منتصف شهر يناير/كانون الثاني الماضي، قادت توصية من مسؤول إيراني رفيع المستوى إلى إنهاء حراك غير معلن في بغداد، كانت تقوده زعامات سياسية وعدد من قادة الفصائل المسلحة الحليفة لطهران، تستهدف إطاحة رئيس "هيئة الحشد الشعبي" فالح الفياض من منصبه، الذي يشغله منذ عام 2016، عقب إقرار البرلمان العراقي قانوناً لتأسيس "الحشد الشعبي"، كمظلة جامعة لأكثر من 70 فصيلاً مسلحاً، بقوة عددية تجاوز قوامها حتى نهاية يونيو/حزيران الماضي عتبة 235 ألف عنصر، وفقاً لما تكشف عنه بيانات الموازنة المالية للعام الحالي.
هذا الحراك لم يكن الأخير، إذ كشف مسؤولان عراقيان في بغداد، لـ"العربي الجديد"، أن زعامات سياسية وأخرى مسلحة تضغط مجدداً منذ مدة لشمول الفياض بقرارات تغيير في مناصب حكومية عدة، يعتزم رئيس الوزراء محمد شياع السوداني القيام بها، مع قرب مرور عام على تشكيل حكومته، ستشمل عدة وزارات ومؤسسات حكومية، بناءً على تقييم أعدته الحكومة. لكن هذا الحراك، وفقاً للمسؤولين العراقيين اللذين تطابقت شهادتاهما حول الموضوع، "لم يُحقق أي تقدم يمكن أن يكون حاسماً ضد الفياض حتى الآن".
مساع جديدة لإطاحة الفياض من قيادة "الحشد"
مساعي الإطاحة بالفياض من قيادة "الحشد الشعبي" مرة أخرى تأتي بعد تجريده، خلال السنوات الثلاث الماضية، من منصبين أمنيين مهمين، هما مستشار الأمن القومي ورئيس جهاز الأمن الوطني، اللذين كان يشغلهما لسنوات.
نائب سابق: الفياض يواجه انتقادات باستغلال منصبه لأغراض سياسية
وأتت المساعي الجديدة نتيجة ما وصفه مسؤول عراقي بارز في بغداد بأنه "تقاطعات داخل قيادة الحشد الشعبي"، إلى جانب ما قال إنه "مساعٍ من بعض الفصائل المسلحة للوصول إلى المنصب، ضمن ما يُمكن اعتباره محاصصة، تستند إلى توزيع المناصب القيادية على الفصائل الأبرز والأكبر ثقلاً في العراق، مثل كتائب حزب الله، وعصائب أهل الحق، وبدر، والنجباء، والإمام علي، وسرايا سيد الشهداء، وجند الإمام، وجماعات أخرى تُصنف أنها حليفة أو مدعومة من طهران".
الفياض مدرج على العقوبات الأميركية
الفياض الذي عُرف أيضاً بكونه المبعوث الرسمي العراقي إلى النظام السوري طوال السنوات الثماني الماضية، عبر نقل الرسائل وإبرام التفاهمات بين الطرفين، أُدرج على قائمة عقوبات وزارة الخزانة الأميركية عام 2021 بتهمة "إدارة عمليات قمع المتظاهرين"، و"تهديد الديمقراطية".
واعتبر بيان الخزانة الأميركية، وقتها، الفياض أنه كان "عضواً في خلية الأزمة"، التي تشكلت أواخر عام 2019، من قبل قيادات بفصائل مسلحة لقمع المحتجين والناشطين العراقيين، إبان تظاهرات عمت مدن جنوب ووسط العراق وبغداد في أكتوبر 2019، واستمرت أكثر من 14 شهراً وسقط فيها أكثر من 800 قتيل ونحو 27 ألف جريح وفقا لتقارير عراقية متطابقة، وهو ما ينفيه الفياض بطبيعة الحال.
