بذكرى مرور 20 عاماً على الاجتياح الأميركي للعراق، نظم "مجلس أتلنتيك" للدراسات بواشنطن، خلال اليومين الماضيين، ندوة شارك فيها 23 من الخبراء والمسؤولين والأكاديميين والإعلاميين والعسكريين العراقيين والأميركيين، إضافة إلى مدير دائرة "المبادرة العراقية" في المجلس، عباس كاظم.
وتناولت مداخلات المشاركين وردودهم على الأسئلة، جوانب هامة من "المرحلة الانتقالية المضطربة" التي يمر فيها العراق منذ عقدين والتي تداخلت فيها عوامل متنافرة محلية وإقليمية ودولية أدت إلى مفاقمة أزمته وزيادة تعقيداتها.
الجلسات التي توزعت على يومي الثلاثاء والأربعاء، شملت مداولاتها الشؤون الاقتصادية والنفطية والعسكرية والتربوية والبيئية وغيرها، مثل وضع العراق في المنطقة، وعلاقات بغداد مع واشنطن.
وكان المفترض أن يتحدث في الندوة وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين، لكنه اعتذر في آخر لحظة لانشغاله بالتغيير الحكومي الجاري في بغداد.
يبدو أن إدارة بايدن تسكت عن دور لإيران في العراق من خلال "صفقة" لتعويم مفاوضات النووي، وربما أيضا لحسابات إقليمية أخرى
الصورة التي ارتسمت في الندوة غير واعدة، وقد تقاطعت تشخيصاتها عند ثلاث عقبات داخلية أساسية: الفساد وانعدام الثقة بين الأطراف العراقية واختلال العمل في ماكينة الدولة.
لكل واحدة من هذه العقبات خلفيات وتراكمات تضافرت مع بعضها لتؤدي إلى حالة الانسداد الراهن في العراق، والذي "لن تقوى" المستجدات الحكومية الأخيرة على إخراجه منها وإحداث النقلة النوعية المطلوبة.
"الوضع يتجه إلى المزيد من عدم الاستقرار"، كما قال مشارك عراقي، وذلك لأن "الصيغة القائمة غير قابلة للحياة وغير قادرة على الاستمرار". ويعود ذلك إلى أن "النظام القائم لا يقوى على إصلاح نفسه"، خصوصا أن رئيس الحكومة تحول إلى "رهينة". وفي ذلك غمز واضح من زاوية النفوذ الإيراني الذي كانت سيرته حاضرة في معظم المداولات وإن أحياناً بصورة ضمنية.
ومن هنا كان تشديد بعض المشاركين العراقيين على الحاجة إلى "تدخل خارجي ما" للمساعدة على الإقلاع. وبالتحديد تدخل أميركي عبر تفعيل اتفاق التعاون الاستراتيجي بين البلدين.
لكن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن لا تبدو أنها في هذا الوارد، فهي تواصل التعاون "الراسخ مع العراق في مجالات معينة ومحدودة خاصة" التربوية والثقافية" منها، كما أكد وزير الثقافة دكتور حسن ناظم الذي شارك في المؤتمر عبر الفيديو.
لكن خارج هذا القطاع والمجال الاستشاري الأمني، لا يخفى أن تراجع اهتمام الإدارة الأميركية بالملف العراقي مرتبط بتسليمها بالحضور الإيراني الوازن في المعادلة العراقية. فهي تتفهم أن "إيران شريك هام جداً للعراق"، حسب ما قالته مساعدة وزير الخارجية لشؤون العراق وإيران والدبلوماسية العامة، جينيفر غافيتو، في الكلمة التي افتتحت بها الندوة.
وقالت أيضاً إن "كل المطلوب أن تلتزم طهران بالسلوك الإيجابي لأن اللجوء إلى التهديدات والعمليات العسكرية عبر أذرعها المليشياوية يقوّض سيادة العراق ويتسبب في تآكل الثقة بحكومته".
إذن، فالأنسب وفق هذا التقبل الأميركي لدور إيران في العراق، أن "تنضم هذه المليشيات إلى صفوف القوات العراقية المسلحة أو تنسلخ عنها، إذ لا يصح أن تزعم أنها جزء من الأجهزة الأمنية وفي ذات الوقت لا تتقيد بتعليمات وتوجيهات قيادة هذه الأخيرة"، بحسب غافيتو.
مقابل ذلك، تطمئن المسؤولة الأميركية العراقيين بأن الولايات المتحدة" لن تنسحب من المنطقة وتترك فراغاً تسده الصين وروسيا وإيران"، من دون أن توضح غاية هذا البقاء في المنطقة الذي يبدو أنه لا يمانع في تعزيز شراكة إيرانية – عراقية، حسب المسؤولة غافيتو.
وهذا التوجه لم يعد سراً في واشنطن ولم يعد بمقدور الإدارة إنكاره بعد صمتها، أخيراً، على إطاحة نتائج انتخابات العام الماضي واستبدال رئيسي الجمهورية والحكومة بين ليلة وضحاها. بل أكثر من ذلك، إذ سارعت الإدارة إلى ما يشبه الترحيب الضمني بهذا التغيير وإبداء الاستعداد "للعمل مع أي حكومة" جديدة حسب ما قاله نائب الناطق في الخارجية فيدينت باتيل في رده على سؤال "العربي الجديد".
قيل إن واشنطن في عهد جورج بوش "قدمت العراق على صحن من فضة لإيران". والآن يبدو أن إدارة بايدن تسكت عن دور لإيران فيه من خلال "صفقة" لتعويم مفاوضات النووي وربما أيضا لحسابات إقليمية أخرى.