عادت مدينة سنجار الواقعة ضمن محافظة نينوى، شمالي العراق، إلى واجهة الأحداث مجدداً، بعد تحرّك مليشيات مرتبطة بحزب العمال الكردستاني، أمس الخميس، لمنع عودة عائلات عربية نازحة إلى منازلها في المدينة ومهاجمتهم مسجداً وعدداً من المنازل، ما استدعى انتشار الجيش العراقي في المنطقة.
وفور وصول 25 عائلة نازحة إلى مركز مدينة سنجار، اعترضت طريقها مجموعة أشخاص مرتبطين بـ"العمال الكردستاني"، ورفضت السماح للعائلات بالعودة إلى منازلها، بذريعة أنّ بعض أفرادها مطلوبون للقضاء ومتورطون بالانتماء لتنظيم "داعش" الإرهابي.
وبحسب مصادر في المدينة الواقعة على مقربة من الحدود مع الحسكة السورية، فإنّ الأشخاص الرافضين لعودة العرب إلى المدينة ينتمون لمليشيا "قوات حماية سنجار" المعروفة باسم (اليبشة)، مشيرة إلى أنّ تحرّكهم جاء بدفع من "العمال الكردستاني"، بهدف منع أي عودة مستقبلية للعرب.
وتطور الاحتجاج إلى تهديدات بالقتل في حال لم تغادر تلك العائلات سنجار، بينما عجز الجيش العراقي عن توفير الحماية لعدد من العائدين الذين تعرضوا للضرب إضافة لتحطيم سياراتهم. وعقب ذلك حاول بعض الرافضين لعودة العائلات النازحة اقتحام مسجد "الرحمن" وحرقه، لكن قوات الجيش حالت دون ذلك.
ميليشيات مسلحة أيزيدية رفقة مسلحين من حزب العمال يهاجمون جامع الرحمن في سنجار بسبب وجود عائلات نازحة عربية سنية داخل الجامع تستعد للعودة إلى منازلها
— عمر الجنابي (@omartvsd) April 27, 2023
هذا أسلوب البلطجة في عمليات التغيير الديمغرافي المعتمدة بالنظام السياسي الحالي ستستمر ويبقى أسلوب بث الرعب منهجاً للحكم بالعراق. pic.twitter.com/1Pg91Gpp6H
وعلى خلفية ما حدث، اضطرت العائلات إلى مغادرة المدينة فعلاً، وتجمّعت قرب مبنى حكومة محافظة نينوى بمدينة الموصل، احتجاجاً على منعهم من دخول منازلهم رغم حصولهم على الموافقات الأمنية.
وجود شكلي
وروى نازحون عرب غادروا سنجار تحت التهديد، تفاصيل ما حدث لـ"العربي الجديد"، وقال أحد النازحين إنّ "العائلات العائدة تعرضت للضرب والشتائم والاتهام بالإرهاب من قبل مجموعة من الأشخاص، وعقب ذلك جاءت مجموعة مسلحة وهددتهم بالقتل في حال لم يغادروا"، مشيراً إلى أنّ هويات العائدين دققتها السلطات الأمنية العراقية، والتهم الموجهة إليهم باطلة ولا صحة لها، وهدفها منع العرب من العودة.
فيما ذكر آخر، ويدعى عبد الله حامد، أنّ "الوضع في سنجار غير مستتب والمدينة تخضع بشكل كامل لسيطرة المليشيات المرتبطة بحزب العمال، والجيش العراقي وجوده في القضاء شكلي ولا يستطيع أن يحرك ساكناً"، مضيفاً أنّ "العائلات تمت محاصرتها في مسجد الرحمن وسط القضاء، وما فعله الجيش هو فقط تأمين مغادرتها إلى خارج سنجار، دون أن يكون له أي موقف تجاه المليشيات التي هددت بالقتل".
وندد عضو البرلمان عبد الرحيم الشمري بما حصل في المدينة، وقال في تغريدة على "تويتر"، أمس الخميس، إنّ "سنجار مدينة التعايش فيها العربي والكردي والأيزيدي، محاولة بعض الأشخاص منع الآخر من العودة إليها لا تندرج إلا ضمن مفهوم التعصب والطائفية".
وطلب الشمري من "كافة الأحزاب والجهات المسلحة رفع يدها عن سنجار، وإبقاء الوضع تحت سيطرة قواتنا الأمنية البطلة. كما نطلب من الإدارة المحلية في نينوى أخذ دورها الحقيقي في حماية السلم المجتمعي وإعادة جميع النازحين إلى مساكنهم في المدينة".
سنجار مدينة التعايش فيها العربي والكردي والايزيدي، محاولة بعض الاشخاص منع الاخر في العودة إليها لا يندرج الا ضمن مفهوم التعصب والطائفية.
— عبدالرحيم الشمري (@abdulraheem71a) April 27, 2023
نطلب من كافة الاحزاب والجهات المسلحة رفع يدها عن سنجار، وابقاء الوضع تحت سيطرة قواتنا الامنية البطلة.
كما نطلب من الادارة المحلية في نينوى بأخذ…
وتبرز أزمة مدينة سنجار منذ نحو 7 سنوات، عقب انتزاع القوات العراقية و"البشمركة" السيطرة عليها من مسلحي تنظيم "داعش"، لكن المئات من مسلحي حزب العمال الكردستاني المصنف بقائمة الإرهاب، تمكّنوا من التغلغل داخل المدينة وإنشاء أجنحة مسلحة محلية له.
