تحظى عائلات تركية بارزة، مثل كوتش وصابانجي ودوغان وألبيرق ودمير أوران، وغيرها، بأهمية سياسية واقتصادية نظراً لحضورها الفعّال في السياسة التركية منذ سنوات طويلة.
وبالنظر في أدبيات السياسة التركية، يُلاحَظ أن العائلات البارزة تتحرك كمجموعات ضغط أو مصالح في السياسة الداخلية والخارجية، وتسعى لتوجيه السياسات العامة لتحقيق مصالحها، فتدخل في علاقات مع كل من الأوساط الحكومية والمعارضة في تركيا.
وقد تغيّرت علاقات العائلات في الحياة السياسية التركية مع كلٍّ من حزب العدالة والتنمية الحاكم، وحزب المعارضة الرئيسي الشعب الجمهوري من وقت لآخر، حيث تتبع مقاربات براغماتية.
العائلات البارزة وتأثيرها السياسي
- عائلة كوتش
تبرز عائلة كوتش على صعيد العائلات المؤثرة في السياسة الداخلية التركية بالنظر إلى الخلفية التاريخية والظروف الحالية، وتُعتبر إحدى أغنى العائلات في تركيا. ويُطلق بعض المواطنين الأتراك على عائلة كوتش لقب الإمبراطورية، لما تملكه العائلة من ثروة اقتصادية كبيرة.
تملك عائلة كوتش علاقات وثيقة مع حزب الشعب الجمهوري
وضع المؤسس، وهبي كوتش، حجر أساس مجموعته التجارية في 31 مايو/أيار 1926. بدأ وهبي كوتش عمله التجاري منذ أواخر العهد العثماني في عام 1917، في أنقرة، حيث عمل إلى جانب والده في بقالة، ومن ثم أسس شركته للتجارة العامة. أسس شركته المساهمة عام 1938، وفي العام نفسه بدأ بنشاطه التجاري في الولايات المتحدة، كأول شركة تركية فاعلة في الولايات المتحدة.
في مطلع ستينيات القرن الماضي، باشرت المجموعة في تنويع أنشطتها التجارية، فعملت في تجارة السيارات والأدوات الكهربائية والآلات الزراعية والنفط والصناعات الغذائية والسياحة والتمويل والتأمينات.
وبالنسبة للهوية السياسية لعائلة كوتش، ذكر الباحث السياسي التركي المختص في شؤون العائلات غوكهان إريلي، لـ"العربي الجديد"، أن العائلة قريبة من البيئة العلمانية-الليبرالية التي ازدادت قوةً في الحياة السياسية التركية منذ فترة تأسيس الجمهورية على يد مصطفى كمال أتاتورك.
ومنذ فترات طويلة تملك العائلة علاقات وثيقة مع حزب الشعب الجمهوري، في ظل وجود ادعاءات مستمرة بأن الحملات الانتخابية للمسؤولين من حزب الشعب الجمهوري فضلاً عن مبادراتهم ومشاريعهم السياسية الأخرى، مدعومة من قبل عائلة كوتش.
وفي هذا السياق، شهدت الانتخابات المحلية في العام 2019 حملة مكثفة تربط بين مرشح حزب الشعب الجمهوري لرئاسة بلدية إسطنبول الكبرى ورئيسها الحالي، أكرم إمام أوغلو، وعائلة كوتش، على اعتبار أنه تلقى دعماً مباشراً منها وأصبح مرشحاً عنها.
وأشارت الكاتبة ديليك غونغور، في مقال لها بصحيفة "صباح"، إلى أن عائلة كوتش لا تفضّل العمل مع الكيانات ذات الخلفية المحافظة، وأن علاقتها مع حكومة "العدالة والتنمية" سلبية بشكل عام، على الرغم من أنها قد تتضمن صوراً من العلاقة الإيجابية من حين إلى آخر.
لكن في الفترة الأخيرة، انتقد علي كوتش، نائب رئيس مجلس إدارة مجموعة كوتش ورئيس نادي فنربخشة الرياضي، أكرم إمام أوغلو بشأن تصريح أدلى به في سياق كرة القدم، فيما انتقد إمام أوغلو أيضاً علي كوتش "لتنزيهه السلطة الحاكمة عن العيوب". ولذلك، حسب الكاتبة غونغور، ينبغي النظر إلى عائلة كوتش على أنها فاعل مهم في الحياة السياسية والاقتصادية التركية ككلّ، وليس فقط مع حزب سياسي معين.
- عائلة صابانجي
أُنشئت مجموعة شركات صابانجي على يد عمر صابانجي في مدينة أضنة جنوب تركيا على ساحل البحر المتوسط عام 1925، حينما بدأ بتجارة القطن. أسس صابانجي مصنعه الأول عام 1932، ثم مجموعة شركات صابانجي عام 1967. وتتجلى نشاطات المجموعة الصناعية والتجارية في صناعة الإسمنت، والمواد الإلكترونية، والمواد النسيجية، وتوزيع التيار الكهربائي في بنية شركة "إنرجي سا" التي تأسست عام 1996، وإنتاج طاقة الرياح، وافتتاح الجامعات التعليمية.
