لا يبدو أن الانتخابات العراقية، المقرر إجراؤها بعد أقلّ من ستة أشهر من الآن، ستكون مشابهة للنسخ الأربع السابقة التي شهدتها البلاد بعد عام 2003، إذ لجأت الأحزاب والكيانات السياسية التقليدية مبكرا إلى استقطاب شريحة الشباب والوجوه الجديدة، تماشياً مع رغبة العراقيين في التغيير، إضافة إلى منافسة الكيانات السياسية الجديدة، وتحديداً التي أفرزتها التظاهرات الشعبية التي شهدتها مدن جنوب ووسط البلاد وبغداد نهاية عام 2019، واستمرت لأكثر من عام.
ومن المقرر أن تنتهي فترة تسجيل المرشحين الراغبين في خوض الانتخابات في الأول من مايو/ أيار المقبل، وسط توقعات بتمديد مفوضية الانتخابات فترة التسجيل مرة ثانية، بسبب عدم استكمال كثير من القوى المدنية الجديدة إجراءات تسجيلها وتقديم مرشحيها إلى غاية الآن، بحسب مصادر من داخل المفوضية بالعاصمة بغداد، والتي قالت، لـ"العربي الجديد"، إن أكثر من 50 بالمائة من الأسماء التي قدمتها الأحزاب التقليدية الرئيسة في البلاد من شريحة الشباب أو الوجوه الجديدة.
وفي السياق، قال عضو البرلمان العراقي السابق، رزاق الحيدري، إن "جميع الأحزاب الحالية تدرك النقمة الشعبية غير الطبيعية من جميع الوجوه السياسية، وقد ظهرت هذه النقمة والغضب بانعكاسات واضحة خلال تظاهرات تشرين 2019، التي رفعت شعارات حقيقية تمثل مطالب الشعب العراقي، بسبب فشل الحكومات المتعاقبة، غير أن معظم الأحزاب والكيانات التقليدية تسعى حالياً إلى الالتفاف مرة أخرى على أصوات الناخبين من خلال طرح أسماء شابة جديدة".
من المقرر أن تنتهي فترة تسجيل المرشحين الراغبين في خوض الانتخابات في الأول من مايو/ أيار المقبل، وسط توقعات بتمديد مفوضية الانتخابات فترة التسجيل مرة ثانية
وأوضح الحيدري، في اتصالٍ مع "العربي الجديد"، أن "أحزابا معروفة كانت تستقطب وجهاء وشيوخ عشائر وتضعهم في قوائم الترشيح من أجل الحصول على أصوات ناخبيهم، وكانت تتعامل الأحزاب مع هؤلاء المرشحين، الذين غالباً ما يحصلون على مقاعد في البرلمان، على أنهم أيادٍ ترفع فقط عند التصويت، أو لا تُرفع عندما يغضب رؤساء الكتل من صيغة قانون ما، وهناك سعي لتكرار هذه التجربة في الانتخابات المقبلة، التي سيكون 80 في المائة من المرشحين فيها من شريحة الشباب".
وأكمل عضو البرلمان العراقي السابق أن "هناك شبابا انتموا للأحزاب التقليدية خلال الفترات الماضية، وهم يهدفون إلى الترشح في الانتخابات، وهو أمر يُفرح قادة الكيانات، ولكنهم لا يعلمون أن الشبّان الجدد يهدفون إلى جمع الثروات والحصول على مناصب، دون التفاتٍ إلى مصلحة العراقيين أو سمعة الأحزاب ذاتها، وبالتالي فإن هذه الأحزاب تقتل نفسها بنفسها".
وأكد أن "الكيانات السياسية الجديدة التي خرجت من رحم تظاهرات تشرين تمثل حالة جيدة للمشاركة في العمل السياسي، ولكنها قد تضطر في النهاية إلى التحالف مع الكتل الكبيرة في البرلمان، لإدراكها في المستقبل أن بقاءها وحدها لن يخدمها نهائياً، وأخيراً تعاد العملية البرلمانية إلى نفس الآلية القديمة، ما قد يولد انفجاراً شعبياً غاضباً تجاه المنظومة الجديدة".
من جانبه، أكد عمار النعيمي، عضو تكتل "نازل آخذ حقي"، وهي حركة سياسية جديدة، أن "الانتخابات المقبلة سيكون فيها النفس الشبابي بارزا، رغم أن أجواء العملية الانتخابية لا تزال غير واضحة، ومُهددة بسلاح المليشيات".
وأوضح النعيمي أن "معظم الحركات السياسية الجديدة تقاد عبر الشباب الذين شاركوا في تظاهرات تشرين، وبعضهم الآخر يعمل لصالح الأحزاب وأسس كيانات تمثل ظل الأحزاب التقليدية، لكنها مكشوفة بالنسبة للناشطين والسياسيين والناخبين أيضاً".
وأشار المتحدث ذاته، لـ"العربي الجديد"، إلى أن "معظم الأحزاب التقليدية سعت إلى استقطاب شبّان ناشطين في ساحات الاحتجاجات، إلا أنها فشلت، وبالتالي استقطبت شبابا مقربين من السلطة من أجل ترشيحهم في الانتخابات المقبلة، وهذا أمر مؤسف، لكنه يمثل نفس الغش السياسي الذي تعتاش عليه أحزاب السلطة".
وفي هذا السياق ذاته، اعتبر سكرتير الحزب الشيوعي العراقي رائد فهمي، المرحلة المقبلة بأنها ستكون "مرحلة الشباب الذين باتوا يدركون أن تواجدهم في العمل السياسي أمر ضروري، كونهم أبناء الأزمة العراقية".
واستدرك فهمي، خلال حديثه مع "العربي الجديد"، بأن "الحماس الشبابي يحتاج إلى خبرة سياسية، لأن الاندفاع نحو المشاركة في العمل السياسي والجلوس في البرلمان ومحاولة الانتقام من الكتل السياسية الفاسدة والمتنفذة، والمتهمة بنهب الأموال العراقية، لا يكفي، بل يحتاج إلى حنكة وتواجد لسياسيين شرفاء عاشوا مراحل مهمة من تاريخ السياسة العراقية عقب عام 2003".
بدوره، رأى المحلل السياسي غالب الشابندر أن "المشاركة الشبابية في الانتخابات المقبلة ستقضي على الفاسدين من كبار الحزبيين والموالين للخارج وسراق المال العام، من خلال استبدال الدماء الموجودة، لكن لهذه المشاركة ضريبة، كون الأحزاب التي تدعي أنها دينية وإسلامية لن تقبل بتواجد شبّان مدنيين وعلمانيين وتقدميين، يؤمنون ببناء دولة عصرية تتماشى مع التطور والديمقراطية التي يشهدها العالم، ولذلك قد تتحرك المليشيات المسلحة بوجه الشباب، وقد يحدث ما لا يحمد عقباه"، مستكملاً تعليقه، لـ"العربي الجديد"، بقوله إن "العراق أمامه كفاح طويل للتخلص من الوجوه القديمة، التي تسببت بتواجد الإرهاب وخراب البلاد".