لا تتوفر أي ضوابط قانونية أو حتى أكاديمية، تحدد شكل وآلية اختيار المستشارين في الرئاسات الثلاث في العراق، وهي الحكومة والبرلمان والجمهورية، رغم وجود قانون متخصص بتنظيم عمل المستشارين أقر عام 2017 في البرلمان، لكنه لم يدخل حيز التنفيذ ولم ينشر في الجريدة الرسمية لغاية الآن.
ويأتي عدم نشر القانون بعد، جرّاء ضغوطٍ حزبية وسياسية تسعى إلى أن تُبقي مناصب المستشارين ضمن ما يُعرف بـ"الدرجات الخاصة" التي تتقاسمها الأحزاب التي تشكل وتتشارك في الحكومات المتعاقبة.
ويوجد عشرات المستشارين الذين عُينوا في الرئاسات الثلاث في البلاد، وغالبيتهم ينتمون إلى الأحزاب التقليدية ويتم اختيارهم بطريقة "المحاصصة" الحزبية والطائفية، ونشرهم على هذه الرئاسات.
ويحصل ذلك رغم أن قانون المستشارين نصّ على ألا يتجاوز عددهم في الرئاسات الثلاث 6 مستشارين وفق مراسيم جمهورية وتصويت البرلمان. لكن الرئاسات الثلاث لم تلتزم بهذا العدد، وهو ما يعتبره برلمانيون وسياسيون مخالفة دستورية وقانونية.
رئاسة العراق تتجاوز حدّها لاختيار المستشارين
وأفادت أربعة مصادر سياسية بأن "الرئاسات الثلاث تتجاوز مع تشكيل كل حكومة الحد المسموح به لاختيار المستشارين، كما أن آلية اختيارهم تخضع لتوجهات وآراء ورغبات سياسية وحزبية، إضافة إلى أن منصب المستشار يذهب عادة إلى بعض الشخصيات السياسية كمجاملة لهم على خدمات سابقة قاموا بتقديمها لأحزابهم، وآخرين، مثل الوزراء السابقين".
وبيّنت المصادر أن "أكثر من 30 مستشاراً جرى تعيينهم في رئاسات البرلمان والحكومة والجمهورية خلال حكومة محمد شيّاع السوداني حالياً، مع الإبقاء على نحو 13 مستشاراً لم يتم استبدالهم".
يوجد قانون متخصص بتنظيم عمل المستشارين لكنه لم يدخل حيز التنفيذ بعد
وأشارت هذه المصادر في تصريحات متفرقة لـ"العربي الجديد"، إلى أن "رئاسة الحكومة تضم نحو 12 مستشاراً، ورئاسة البرلمان أكثر من 15 مستشاراً، ومثل هذا العدد في رئاسة الجمهورية".
وأكدت أن "بعض هؤلاء هم بلا رواتب ثابتة معروفة، أي أن وجودهم في المنصب حدث لمجاملات حزبية، ناهيك عن وجود عشرات المستشارين الآخرين الذين يحملون هويات المستشارين الصادرة من وزارات وهيئات مختلفة، لكنهم في الحقيقة لا وظيفة حقيقية لديهم في الوظائف التي نسبتهم الأحزاب فيها". وأكدت أن جميع هؤلاء المستشارين "يتمتعون بامتيازات متفاوتة، وأغلبها تتمثل بتخصيص عجلات (سيارات) وعناصر حماية لهم".
ويشترط قانون تنظيم عمل المستشارين غير النافذ، تعيين المستشارين بالشروط العامة للتوظيف، وهي "أن يكون حاصلاً على الشهادة الجامعية الأولية في مجال اختصاصه في الأقل، وأن تكون لديه خدمة فعلية وخبرة في مجال تخصصه مدة لا تقل عـن 15 سنة للحاصل على شهادة الدكتوراه و18 سنة للحاصل على شهادة الماجستير و20 سنة للحاصل على شهادة البكالوريوس".
كما يشترط القانون على أن تكون ضمن هذه المدد "خدمة وظيفية فعلية في مجال تخصصه لا تقل عن خمس سنوات، وتكون الأولوية في التعيين بصفة مستشار لمن شغل منصب وزير أو درجة وزير". لكن هذه المواصفات لا تنطبق على كثيرٍ من المستشارين السابقين والحاليين.
وفي السياق، قال النائب المستقل في البرلمان العراقي باسم خشان، إن "جميع الحكومات العراقية منذ عام 2003، لم تتعامل مع منصب المستشار بطريقة واضحة وحقيقية ووفقاً للاختصاصات والحاجة الفعلية لجهود المستشارين".
ولفت في هذا السياق إلى أن "المنصب ظلّ رهين الرغبات السياسية والمحاصصة الحزبية وامتثالاً لآراء وتوجهات زعماء الأحزاب في سبيل ترضية ومجاملة عدد من السياسيين ممن يخفقون في الحصول على منصب وزير أو يخسر في الانتخابات، فيتم منحه هذه الوظيفة ليتمتع بتواجد دائم في المحافل السياسية المهمة ومحاولة التأثير على القرارات السياسية".