ويعيق "العمال الكردستاني" الذي يتخذ من مناطق عراقية، شمالي البلاد، منطلقاً لتنفيذ اعتداءات مسلحة متكررة داخل الأراضي التركية، تطبيع الأوضاع وإعادة الحياة إلى طبيعتها بمدينة سنجار أسوة بالمدن الأخرى المجاورة لها.
وتعثرت السلطات العراقية في تنفيذ اتفاقية تطبيع أوضاع المدينة وإعادة أهلها إليها والموقعة مع حكومة إقليم كردستان العراق بإشراف بعثة الأمم المتحدة في مطلع أكتوبر/ تشرين الأول 2022.
ويقضي اتفاق سنجار بإخراج عناصر "العمال الكردستاني" وفصائل "الحشد الشعبي" من مدينة سنجار وإعادة النازحين، والبدء بخطوات إعادة إعمار المدينة.
ومنذ دخول القوات العراقية "الشكلي" إلى سنجار باتت عودة النازحين إلى القضاء من أبرز المشاكل التي لم تعالج لغاية اليوم، حتى باتت سنجار تعرف بين ساكنيها المبعدين عنها بأنها "جرف ثانية" في إشارة إلى ناحية جرف الصخر التي تمنع الفصائل المسلحة الموالية لإيران عودة ساكنيها منذ 8 سنوات.
"اتهامات غير مبررة"
الناشط السياسي أنس السالم أكد أنّ ما جرى من استهداف للنازحين، يؤكد وجود "مخطط لإبعاد العرب" الذين يمثلون أحد المكونات الأساسية في سنجار بشكل نهائي عن القضاء.
وقال الناشط الذي يتحدر من مدينة سنجار، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إنّ "الغريب في الموضوع هو الذريعة التي استخدمت في منع عودة النازحين العرب وهي تهمة الإرهاب، وذلك ينافي الواقع لأنّ النازحين تعرّضوا للتدقيق الأمني في أكثر من مناسبة وآخرها قبل عودتهم إلى المدينة".
وأضاف "الأكثر غرابة أنّ التهمة التي وجهت للشخص النازح الذي اعتقلته القوات الأمنية بعد عودته إلى سنجار وهي مشاركته في جريمة سبي إحدى السيدات الأيزيديات تهمة لا يمكن تصديقها، لأنّ الشخص المتهم واسمه أياد محفوظ هو منتسب في الأجهزة الأمنية سابقاً ولا يزال".
وخلص السالم إلى أنّ حقيقة الأوضاع في سنجار هي أنّ القضاء ما زال يخضع لسيطرة حزب العمال الكردستاني، و"هذا التنظيم يحاول إبقاء الوضع على ما هو عليه، وعدم السماح للعرب النازحين من العودة".
إلى ذلك، طالب النائب البرلماني السابق علي المتيوتي رئيس الوزراء محمد شياع السوداني بضرورة إرسال وفد حكومي عالي المستوى إلى سنجار، وأن يكون صاحب قرار لحل المشاكل في المدينة، وذلك على خلفية ما حدث من استهداف للعائلات العائدة.
وربط المتيوتي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، استقرار الأوضاع في سنجار بطرد جميع الجهات المسلحة الأجنبية، وأبرزها "العمال الكردستاني" وغيرها من الجماعات الموالية له، وقال إنّ "أزمة سنجار أصبحت مشكلة أزلية ولم تجد أي حلول رغم مرور 8 سنوات على الأحداث فيها".
واتهم تلك الجهات الأجنبية المسلحة بعدم السماح للنازحين بالعودة، ولا سيما من المكون العربي، مبيّناً أنّ عدد سكان مركز قضاء سنجار يصل إلى نحو 120 ألف شخص، لم يعد منهم سوى مئات العائلات، بسبب سيطرة المسلحين على القضاء، وأوضح بدوره أنّ الاتهامات للعائلات العائدة إلى سنجار "غير مبررة، ولا سيما أنها دققت أمنياً".
في المقابل، يدافع البعض عن الاحتجاجات التي حصلت في سنجار، بدعوى أنّ بعض الأشخاص متورطون بالإرهاب، كما ذكر عضو مجلس نينوى السابق عن المكون الأيزيدي داود جندي سليمان.
وقال سليمان، الذي يعرف بقربه من الفصائل الأيزيدية المسلحة، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إنّ دخول العائلات "جرى من دون تدقيق أمني كامل"، مضيفاً أنّ "الدفع بعودة تلك العائلات بهذه الطريقة مخطط له مسبقاً من قبل بعض الأطراف السياسية (لم يسمها) بهدف زعزعة أمن واستقرار سنجار وإثارة المشاكل فيها".
من جهته، حمّل النائب في البرلمان محما خليل، الذي كان يشغل منصب قائممقام قضاء سنجار، الحكومات العراقية المتعاقبة مسؤولية ما جرى ويجري، وذلك لضعفها وعجزها عن حلّ المشاكل في سنجار.
وقال خليل، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إنّ "تكرار المشاكل في سنجار سببه استمرار هيمنة حزب العمال الكردستاني على المدينة"، مبيّناً أنه أكد مراراً أنّ "حلّ موضوع سنجار يتوقف على تنفيذ اتفاق تطبيع الأوضاع الذي وقع قبل 3 سنوات بين حكومتي بغداد وأربيل، ولم ير النور لغاية اليوم".