عضو سابق في البرلمان العراقي، وهو سياسي بارز في العاصمة بغداد، قال لـ"العربي الجديد" إن حراك إقالة الفياض من قيادة الحشد، تأتي هذه المرة تحت عنوان تجاوزه السن القانونية، وانخراطه في العمل السياسي عبر كتلة "عطاء"، التي يرأسها بشكل مباشر وخاض فيها الانتخابات الماضية، ويستعد لخوض الانتخابات المقبلة في ديسمبر/كانون الأول المقبل أيضاً عبر تحالفه مع أطراف سياسية أخرى، في محافظات عدة، أبرزها نينوى وديالى وبغداد".
اتهام الفياض باستغلال منصبه لأغراض سياسية
وأضاف السياسي، طالباً عدم ذكر اسمه، أن "الفياض يواجه انتقادات باستغلال منصبه لأغراض سياسية، لكن هذه التهم لا يمكن أن يختص بها الفياض وحده، إذ إن جميع الوزراء والمسؤولين لديهم كتل وأحزاب ويُسخّرون إمكانيات الدولة لأغراض سياسية"، مستدركاً أن "الحراك ضد الفياض يأتي ضمن تنافس غير معلن على رئاسة الحشد الشعبي منذ مقتل زعيم "فيلق القدس" الجنرال قاسم سليماني والقيادي في الحشد أبو مهدي المهندس مطلع عام 2020".
وكشف عن أن "دعماً إيرانياً حصل عليه الفياض في يناير الماضي، خلال زيارة مسؤول مهم في "فيلق القدس" إلى بغداد، وأسهم ذلك في إجهاض محاولة إخراجه من قيادة الحشد الشعبي، على الرغم من أن بديله المفترض لن يكون بعيداً عن قائمة أسماء متوقعة لخلافته، جميعهم من المقربين لإيران، إذ تُطرح عدة أسماء مثل عبد العزيز المحمداوي (أبو فدك)، وسامي المسعودي، وحسين فالح اللامي (أبو زينب اللامي)، وعدنان الشحماني، وآخرين".
وكان رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي قد أعلن إقالة الفياض من منصب رئيس "الحشد الشعبي"، نهاية أغسطس/آب 2018، بسبب أنه "انخرط بالعمل السياسي والحزبي"، وهو ما يتعارض مع القانون الخاص بالأجهزة الأمنية والعسكرية في العراق. لكن القرار لم ينفذ واستمر الفياض بمزاولة عمله، إذ رفض الفياض التعاطي معه لحين انتهاء ولاية العبادي ووصول عادل عبد المهدي إلى السلطة، والذي أقر استمراره في منصبه.
وينتمي الفياض (67 عاماً) إلى عشيرة بني عامر العربية في منطقة الراشدية شمالي بغداد، وحاصل على شهادة البكالوريوس في الهندسة من جامعة الموصل عام 1977، وعاد إلى العراق عقب الغزو الأميركي عام 2003، إلى جانب شخصيات أخرى كانت تقيم في إيران وتعمل ضمن قوى مسلحة معارضة لحكم الرئيس الراحل صدام حسين، ضمن مليشيا "فيلق بدر"، التي يتزعمها حالياً هادي العامري.
وتولى الفياض عام 2004 منصباً تنفيذياً في مكتب رئاسة الجمهورية ضمن الذين جرى ترشيحهم عقب تسليم الحاكم المدني الأميركي آنذاك، بول بريمر، السلطة إلى حكومة مؤقتة برئاسة إياد علاوي.
وفي العام 2005، حصل الفياض على مقعد برلماني ضمن "التحالف الوطني"، لكنه ظل قريباً من عمل الجماعات والفصائل المسلحة، لا سيما في محافظة ديالى شرقي العراق، حيث تولى رئاسة ما يعرف بـ"مجالس الإسناد" التي شكلها نوري المالكي، رئيس الوزراء الأسبق، ليجرى فيما بعد اختياره وزيراً للأمن الوطني عام 2010 ومن ثم رئيساً لـ"هيئة الحشد الشعبي" التي شُكّلت فيما بعد.