وأضاف خشان، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "أكثر الحكومات التي عيّنت مستشارين باختصاصات متعددة، هي الحكومة السابقة برئاسة مصطفى الكاظمي، لكن حكومة السوداني الحالية وقعت في نفس الإخفاق، وارتضت الضغوط الحزبية لتعيين مستشارين أكثر من الحاجة الفعلية".
وأوضح أن "هناك تعيينات جديدة قد يتم الإعلان عنها قريباً، لمستشارين في الحكومة، ولأن مستشاري الحكومة عادة ما يظهرون في الإعلام فإن التركيز يكون عليهم، لكن في رئاسة مجلس النواب هناك مستشارون لا يعرفهم أحد، ونفس الحال مع رئاسة الجمهورية التي تتعامل مع هذا المنصب باعتباره الصفة التي تُمنح للسياسيين بسهولة".
السوداني على خطى أسلافه
وعيَّن السوداني خلال الأشهر الماضية، بصفة مستشار، كلاً من "عبد الكريم السوداني مستشاراً أمنياً، رشيد العزاوي مستشاراً للعلاقات العربية، حسن العقابي مستشاراً لمكافحة الفساد، وسناء الموسوي مستشارة لشؤون الحماية الاجتماعية، وزيدان خلف مستشاراً لحقوق الإنسان، وعارف الساعدي مستشاراً للشؤون الثقافية، فيما أبقى المستشارين السابقين وأبرزهم إياد بنيان مستشاراً للرياضة والشباب، وعرفان الحيالي مستشاراً عسكريا، وفرهاد علاء الدين مستشاراً للعلاقات الخارجية، ومظهر محمد صالح مستشاراً اقتصادياً، وحسين علاوي مستشاراً أمنياً".
المنصب يظلّ رهين الرغبات السياسية والمحاصصة الحزبية وامتثالاً لآراء وتوجهات زعماء الأحزاب
وفي 25 يناير/كانون الثاني الماضي، ذكرت تقارير صحافية محلية في بغداد، نقلاً عن مصادر حكومية، إنه تمّت تسمية كل من مدير المكتب الإعلامي لرئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، هشام الركابي، مستشاراً إعلامياً لرئيس الوزراء محمد شياع السوداني، كما تمّت تسمية القيادي في حزب الدعوة والنائب السابق سامي العسكري لمنصب المستشار السياسي لرئيس الوزراء.
من جهته، أشار رئيس اللجنة القانونية في البرلمان العراقي محمد عنوز، إلى أن "الأحزاب التقليدية تسيطر على جميع المناصب، وتتعكز عليها في الحصول على مزيدٍ من النفوذ الذي يمكنها عادة في التأثير على القرار السياسي، والحصول على المكاسب الاقتصادية، مع العلم أن غالبية المستشارين في الرئاسات الثلاث لا يستحقون هذه الصفة المهمة، وبعضهم لا يحملون أي ألقاب أو خبرات علمية".
وبرأيه، فإن "وجودهم في هذه المناصب جاء بدفع من الأحزاب التي تريد أن تنتشر بمعظم مفاصل العمل السياسي والدوائر الرسمية الهامة".
وأكمل عنوز حديثه مع "العربي الجديد"، قائلاً إن "قانون تنظيم عمل المستشارين تقف أمام تطبيقه وإنفاذه عقبات، أكثرها هي مواقف سياسية تمنع هذا القانون، لأن تطبيقه سيؤدي إلى سحب هذا المنصب من أيدي المتنفذين وقادة الأحزاب". وأشار إلى أن "التعامل مع منصب المستشار على أنه حصة حزبية أدى إلى خسائر كبيرة ونكبات تعرضت لها الحكومات العراقية، لأن المشورة تنطلق من شخص لا يملك المعلومات".
ويُدرج منصب المستشار ضمن المناصب الخاصة في العراق، مع اختلاف الصلاحيات وبعض الامتيازات بينهم. وحدث أن تمّ اتهام أكثر من مستشار بقضايا اختلاس ودخول على خطوط الاستثمارات والحصول على عقود وصفقات، كان آخرها فضيحة المستشار السابق هيثم الجبوري، في شهر ديسمبر/كانون الأول الماضي، والذي اعتقل على خلفية قضية "صفقة القرن" (سرقة القرن وتتعلق بسرقة مليارين ونصف المليار دولار من أمانات هيئة الضرائب)، وجرّاء وجوده في منصب مستشار الحكومة، تضخمت أمواله ووجهت إليه اتهامات بحصوله على الأموال بطرق غير شرعية، ناهيك عن اعترافات صدرت عن المتهم الأول بـ"سرقة القرن"، نور زهير، بشأن تورط الجبوري معه في أكثر من صفقة فساد.