تسبّب الانهيار الجديد الذي أصاب القوات العراقية، في احتلال "داعش" لمناطق شاسعة جديدة من شمال وغرب البلاد خلال وقت قياسي لا يتجاوز أسبوعاً واحداً، وإعادة حالة الإنذار القصوى لقوات الجيش والمليشيات حول أسوار بغداد.
هذا المشهد العراقي، خلال الثماني والأربعين ساعة الماضية، عزز المخاوف وسط خشية لدى العراقيين القاطنين في المدن القريبة من سيطرة "داعش" من مصير مشابه لسكان الرمادي الذين استيقظوا فجراً على وقع تكبيرات تنظيم "الدولة الإسلامية" وأصوات المعارك بين منازلهم وداخل أزقة أحيائهم.
ونجح التنظيم، منذ الحادي عشر من الشهر الحالي، بشنّ سلسلة هجمات عنيفة في وقت متزامن على مدنٍ في غرب وشمال البلاد، استخدم خلالها وفقاً لمسؤولين عراقيين 78 انتحارياً بسيارات مفخخة، أعقبها هجوم لمئات المقاتلين على المدن. وهو ما تسبب في فقدان القوات العراقية السيطرة على مدن الرمادي والبغدادي والجزيرة وإبراهيم الحسن والصوفية، فضلاً عن مناطق شرق الكرمة المحاذية لبغداد ضمن محور غرب الأنبار، فيما سيطر التنظيم على مدينة بيجي، ثالث كبرى مدن محافظة صلاح الدين، ومصفاة بيجي النفطية أكبر مصافي النفط في العراق، وقد فخخ "داعش" جميع منشآتها ولا يزال يسيطر عليها وعلى جزء من شمال مدينة تكريت بعد أقل من شهر من تحريرها من القوات العراقية فضلاً عن بلدات الهاشمية وسور شناس وذراع دجلة والسدة وقرى الخناجر وأم العبيد والأحياء الشمالية من قضاء داقوق في محافظة كركوك، بينما ظلت مناطق أقصى الشمال في محافظة نينوى صامدة أمام هجوم "داعش" الواسع، وتمكّنت القوات الكردية من صد أربع هجمات متتالية في أقل من أسبوع وفقاً لتقارير عسكرية وحكومية عراقية صدرت عن مسؤولين خلال اليومين الماضيين.
وقال ضابط عراقي رفيع في وزارة الدفاع لـ"العربي الجديد"، إن "تنظيم "داعش" شنّ أوسع هجوم له في العراق منذ سيطرته على الموصل في يونيو/حزيران العام الماضي بواسطة الآلاف من المقاتلين الذين استقدمهم من سورية، ويُرجّح وجود زعيم التنظيم أبو بكر البغدادي على رأسهم".
وأضاف المسؤول العراقي أن "التنظيم الإرهابي يخطط لمرحلة جديدة من العمليات العسكرية أو أنه انتظر استنزاف القوات العراقية والمليشيات لينقضّ على المدن المتبقية مرة أخرى"، معلناً أن "امكاناتنا ضعيفة إزاء هذا الهجوم الواسع".
وحذّر من أن "بغداد باتت في خطر مرة أخرى، ولا نستبعد مهاجمتها، وهذا هو سبب إعادة حالة الإنذار القصوى في صفوف قوات الجيش والشرطة حول محيط العاصمة الغربي والجنوبي والشمالي، وتم توجيه أوامر للجنود بقطع إجازاتهم والالتحاق بوحداتهم العسكرية على محيط بغداد".
من جهته، رأى النائب عن "جبهة حراك" العراقية محمد العبيدي، أن "سورية لم تعد أولوية لداعش، والبغدادي سحب أكثر من 10 آلاف مقاتل من سورية وأرسلهم إلى العراق بأقل من أسبوع، وعلى ما يبدو فنحن مقبلون على تأزم جديد وخطر كبير يجب على القادة السياسيين الاتفاق سريعاً على الاستعداد له وأن يطالبوا بدعم مفتوح بمختلف الأشكال من الغرب قبل أن تبلغ الأمور مرحلة لا يمكن معالجتها".
وأوضح العبيدي أن "جميع ما حقّقه التحالف والجيش العراقي والمليشيات والعشائر في الأشهر الستة الماضية، استعاده داعش في أسبوع واحد وزاد عليه بضع مدن أخرى"، مضيفاً "عدنا إلى خريطة ما قبل الثاني عشر من ديسمبر/كانون الأول من العام الماضي عندما تمكنت القوات العراقية من استعادة مدينة أبو غريب وسليمان بيك من سيطرة داعش حينها، لكن هذه الرقعة التي تمدد عليها داعش اليوم، ما يؤكد انهيار القوات العراقية مرة أخرى، وهذا أمر يجب الاعتراف به".
اقرأ أيضاً: عشائر ديالى وصلاح الدين تنتفض لدعم الأنبار
وتمكّن التنظيم السبت من السيطرة على جميع أجزاء مدينة الرمادي عاصمة محافظة الأنبار، التي ظلت عصية عليه لأكثر من عام. وأكمل السبت سيطرته على الأحياء الوسطى من المدينة وحاصر قوات الجيش والمجمّع الحكومي الواقع في وسط المدينة.