نفى علي الزبيدي وجود خلافات داخل الحشد الشعبي أو بين الفياض وقيادات أخرى
وفي مطلع يوليو/تموز 2021، أقال رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي، الفياض من منصبين كان يشغلهما في آن واحد، إلى جانب رئاسته لـ"الحشد الشعبي" وهما مستشارية الأمن الوطني، ورئاسة جهاز الأمن الوطني، وحل بديلاً عنه في المنصبين وزير الداخلية الأسبق قاسم الاعرجي، ويشغل حالياً رئاسة جهاز الأمن الوطني عبد الكريم فاضل، المعروف بـ"أبو علي البصري".
الفياض موفد العراق إلى الأسد
وإلى جانب ذلك عُرف عن الفياض بأنه موفد العراق الدائم إلى رئيس النظام السوري بشار الأسد طوال السنوات الماضية، في ملفات أمنية وسياسية مختلفة، لا سيما بعد بدء التحالف الدولي بقيادة واشنطن عملياته في العراق وسورية.
وفي الأول من يناير 2020، اتهم وزير الخارجية الأميركي السابق مايك بومبيو، الفياض بأنه من بين الذين "دبروا الاعتداء على سفارة بلادنا في بغداد"، لكن الفياض نفى مشاركته إلى جانب قيادات أخرى بـ"الحشد" مثل قيس الخزعلي وهادي العامري في الاحتجاج أمام السفارة الأميركية الذي انتهى باقتحامها.
وكان الحادث بمثابة نقطة تحول في علاقة الفياض مع الأميركيين، إذ كانت له لقاءات رسمية ومعلنة مع السفيرين السابقين ماثيو تولر، ودوغلاس سيليمان، فضلاً عن مسؤولين أميركيين آخرين.
نفي وجود توجهات لتغيير داخل "الحشد"
لكن عضو تحالف "الإطار التنسيقي" الحاكم في البلاد، والنائب في البرلمان علي الزبيدي، قال لـ"العربي الجديد"، إنه "لا توجد أي توجهات حالية لرئيس الوزراء بإجراء تغييرات داخل هيئة الحشد الشعبي".
وأضاف الزبيدي أن "تغيير الفياض غير مطروح إطلاقاً داخل الأروقة الحكومية ولا حتى خلال مناقشات الإطار التنسيقي". كما نفى وجود "خلافات داخل الحشد الشعبي أو بين رئيسها فالح الفياض وقيادات أخرى".
في السياق، قال الخبير في الشأن الأمني سرمد البياتي، لـ"العربي الجديد"، إن "تغيير رئيس هيئة الحشد الشعبي فالح الفياض بسبب بلوغه السن القانوني أمر مستبعد جداً، لأن هذه المناصب أو الدرجات خاصة، وهو من ضمن الاتفاقات السياسية، وإذا طُبق موضوع السن القانوني فهناك الكثير يجب تغييرهم، لكن الاتفاقات والصفقات السياسية هي من تحكم بهذا الأمر".
وبين البياتي أن "قيادة الحشد الشعبي لديها تكتم إعلامي عال جداً، خصوصاً أن فيها خلافات كبيرة لكنها لا تظهر للعلن". وأضاف أن "الخلافات داخل هيئة الحشد الشعبي هي ما بين رئيس الهيئة فالح الفياض ورئيس أركان الحشد أبو فدك، وهذا الامر ليس بجديد، وكل جهة تريد القفز على صلاحيات الآخر، وهذا الأمر تم لمسه بشكل مباشر حتى خلال بعض المؤتمرات، التي شاركا فيها سوية".
وختم الخبير في الشأن الأمني بالقول إن "الخلافات موجودة وبشكل حقيقي داخل هيئة الحشد الشعبي، لكن تغيير رئيس الهيئة بسبب هذه الخلافات والاتفاقات السياسية، ممكن أن تتضح خلال الفترة المقبلة".
شارك بالتقرير من بغداد: عادل النواب