لم يفض اجتماع موسع عقده أكثر من ثلاثين نائباً عراقياً، مستقلاً ومدنياً، واستمر حتى ساعة مبكرة من فجر اليوم الإثنين، عن أي اتفاق موحد حيال الموقف من مبادرتين مشروطتين، طرحهما كل من زعيم "التيار الصدري"، مقتدى الصدر، وتحالف "الإطار التنسيقي"، الأسبوع الماضي.
ومن المقرر أن تنتهي المهلة التي منحها زعيم "التيار الصدري"، مقتدى الصدر، لقوى "الإطار التنسيقي"، لتشكل الحكومة الجديدة دون مشاركته بها، بعد غد الأربعاء، وهو أيضاً اليوم الذي يوافق مضي ستة أشهر كاملة على إجراء الانتخابات في العاشر من أكتوبر/ تشرين الأول العام الماضي.
ووفقاً لنائب مستقل، تحدث لـ"العربي الجديد"، شريطة عدم ذكر هويته، فإن الاجتماع الذي استمر عدة ساعات بمنزل النائب المستقل حيدر شمخي في بغداد، شهد خلافات في المواقف بين من يرى أهمية استغلال الخلافات الحالية بين الصدريين وقوى الإطار التنسيقي وإحداث خرق في طقوس تشكيل الحكومة التي سارت عليها منذ الغزو الأميركي ولغاية الآن، عبر تقديم مرشح من بينهم لرئاسة الحكومة، لكن هذا الفريق منقسم أيضاً بين من يؤيد مبادرة "الإطار التنسيقي" وقسم يرى بمبادرة زعيم "التيار الصدري" مقتدى الصدر أفضل لهم.
وبدا الانقسام الحاد واضحاً منذ الدقائق الأولى للاجتماع، بحسب النائب، الذي أشار إلى أن نواباً رأوا أن العروض المطروحة غير جدية وهي محاولة للزج بالمستقلين في الأزمة كطرف وتحميلهم جزءا من المسؤولية، بينما اعتبر آخرون أن فشل تجربة المستقلين والمدنيين في البرلمان الحالي هو ما تتفق عليه القوى الإسلامية بمختلف توجهاتها وتسعى له، تحسباً من تنامي وجودهم بالبرلمان المقبل، واعتبروا أن الأفضل الابتعاد عن فخ المبادرات خصوصا مع تصاعد نقمة الشارع بسبب الأزمة.
وكشف النائب ذاته لـ"العربي الجديد"، عن اجتماع مرتقب سيعقد مساء غد الثلاثاء في محاولة للخروج بموقف، لكنه أشار إلى أن المشاركين في الاجتماع والبالغ عددهم نحو 35 نائباً ممن يحملون صفة مستقل ومدني لم يحققوا أي تقارب حتى الآن، لا سيما حركتي "امتداد" و"جيل جديد" المدنية، والذين يطرحان رأيا آخر هو ترشيح رئيس وزراء منهم بدون شروط مسبقة من الإطار التنسيقي والتيار الصدري وتشكيل الحكومة بطريقتهم دون أي إملاءات، وهو ما يبدو مستحيلاً لتلك القوى.
والأسبوع الماضي، عرض تحالف "الإطار التنسيقي" مبادرة تضمنت عدة نقاط، من بينها طرح النواب المستقلين والمدنيين مرشحهم لرئاسة الحكومة، لكن بشرط موافقة "كتلة المكون الأكبر"، عليه، فيما رد الصدر بعد ساعات، بطرح مبادرة دعا فيها النواب المستقلين إلى تسمية مرشحهم للحكومة عبر تحالفه (إنقاذ وطن)، في خطوات اعتبرت أنها سباق بين طرفي الأزمة يهدف إلى كسب أصوات النواب المستقلين لتغليب كفتهم بالبرلمان.
وفي الشأن، قال النائب المستقل ياسر وتوت، إن "الاجتماع الذي عقد في بغداد بمنزل النائب حيدر شمخي، لم يكن مختلفاً من حيث المضمون عن الاجتماعات الماضية"، مشيراً إلى أن "هناك نواباً على قناعة بأهمية الاستفادة من العرض المطروح، في حين هناك من هو متخوف من احتمالية أن تكون هذه المبادرات ورطة للمستقلين".
