تطرح التطورات المتسارعة في ساحة التحرير وسط العاصمة العراقية بغداد، تساؤلات عن تفاهم الحكومة مع أطراف سياسية لإنهاء الاحتجاجات، فبعد سلسلة أعمال من العنف المتبادل بين المحتجين وقوات الأمن خلال الأيام الأربعة الماضية، وتسجيل إصابات من الطرفين، واقتحام المئات من أنصار زعيم "التيار الصدري" مقتدى الصدر وبقية الأحزاب والمليشيات وجماعات مسلحة خط الاحتجاجات، بدأت الخطة الأمنية الجديدة لفتح "نفق السعدون" الذي يربط ساحة التحرير بساحة الخلاني ذهاباً وإياباً، في عملية تضرب صميم الاحتجاجات العراقية.
في هذه الأجواء، تبدو توجّهات رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي منسجمة مع تغريدات الصدر الذي أكد في أكثر من تغريدة أن "المندسين" يخربون سلمية التظاهرات في البلاد، كما أنه لمح إلى احتمال تدخله ومليشياته لفرض الأمن وإرجاع هيبة الدولة، على حد قوله. ناهيك عن تبني الصدر العبارات والمفردات نفسها التي أطلقتها المليشيات الموالية لإيران على المتظاهرين، ومنها "الجوكرية"، والتي تقصد اتهام المحتجين بالحصول على تمويل من الولايات المتحدة لإحداث تغييرات تستهدف العراق وإبعاد رجال الدين عن الحكم.
وأفادت مصادر سياسية مقربة من الصدر لـ"العربي الجديد"، بأن الأخير "يدعم خيارات الحكومة لإنهاء الاحتجاجات بطريقة تدريجية، بعد أن اقتحمتها جموع من متظاهرين يوالون أحزاباً وفصائل مسلحة". وأوضحت أن "الكاظمي أبلغ الصدر عبر وسطاء بأنه يلتزم بالحفاظ على السلمية وإعادة الحياة إلى طبيعتها في بغداد من خلال البدء بفتح الطرق والجسور".
مصادر سياسية: الصدر يدعم خيارات الحكومة لإنهاء الاحتجاجات بطريقة تدريجية
وقامت القوى العراقية، أمس الأربعاء، برفع الكتل الخرسانية من ساحة التحرير من جهتي ساحة الخلاني وشارع السعدون، وبذلك تكون الساحة قد فُتحت تماماً بعد عامٍ من إغلاقها ونشر عناصر أمنية لتفتيش المتظاهرين والوافدين إلى الساحة، وهو ما أزعج المتظاهرين معتبرين إياها "عملية انتقامية من المحتجين وإعلان حرب عليهم". وقال عدد منهم لـ"العربي الجديد" إن "أكثر من 50 في المائة مع المعتصمين تراجعوا عن خيار الاعتصام، ورفعوا خيمهم والعدد يزداد، مع استمرار مضايقة جمهور المليشيات المنتشر بالساحة لهم، ولكن الإجراء الأمني الذي اتخذته الحكومة بحق ساحة التحرير يدل على أنها باتت في الصف المناهض للانتفاضة"، مضيفين "لا نستعبد أنها تحالفت مع الجهات المتهمة بقتل المتظاهرين، وأن فتح الساحة أو الشوارع القريبة منها والمتداخلة فيها، يعني تعريض المتظاهرين للخطر واحتمالية اغتيالهم بسهولة".
وكان المتحدث باسم الحكومة العراقية أحمد ملا طلال قد أعلن قبل ذلك بيوم واحد، خلال مؤتمرٍ صحافي، أن "الحكومة نجحت في حماية المتظاهرين". كما أكد أنه "لن يكون هناك أي إجراء أمني لإخلاء ساحة التحرير في بغداد، فهي تعدّ مكاناً للتعبير عن الرأي، وليس لمهاجمة القوات الأمنية"، معتبراً أن "الرأي العام أصبح يميز بين أداء الحكومة وحرصها على المتظاهرين وأداء الحكومات السابقة، وأن المتظاهرين أمامهم فرصة كبيرة لتنظيم أنفسهم سياسياً للدخول بالانتخابات".