وقال محافظ الأنبار صهيب الراوي، لـ"العربي الجديد"، إن "الأنبار تعيش وضعاً كارثياً بكل معنى الكلمة، وتنظيم داعش أقدم على ارتكاب مجازر يندى لها الجبين"، مشيراً إلى أن "إدارة المحافظة أبلغت الأميركيين بضرورة التدخل قبل أن يأتي وقت يندم فيه الجميع، إذ إن ابتلاع داعش للأنبار سيعني تهديده لدول الجوار العربية"، في إشارة إلى الأردن والسعودية.
وحمّل نائب رئيس مجلس محافظة الأنبار فالح العيساوي، رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي "مسؤولية سقوط الأنبار بيد داعش بعد رفضه الاستماع لنداءات تسليح العشائر بسبب أجندات سياسية معروفة مسبقاً للعراقيين". وأوضح العيساوي أن "نحو 88 في المائة من الأنبار باتت خارج السيطرة، كما أن المناطق المتبقية مهددة بالسقوط".
ولا تزال قاعدتا الحبانية وعين الاسد فضلاً عن مدينتي حديثة والعامرية، خاضعة لسيطرة الحكومة العراقية، إلا أنها تتعرض لحصار مطبق من مقاتلي "داعش" من جميع الاتجاهات.
وسجّلت مفوضية حقوق الإنسان العراقية نزوح نحو 400 ألف مواطن من الأنبار باتجاه بغداد ومدن أخرى بفعل الهجوم الواسع لـ"الدولة الإسلامية" على مدنهم، وسط تحذيرات من كارثة إنسانية تطال النازحين مع تسجيل حالات وفاة بين أطفال ونساء بصفوفهم، وتعذُّر إيجاد مأوى لهم وتأخر إقامة معسكرات نزوح بسبب ما وصفته عضو أمانة المفوضية بشرى محمد بالعدد المفاجئ للنازحين وعدم الاستعداد لذلك.
مقابل ذلك كثّفت قوات التحالف الدولي غاراتها على مواقع "داعش" في المدن التي احتلها حديثاً، وخصوصاً الرمادي وبيجي، وألحقت خسائر كبيرة في صفوفه وفقاً لقائد قوات الجيش شمال العراق اللواء عبد الوهاب الساعدي.
وقال الساعدي لـ"العربي الجديد" إن "القصف الجوي بات أكثر فاعلية، ونحن حالياً نعدّ خطة جديدة لبدء هجوم على تنظيم داعش من عدة محاور يستهدف المدن التي يتواجد فيها".
وحول التطورات على الأرض العراقية، قال المحلل السياسي العراقي والمستشار الأمني السابق لمجلس الأمن القومي العراقي فؤاد علي، لـ"العربي الجديد"، إن "داعش يرى البديل عنه في سورية جماعات سنّية مناسبة وإن اختلف معها وقاتلها، لكنه يرى بديله في العراق المليشيات والقوات الحكومية، وهذا وحده عامل استفزاز للتنظيم جعله يندفع إلى العراق تاركاً الجبهة السورية كمعركة هامشية بالنسبة له".
وأضاف علي "إذا استمرت وتيرة عمليات التحالف الجوية بهذا الخجل أو الضعف، فلا يتوقع أحد حسماً قريباً للموضوع، بل تدهوراً أمنياً كبيراً سيطرق أبواب العاصمة في غضون أشهر قليلة"، معتبراً أنه "يجب أخذ الموضوع على قدرٍ عالٍ من الاهتمام من قِبل الولايات المتحدة الأميركية، فالجيش العراقي وحتى المليشيات في وضع دفاعي منذ أيام، على عكس ما يُقال في الإعلام، وداعش يهاجم بكل ثقله، وموجات الجهاديين تصل إلى البلاد من كل مكان، فيما السلاح الذي وفّرته واشنطن لجزء من المقاتلين العراقيين بات أغلبه بيد داعش بعد اقتحامه المدن الأخيرة والسيطرة عليها".
ولم يستبعد علي أن تكون التطورات العراقية "لعبة دولية جديدة لتصفية الجبهة السورية سريعاً باتفاق مع دول عربية نافذة وحصر داعش في العراق ومعالجته في ما بعد، بحيث تستمر الأطراف الموالية لـ(الرئيس السوري بشار) الأسد بالتشبث بشماعة داعش عند كل حديث عن الإطاحة بالأسد الذي يعتبره الغرب أفضل من تنظيم داعش ألف مرة".
مقابل ذلك شهدت مكاتب السفر والجوازات في العاصمة بغداد وعدد من المدن الأخرى، توافد المئات من المواطنين منذ ساعات الصباح الأولى للسفر إلى دول عربية وأجنبية أبرزها تركيا ولبنان، تحسباً لانهيار أمني سريع في مدنهم.
وقال المدير المفوض لشركة "بساط الخليج" العراقية محمد عمران، لـ"العربي الجديد"، إن "هاتين الدولتين فقط تستقبلان العراقيين من دون عوائق كالتأشيرة، وهناك اكتظاظ على مكاتب السفر أو دوائر إصدار الجوازات، والسبب معروف، وهو انهيار الأمن في عدد من المدن، وعجز القوات العراقية عن الاستمرار بالإمساك بالمدن التي سيطرت عليها سابقاً والتقدّم نحو مناطق قريبة من بغداد".
اقرأ أيضاً: ثلث العراق مهدّد بالسقوط بيد "داعش"