وقال الباحث غوكهان إريلي، لـ"العربي الجديد"، إن "العائلة تبنت موقفاً مؤيداً لحزب العدالة والتنمية منذ تأسيسه مروراً بسنوات حكمه لا سيما في عقده الأول، ولا تزال تحتفظ بعلاقات واسعة مع الحزب الحاكم حتى الآن. ففي العام 2002 أفاد بيان للعائلة بضرورة أن يكون رئيس حزب العدالة والتنمية، رجب طيب أردوغان، رئيساً للحزب ورئيساً للوزراء في الوقت نفسه، وأن عدم قدرته على أن يصبح رئيساً للوزراء "يصدّر صورة سلبية".
وأكدت رئيسة مجلس إدارة مجموعة صابانجي القابضة، غولر صابانجي، تأييدها لسياسات "العدالة والتنمية"، وأن أوساط الأعمال في تركيا تدعم عملية الانضمام للاتحاد الأوروبي. كما صرّحت صابانجي أن "العدالة والتنمية" هو "حزب مركزي وليس حزب شريحة معينة".
- عائلة البيرق
إلى جانب عائلتي كوتش وصابانجي، هناك عائلة أخرى وهي عائلة البيرق التي تنحدر من مدينة إسطنبول، مالكة مجموعة البيرق. ومعروف داخل تركيا أن لدى العائلة علاقات وثيقة مع "العدالة والتنمية"، كما أن وسائل الاعلام التابعة لها، مثل صحيفة "يني شفق"، وقناة "تي في نت" التلفزيونية، ومنصة "غي زي تي" الصحافية الإلكترونية، ودار النشر "كَتَبة"، ومجلة "دِرين تاريخ"، وغيرها، من أشد المؤيدين للحكومة وسياساتها الداخلية والخارجية.
- عائلة دوغان
أبصرت مجموعة شركات دوغان الضوء عام 1959، على يد أيدين دوغان في مدينة أنقرة. شرعت مجموعة دوغان بنشاطها التجاري في قطاع السيارات. وبعد سنوات من العمل، أضحت دوغان فاعلة في قطاع الإعلام والطاقة والتمويل والسياحة والعقارات والصناعات المتنوعة.
عائلة صابانجي تبنت موقفاً مؤيداً لحزب العدالة والتنمية منذ تأسيسه مروراً بسنوات حكمه
تتميز مجموعة دوغان بالتوجّه العلماني المدني الليبرالي، ويتضح ذلك من التمعن باللغة المستخدمة في وسائل الإعلام المتنوعة التي كانت تتبع لها، وكانت تعتبر المنافس الأول لوسائل الإعلام المحافظة التابعة لحزب العدالة والتنمية.
تمتلك مجموعة دوغان الإعلامية التابعة لمجموعة شركات دوغان، العديد من وسائل الإعلام المسموعة والمرئية والمقروءة، هي:
صحف "ميلييت" (منذ 1979 وحتى عام 2011، وتُعرف بعلاقاتها الوثيقة مع بعض جنرالات الجيش)، و"حرييت" (منذ عام 1994 وحتى 2018)، و"بوسطة" (منذ عام 1995 وحتى 2018). كما امتلكت صحف "راديكال" (منذ عام 1996 وحتى عام 2016)، و"غوزجو" (منذ عام 1996 وحتى عام 2007)، و"وطن" (منذ 2002 وحتى عام 2011)، فيما لا تزال تمتلك "فناتيك الرياضية" منذ عام 1995 وحتى اليوم.
أما بالنسبة للمجلات فهي لا تزال تمتلك "تشيب" منذ عام 1996، و"بي سي نت" منذ عام 1997، و"ليفيل" منذ 2007.
إضافة إلى ذلك امتلكت العائلة ولا تزال العديد من القنوات التلفزيونية، هي: "أكوا" (منذ عام 1995 وحتى 1999)، و"سي أن أن ترك" (منذ عام 1999 وحتى 2018)، و"ستار تي في" (منذ 2005 وحتى عام 2011). كما تحتفظ العائلة بالعديد من التلفزيونات حتى اليوم، وهي "قنال دي" (منذ عام 1994)، و"أورو دي" (منذ عام 1996)، و"دريم تي في" (منذ عام 2003)، و"دريم ترك" (منذ عام 2013)، و"قنال دي رومانيا" (منذ عام 2007). تضاف إليها قنوات "كارتون نت وورك" (منذ عام 2008)، و"ني بي أ تي في" (منذ عام 2011)، و"تي في 2" (منذ عام 2012) و"بوميرانج" (منذ عام 2016).
أما بالنسبة للإذاعات، فامتلكت العائلة: "دي" (منذ عام 1994 وحتى 2018)، و"فوريكس" (منذ 1994 وحتى 2005)، و"سي أن أن ترك راديو" (منذ عام 2001 وحتى 2018)، و"راديو موضا" (منذ 2006 وحتى عام 2012)، ولا تزال تمتلك "سلوو ترك" منذ 2005 وحتى اليوم.