في المقابل، قال الناشط والمتظاهر من بغداد عمار النعيمي، لـ"العربي الجديد"، إن "حكومة الكاظمي منسجمة مع قوى الفساد والقتلة في السلطة، وإن كل محاولات الكاظمي المدعومة من التيار الصدري لإنهاء انتفاضة تشرين ستنتهي بالفشل، لأن المتظاهرين حتى الآن يؤمنون بأن الحراك السلمي مهما كانت أشكاله، وأبرزها الاحتجاجات، سيجبر السلطات على تحقيق المطالب ومحاسبة قتلة المتظاهرين". وأكد أن "المتظاهرين خرجوا للإصلاح ويرفضون العنف ويطالبون باستعادة الوطن ولا يمكن حرفهم عن السلمية، كما أن القوات الأمنية متهمة بكثيرٍ من حالات القمع الذي تعرضت له ساحة التحرير، ومع ذلك، فإن التظاهرات مستمرة ولا تراجع عن مطالب المحتجين".
ناشط سياسي: حكومة الكاظمي منسجمة مع كل الكيانات والكتل السياسية لإنهاء تظاهرات تشرين
من جهته، أشار الناشط السياسي وائل الحازم، إلى أن "حكومة الكاظمي ليست متناغمة مع توجهات الصدر في ملف التظاهرات فقط، بل هي منسجمة مع كل الكيانات والكتل السياسية لإنهاء تظاهرات تشرين، وتحديداً التظاهرات في ساحة التحرير في بغداد كونها تعتبر أم المحافظات، خصوصاً أن إنهاء تظاهرات بغداد يعني انتهاء التظاهرات في بقية المحافظات، فهكذا يفكر الكاظمي". وأضاف في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "الحكومة العراقية تريد حصر المتظاهرين داخل حديقة الأمة المجاورة لساحة التحرير، وتسعى إلى تحقيق هذا الهدف منذ أشهر".
ولفت الحازم إلى أن "القوات العراقية تعمل حالياً على إصلاح جسر الجمهورية، الرابط بين ساحة التحرير والمنطقة الخضراء، وفتحه قريباً، ولكنه بحاجة إلى وقت لكونه تعرض إلى تشققات خلال الأشهر الماضية، إضافة إلى بقية الجسور والطرق التي أغلقت على خلفية اشتداد الاحتجاجات"، مضيفاً أن فتح جسر الجمهورية يعني أن الحكومة باتت غير قلقة من عملية اقتحام المنطقة الخضراء التي يقودها قلة من المتظاهرين المدنيين وأنصار التيار الصدري. وعن خطط المتظاهرين المستقبلية، قال إنها "لا تزال غير مرئية، ولكن هناك شريحة مؤمنة بتشكيل كيانات سياسية بعيدة عن الساحات، بينما هناك شريحة أخرى لا تزال تؤمن بالتمرد".
وعلى الرغم من تأكيد مصادر سياسية أن الكاظمي تواصل مع الصدر أكثر من مرة خلال الشهرين الماضيين وانسجام فريق مستشاري الأول مع توجهات الصدريين في إنهاء الاحتجاجات، إلا أن النائب في البرلمان العراقي عن تحالف "سائرون" المدعوم من الصدر، رعد المكصوصي، قال لـ"العربي الجديد"، إنه "لا يملك ما يتحدث عنه بشأن التحالف بين الصدر والكاظمي، وهو أمر متروك لمكتب الصدر الذي يرى أن من الضروري أن تعود هيبة الدولة وأن يبقى احترام القوى الأمنية، ومنع أعمال الشغب والعنف". ورأى أن "الحكومة الحالية تمكنت من تحقيق أكثر من 40 في المائة من مطالب المحتجين، مثل تحديد موعد الانتخابات المبكرة وقانون الانتخابات، إضافة إلى محاسبة بعض المسؤولين المتهمين بالفساد".