أهمية استمرار التنسيق والتشاور السياسي، لمواجهة التحديات الماثلة أمام الطرفين وفي المنطقة، وذلك على ضوء مكانتهما المحورية ومسؤولياتهما تجاه أمنها واستقرارها".
وشدد الجانبان كذلك على "رفض أي محاولات لأطراف إقليمية للتدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية أو تهديد استقرارها وتقويض مصالح شعوبها، سواء كان ذلك عبر أدوات التحريض العرقي والمذهبي، أو أدوات الإرهاب والجماعات الإرهابية، أو عبر تصورات توسعية لا تحترم سيادة الدول أو ضرورات احترام حسن الجوار".
كذلك اتفق الطرفان، وفق البيان، على "مواصلة محاربة التنظيمات الإرهابية في المنطقة بكافة أشكالها، واستعرضا الجهود المبذولة من جانبهما في هذا الصدد".