يستعد البرلمان العراقي لتشكيل "محكمة مركزية" جديدة، للنظر بطلبات الاعتراض المقدمة بشأن حجز ومصادرة أموال وأملاك عائدة إلى أركان ومسؤولي نظام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، وذلك بعد مقترح تقدم به 14 برلمانياً، يطالب بالإبقاء على حق الاعتراض للمشمولين بقرار الحجز أمام اللجنة الوزارية المشكلة بهذا الخصوص.
وينص قانون أُقر عقب الغزو الأميركي للعراق، على "مصادرة الأموال المنقولة وغير المنقولة"، لكل من صدام حسين وزوجاته وأولاده وأحفاده وأقربائه وكل من يندرج تحت عنوان الدرجة الثانية بالقرابة منهم ووكلائهم، و"تسجيل عائدية هذه الأموال لوزارة المالية".
كما يتضمن القانون مرفقاً بأسماء الأشخاص المشمولين من كبار مسؤولي الدولة العراقية آنذاك، وعددهم 52 شخصية، تبدأ بالتسلسل رقم 1 وهو "عبد حمود التكريتي"، السكرتير الشخصي للرئيس صدام، وتنتهي بالتسلسل رقم 52 وهو "خميس سرحان المحمود".
وبحسب مصادر سياسية عراقية، فإن "المقترح الأخير للبرلمان بشأن القانون، يمنح الذين حُجزت أملاكهم وأموالهم بعد الغزو الأميركي للعراق، فرصة الاعتراض عبر آلية قانونية جديدة يمكن من خلالها استعادة أملاكهم"، مبينة أن الهدف من المقترح هو إلغاء لجنة شكلت بموجب ذلك القانون من وزارتي العدل والمالية، "ترى بعض الأحزاب أنها مجحفة، وتسببت بالاستيلاء على أملاك آلاف العراقيين بحجة انتمائهم لحزب البعث أو القرابة من رموز النظام السابق".
وأشارت المصادر إلى أن "السوداني متعاون سياسياً مع هذا الملف، وقد اجتمع منفرداً مع بعض النواب، من أجل استمرار الإصلاح الجزئي للقوانين الخاصة بهذا الملف".
وفي السياق، قال عضو بارز بحزب "تقدم" الذي يتزعمه رئيس البرلمان العراقي محمد الحلبوسي، إن "قانون 27 لسنة 2017، تسبب بظلم آلاف العراقيين، رغم أن أغلبيتهم ليسوا مقربين من صدام حسين، بل كانوا موظفين عاديين"، مضيفاً: "نسعى حالياً عبر التفاهم مع الكتل داخل مجلس النواب إلى إنهاء هذا الجدل، من خلال تصحيح وتعديل البنود الخاصة بحجز الأموال المنقولة وغير المنقولة الخاصة بأركان النظام السابق".
وأضاف المسؤول، طالباً عدم الكشف عن اسمه، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "هناك مخاوف سياسية وأخرى اجتماعية، من استمرار المضي بالقانون، لا سيما أن هناك أحزاباً وفصائل مسلحة قد تستغله للاستيلاء على أملاك تعود لأشخاص إما خارج العراق الآن، أو في إقليم كردستان ولا يستطيعون العودة إلى بغداد وبقية المناطق"، مبيناً أن "هذه المخاوف حقيقية، خاصة في ما يتعلق بالأملاك الموجودة بالمدن المحررة، وتحديداً الموصل".
وشمل قرار الحجر، الأموال المنقولة وغير المنقولة لـ4257 شخصية من المحافظين وأعضاء حزب البعث، ممن هم بدرجة "عضو فرع" في الحزب أو أعلى رتبة، ومن كان يشغل رتبة عميد فما فوق في الأجهزة الأمنية للأمن الخاص والمخابرات والأمن العسكري والأمن العام و"فدائيي صدام".
وفي حال إقرار القانون الجديد الذي يطالب به برلمانيون حالياً، سيستفيد مئات العراقيين ممن كانوا برتبة عقيد فما دون، من رفع الحجز عن ممتلكاتهم.
من جهته، بيَّن عضو مجلس النواب العراقي رائد المالكي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "إقرار قانون تشكيل محكمة خاصة لهذا الملف، مهم جداً بالنسبة لنا، فهو يرفع الظلم عن بعض المشمولين بقوانين الحجز من جهة، ويسترجع حق الدولة العراقية من جهة ثانية".
وقال: "نعرف أن هناك أملاكاً تابعة لنظام صدام حسين سُجلت بأسماء كثيرة ليست قريبة من النظام، لكنها في الحقيقة تابعة للدولة، وهؤلاء يتصرفون بالأملاك عبر وكلاء"، موضحاً أن "البرلمان العراقي أمامه الكثير من القوانين خلال المرحلة المقبلة، بينها النظر بطلبات الاعتراض بشأن حجز الأموال الخاصة بأركان نظام صدام حسين".
من جانبه، لفت الباحث العراقي عبدالله الركابي في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن "تعديل قانون حجز أملاك البعثيين، سعت لأجله حكومة حيدر العبادي (2014 ـ 2018)، لكن الأحزاب القريبة من إيران، ومن خلال ضغط على رئيس الحكومة عادل عبد المهدي، منعت الحديث عنه، واعتبرته وسيلة لعودة البعثيين المنفيين خارج العراق إلى منازلهم داخل البلاد"، مضيفاً: "لا بد من دور للقضاء العراقي في حل هذا الجدل، لا سيما أن مئات الموظفين في الدولة العراقية خسروا وظائفهم وأملاكهم وأصبحوا بلا حقوق، بسبب الروح الانتقامية لدى بعض الأحزاب التي حكمت العراق منذ عام 2003".
يُشار إلى أن أعضاء في أحزاب نافذة، وآخرين ينتمون للمليشيات والفصائل المسلحة، استولوا بالقوة على الكثير من أملاك العراقيين بحجة انتمائهم لحزب البعث الذي حكم العراق من 1968 إلى 2003، وبالرغم من الاعتراضات الكثيرة على الحجز، فإن السلطات لم تلتفت لها طيلة الأعوام الماضية.
وهذه الأملاك غالباً ما كانت عبارة عن محال تجارية ومنازل وأبنية وأراضٍ زراعية.
ورغم قرار الحجز، فإن معظم قادة الأحزاب العراقية الحالية يسكنون في هذه المنازل، من بينها القصور المنتشرة في معظم المحافظات، وخاصة العاصمة بغداد، ومنها أحياء الجادرية والكرادة وكرادة مريم والمنطقة الخضراء والقادسية واليرموك والحارثية، بالإضافة إلى منازل حوّلتها الفصائل المسلحة إلى مقرات لها، في حين أنه كان من المفترض أن تعود هذه الأملاك إلى الدولة وتُحوّل إلى مراكز وهيئات وأبنية حكومية.