عام 2018، تنازلت مجموعة دوغان الإعلامية عن حقوق البث لمجموعة دمير أوران الداعمة إلى حدٍ كبير لحزب العدالة والتنمية، وبذلك بات الحزب يسيطر على نحو 95 في المائة من وسائل الإعلام الكلاسيكية في تركيا.
- عائلة دمير أوران
تُعتبر عائلة دمير أوران أيضاً عائلة مهمة في الحياة السياسية والاقتصادية التركية، ويعود تاريخ تأسيس مجموعتها الاقتصادية إلى عام 1956 في إسطنبول. وأنشأ مؤسسها أردوغان دمير أوران، شركة "أوتو كولايليك" الخاصة باستيراد السيارات عام 1956. منذ ذلك التاريخ حتى اليوم، تنوعت الأنشطة التجارية للمجموعة ما بين امتلاك أكبر شركة توزيع للغاز الطبيعي "ميلان غاز"، والمؤسسات التعليمية الخاصة، وتوزيع التيار الكهربائي والعقارات وتشغيل بعض الموانئ البحرية.
تتميز مجموعة دوغان بالتوجّه العلماني المدني الليبرالي
وحققت مجموعة دمير أوران قفزات في قطاع الإعلام أيضاً. وفي هذا الإطار، استحوذت على مجموعة دوغان الإعلامية الكبيرة في العام 2018 وارتقت إلى موقع أكثر فعالية في السياسة التركية.
ومن خلال عمليات الاستحواذ التي أجرتها، استحوذت مجموعة دمير أوران على العديد من المنصات الإعلامية مثل صحيفة "حُرييت"، وصحيفة "بوستا"، و"وكالة أنباء دوغان"، وشركة دوغان الإعلامية العالمية، وشركة "موزاييك" لخدمات الاتصالات، كذلك تم بيع حقوق ملكية البث الخاصة بإذاعة "راديو دي" وإذاعة "سي أن أن ترك" لمجموعة دمير أوران الإعلامية أيضاً.
وقال الباحث إريلي، في حديثه لـ"العربي الجديد"، إنه باستحواذ مجموعة دمير أوران على مجموعة دوغان الإعلامية، باتت أحد عمالقة قطاع الإعلام التركي، لذلك تملك العائلة علاقات وثيقة مع الحكومة، وهذا أمر تنتقده بعض الدوائر السياسية. فقد لجأت العائلة إلى أخذ قروض من بنك زراعات الحكومي خلال عمليات الشراء، ما أدى إلى ظهور تأويلات بأن عملية الاستحواذ كانت بدعم وتسهيل من الحكومة التي هي أقرب إلى عائلة دمير أوران منها إلى عائلة دوغان، وفقاً لموقع "تي 24" التركي.
نظرة الحكومة والمعارضة إلى هذه العائلات
وفي السياق، ذكر الباحث السياسي غوكهان إريلي أن حكومات "العدالة والتنمية" المختلفة لطالما أقامت علاقات قوية مع العائلات المتنفذة، كما يمكن الإشارة إلى تلقّي "العدالة والتنمية" دعماً مالياً من قبل شركات تلك العائلات ضمن الأطر القانونية وفي إطار أنشطة كالتبرعات والاشتراكات والفعاليات الحزبية.
باتت عائلة دمير أوران أحد عمالقة قطاع الإعلام التركي، وتملك علاقات وثيقة مع الحكومة
يشار إلى أن العائلات المقرّبة من حكومة "العدالة والتنمية" مثل صابانجي ودمير أوران والبيرق دعمت بشكل علني "العدالة والتنمية" في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية الأخيرة التي جرت في مايو/أيار الماضي للحفاظ على مكاسبها ولأجل استقرار تركيا حسب اعتقادها. في حين ذكرت تقارير أن عائلة كوتش موّلت جزءاً من حملة المعارضة الانتخابية.
ولفت إريلي إلى أن حزب الشعب الجمهوري وأوساط المعارضة الأخرى ذات الصلة يستخدمون تلك العائلات، لا سيما الداعمة للحزب الحاكم، كأداة خطاب سياسي. وأضاف "لا ينبغي النظر إلى تقارب العائلات مع الأحزاب الحاكمة والمعارضة في إطار شمولي، إذ تُعتبر الروابط الشخصية والبيئة السياسية الاجتماعية ذات أهمية كبيرة في هذا النوع من العلاقات، ولهذا السبب فإن العلاقات المرنة والبراغماتية لا تقام فقط من قبل زعماء العائلات الكبيرة، ولكن أيضاً من قبل الأفراد الذين يشكلون هذه العائلات".
ورأى إريلي أن العائلات وأصحاب الشركات الكبيرة، الذين نشأوا في بيئة علمانية عبر تاريخ الجمهورية التركية وتواجدوا في أوساط معارِضة لحكومات "العدالة والتنمية"، امتلكوا مواقف سياسية أكثر وضوحاً مع تطور حركات سياسية بديلة مثل الطاولة السداسية للمعارضة، لكن هناك عاملاً آخر سيؤثر على هذه الظاهرة وهو مسألة ديمومة هذه المنابر السياسية.