تعمل السلطات الأمنية في العراق على إعادة نشر قوات الشرطة المحلية داخل مراكز المدن، وإبعاد الجيش و"الحشد الشعبي" وتحويلهما إلى المعسكرات الواقعة خارج المدن أو في ضواحيها، وذلك ضمن الخطط الأمنية الجديدة لحكومة محمد شياع السوداني، التي تعمل وفق الأجندة السياسية التي وضعها تحالف "إدارة الدولة"، الذي يضم معظم القوى السياسية المعروفة، عدا التيار الصدري.
إلا أن هذه الخطة لا تشمل المدن المحررة في شمال البلاد وغربها، على الرغم من أنها أحوج إلى هذا الإجراء من غيرها من مدن وسط العراق وجنوبه، لا سيما المدن التي هجّر منها أهلها منذ نحو 7 أعوام والتي تعرف بـ"المدن منزوعة السكان" بحجة "المخاوف الأمنية من هجمات الإرهابيين".
وهناك نحو 400 ألف عراقي ممنوعون من العودة إلى مدنهم بقرار من الفصائل المسلحة التي تستولي عليها، وأبرزها مدينة جرف الصخر، شمالي بابل، التي تسيطر عليها مليشيات عدة، أبرزها "كتائب حزب الله" و"النجباء" و"عصائب أهل الحق" و"جند الإمام"، منذ نهاية عام 2014. كما أن هناك بلدات أخرى مهجورة، أهمها العوجة ويثرب وعزيز بلد وقرى الطوز وقرى مكحول في محافظة صلاح الدين، والعويسات وذراع دجلة وجزء من منطقة الثرثار ومجمع الفوسفات في محافظة الأنبار، وقرى المقدادية وحوض العظيم والسعدية في شمال شرقي محافظة ديالى، وربيعة وقرى سنجار في محافظة نينوى، على مقربة من الحدود مع سورية.
مصادر: الخطة الأمنية لم تشمل الأنبار وصلاح الدين ونينوى والموصل وديالى
ويُطالب النازحون بالعودة إلى ديارهم بعد أن انتهت الحرب على تنظيم "داعش"، إلا أن الفصائل المسلحة الموالية لإيران ترفض ذلك، وتدعي أن الأوضاع الأمنية لا تزال غير مستقرة فيها.
في المقابل، لم تستجب الحكومات العراقية منذ عام 2017 لمطالب النازحين والنواب والأحزاب التي تبنّت ملفهم، بل إن معظم الذين طالبوا بإنهاء ملف النزوح تعرضوا إلى ضغوطات وتهديدات من جهات مسلحة، في سبيل التراجع عن مواقفهم.
وفي سياق تأكيد رفض السلطات التعامل مع هذا الملف، لم تلحظ الخطة الأمنية الجديدة نشر قوات الشرطة المحلية في المدن والبلدات المعنية، معتبرة أن هذا الملف "يقع ضمن مسؤولية الفصائل المسلحة، وليس قوات الأمن النظامية"، وفق مصادر سياسية وأمنية.
وقال المتحدث باسم وزارة الداخلية العراقية خالد المحنا، إن "الوزارة تسلمت الملف الأمني في ثلاث محافظات، وهي المثنى والديوانية وواسط، في منتصف شهر يناير/كانون الثاني الماضي، وستلتحق محافظات أخرى بهذا الإجراء بعد ورود تقارير عن نسبة الجاهزية".
وأوضح في تصريحات صحافية الأسبوع الماضي، أن "الملف الأمني في جهة الكرخ ببغداد، سيسلم أولاً إلى وزارة الداخلية ومن ثم يلحقها قاطع الرصافة، وأن القوات التابعة لوزارة الداخلية لم تعد كما كانت سابقاً، بل أصبحت تمتلك قطعات عسكرية تفوق تلك التي لدى وزارة الدفاع، من ضمنها خمس فرق للشرطة الاتحادية وقيادة قوات حرس الحدود وقوات النخبة وقوات الرد السريع".