واعتبر وتوت في اتصالٍ مع "العربي الجديد"، أن "اللقاءات مستمرة في بغداد"، أملا بالخروج في موقف موحد"، لكنه لم يظهر الكثير من التفاؤل بشأن ذلك.
من جهته، اعتبر عضو حركة "نازل آخذ حقي"، الناشطة في التظاهرات الشعبية ببغداد، حامد المشهداني، المبادرات المقدمة من "التيار الصدري" و"الإطار التنسيقي"، بأنها "تهدف إلى تذويب الحراك الشعبي ضد الأحزاب وإشراكها في هذه الأزمة".
وبين أن أكثر النواب المستقلين يرون فيها "غير صادقة"، كون الطرفين، وفقاً للمشهداني، "غير مستعدين للتنازل عن تشكيل الحكومة أو حتى عدد الوزارات التي يحصل عليها كل حزب أو كتلة".
كما تحدث عن تقديم مبادرات أخرى حيث إن "الإطار التنسيقي بادر بتقديم عدة وزارات للمستقلين بشرط تشكيلهم كتلة واضحة ودعم خيار (حكومة التوافقية)، في حين يطرح التحالف الثلاثي بقيادة الكتلة الصدرية، الفكرة ذاتها، والهدف هو إما تعزيز الثلث المعطل للإطار التنسيقي أو تغليق الثلثين 220 نائباً للتحالف الثلاثي".
بدوره، بين عضو البرلمان المستقل باسم خشان، أن هناك توافقات بين النواب المستقلين لكن بالوقت نفسه الخلافات قائمة ومن الصعب الخروج بتوجه واحد قريب.
وأكد خشان، لـ"العربي الجديد": "نحن لا نريد أن نكون جزءاً من أي مشروع سياسي سواء للتيار الصدري أو الإطار التنسيقي، لأن لكل منهما توجهاته ورؤيته للسيطرة على الحكومة. اللجوء إلى وضع الكرة في ملعب المستقلين، جاء نتيجة إقرار بتأثيرهم".
ولفت من جهة ثانية، إلى أن "بعض النواب المستقلين متفقون مع كيانات وأحزاب سياسية بطريقة سرية، لكنهم لا يتحدثون عن ذلك في الإعلام، ما يعني أن المستقلين مخترقون أيضاً، وهذا الأمر معروف".
الخبير بالشأن السياسي العراقي أحمد الحمداني، اعتبر أن خروج المستقلين بموقف واحد، هو الأهم حالياً بغض النظر عن نوع الموقف، إذ إن الخلافات الحالية تهدد وجودهم كتيار عام داخل البرلمان.
وأضاف الحمداني، لـ"العربي الجديد"، أن "المعلومات تشير إلى وجود اتفاقات مبطنة وعمليات كسب لعدد من النواب المستقلين من قبل طرفي الأزمة (التيار الصدري والإطار التنسيقي)، وهذا أحد أسباب عدم وجود توجه واضح لكثير منهم وأن آخرين فضلوا عدم المشاركة في الاجتماع الأخير".
واعتبر أن "المدنيين من النواب أكثر تماسكاً من المستقلين الذين بدا عليهم أنهم الأقرب للكسب من أطراف الأزمة".
وتأتي أهمية النواب المستقلين، البالغ عددهم أكثر من 40 نائباً، من كونهم طرفاً قد يرجح كفة أحد طرفي الأزمة السياسية في العراق، لكن مع ذلك هناك انقسام حاد بينهم بخصوص حضور جلسة البرلمان الخاصة بتسمية رئيس الجمهورية وإكمال نصابها القانوني أو مقاطعتها.
ويرفض عدد من النواب المستقلين محاولات تحويلهم إلى أرقام تكمل عدداً داخل البرلمان، بهدف تغليب أحد طرفي الأزمة، ويطرحون رؤية مختلفة للأزمة الحالية بتسمية رئيس وزراء مستقل، وسط استمرار مساعي محوري الصراع تحالف "إنقاذ وطن" وتحالف "الإطار التنسيقي"، لكسب تأييدهم.
وأصبح حضورهم للبرلمان أمراً حاسماً بعد قرار المحكمة الاتحادية العليا، الذي نص على أنّ اختيار رئيس الجمهورية، لا يصح إلا عبر تصويت ثلثي عدد نواب البرلمان، البالغ 220 نائباً، وهو أمر لم يستطع تحقيقه أي من المحورين، من دون أصوات المستقلين.