انتشار الشرطة المحلية في المدن العراقية
وبحسب مصادر أمنية وعسكرية عراقية، فإن "الأوامر العسكرية والأمنية الجديدة بخصوص نشر قوات الشرطة المحلية بدلاً من الجيش والحشد الشعبي، لم تشمل مدن الأنبار وصلاح الدين ونينوى والموصل وديالى، بل اقتصرت على مناطق الفرات الأوسط ومحافظات الجنوب".
وكشفت لـ"العربي الجديد"، أنه "خلال الفترة المقبلة ستنتشر قوات الشرطة المحلية داخل مدن بابل (عدا بلدة جرف الصخر) والكوت والسماوة والديوانية". وأكدت هذه المصادر أن "الملف الأمني في معظم المدن المحررة بيد الفصائل المسلحة، أما الجيش فينتشر على حدود هذه المدن أو في داخلها، لكنه لا يتدخل إلا بأوامر القيادة العامة للقوات المسلحة، لكن الفصائل تتحرك بأوامر قادتها المباشرين".
عمر فاروق: معظم الأطراف السياسية لا تريد حل المدن منزوعة السكان
من جهته، قال عضو البرلمان العراقي رعد الدهلكي، إنه "من المهم أن تنتهي ظاهرة عسكرة المجتمع في كل العراق، لكن في المدن المحررة هناك حاجة ملحة لإنهاء ملف النزوح والمناطق منزوعة السكان التي تسيطر عليها الفصائل المسلحة، وهذه الإجراءات الجديدة كان لا بد أن تشمل المناطق المحررة لأن أهلها لا يستطيعون العودة إليها بسبب الانتشار المسلح غير المبرر فيها".
وأكد في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن "الحكومة الحالية أهملت هذه المدن، ولم تنصف النازحين الذين مضى على وجودهم في مخيمات النزوح أكثر من سبعة أعوام ويعانون من العوز وانتشار الأمراض والفقر".
المدن العراقية منزوعة السلاح
لكن عضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي، مهدي تقي اعتبر أن "المدن المحررة لا تزال تتعرض إلى هجمات إرهابية، وأن إمكانات الجيش والحشد الشعبي أكبر من إمكانات الشرطة المحلية في مواجهة هذه المخاطر".
واعتبر في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن "المدن منزوعة السكان تحتاج إلى خطة شاملة، لا تقتصر على الوضع الأمني والجهة المسيطرة على الأرض فيها، بل تشمل إعادة الإعمار وتأسيس بنى تحتية وتأهيلا اجتماعيا وحلّ الخلافات العشائرية فيها، وإعادة فرز سكانها أمنياً".
من جانبه، رأى الناشط السياسي عمر فاروق، أن "حكومة السوداني تعاني من مشكلات عدة، أهمها عدم قدرتها على فتح الملفات الصعبة، ومنها ملف المدن المحررة منزوعة السكان، كونه بيد الفصائل والمليشيات التي هي أساس أغلب مشاكل الدولة العراقية منذ عام 2003 ولغاية الآن".
وأشار في حديثٍ مع "العربي الجديد"، إلى أن "معظم الأطراف السياسية، حتى تلك التي تدّعي أنها تريد حل أزمة النازحين، مستفيدة انتخابياً وسياسياً واقتصادياً من هذه الأزمة، ولا ترغب بإنهائه".
وبرأي الباحث كتاب الميزان، فإن "الفصائل المسلحة استوطنت في البلدات والمدن المحررة، وأن حكومة السوداني تجد صعوبة في التعامل مع هذا الملف الشائك بالنسبة لها، لذلك لم تتخذ أي إجراءات جادة في إبعاد الفصائل واستبدالها بالشرطة المحلية وإعادة الأهالي إلى البلدات والمدن".
وقال الميزان لـ"العربي الجديد"، إن "قرارات نشر الشرطة المحلية في المدن العراقية لم تشمل المدن المحررة وتحديداً تلك التي لا يستطيع الأهالي العودة إليها، لأن أمر العودة ليس بيد أي جهة عراقية، بما في ذلك الفصائل والمليشيات، إنما بيد إيران، باعتراف مسؤولين وسياسيين"، معتبراً أن "غياب جهات سنية جادة عن متابعة هذا الملف، أدى إلى نسيان بلدات منكوبة ومن دون سكان، مثل العوجة وجرف الصخر ويثرب والفرحاتية وغيرها".