تستعد الكويت لإجراء انتخابات جديدة لاختيار أعضاء مجلس الأمة (البرلمان)، والمقررة في يوم 6 يونيو/حزيران المقبل، وهي الثالثة من نوعها خلال عامين ونصف العام فقط، منذ تقلّد الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح منصب أمير البلاد، أواخر سبتمبر/أيلول 2020.
الكويت... حلّ البرلمان في 2020 و2022
وأجريت الانتخابات الأولى في عهد أمير الكويت الشيخ نواف الأحمد، في 5 ديسمبر/كانون الأول 2020، والذي حُلّ من قِبله مرتين: الأولى في يونيو/حزيران 2022، بعد انسداد أفق الحلول السياسية بين المعارضة في مجلس الأمة والحكومة، واعتصام مجموعة من النواب داخل البرلمان للمطالبة بـ"رحيل الرئيسين"، في إشارة إلى رئيس المجلس مرزوق الغانم، ورئيس الحكومة الشيخ صباح الخالد الحمد الصباح. واستجاب الأمير حينها إلى مطالب النواب وأعلن عن حلّ البرلمان وتكليف رئيس جديد للحكومة (الشيخ أحمد نواف الصباح) والدعوة إلى انتخابات عامة (أعلن ذلك عبر خطاب نيابة عنه ولي العهد الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح).
حلّ أمير الكويت برلمان 2020 في يونيو 2022 بعد اعتصام النواب
أما المرة الثانية، فكانت بعدما أبطلت المحكمة الدستورية في مارس/آذار الماضي انتخابات مجلس الأمة 2022، التي أجريت في 29 سبتمبر الماضي، بسبب بطلان مرسوم الحلّ والدعوة إلى الانتخابات، وأعادت مجلس 2020 من جديد. وقوبل ذلك برفض قاطع من المعارضة التي أطاحت البرلمان السابق، ما دفعها إلى اتخاذ خطوات تصعيدية عدة، أدّت إلى إعلان أمير الكويت في إبريل/نيسان الماضي حلّ البرلمان من جديد. وأُعلن ذلك عبر خطاب ألقاه نيابةً عن الأمير، وليّ العهد، الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح، واصفاً إياه بـ"الانتصار للإرادة الشعبية".
معايير الناخبين: المواطنة والتغيير والخبرة
"العربي الجديد" استطلع آراء عدد من الناخبين في الدوائر الانتخابية الخمس، حول انتخابات مجلس الأمة 2023 المُقبلة، وحول رغبتهم بالمشاركة فيها من عدمها ومدى جدواها، وما تعنيه لهم العودة إلى صناديق الاقتراع مُجدداً، وإلى معاييرهم في اختيار المرشح الذي يُدلون بأصواتهم لانتخابه.
ويتكون مجلس الأمة الكويتي من 50 عضواً يُنتخبون عبر الاقتراع السري المُباشر. وتنقسم الدوائر الانتخابية في الكويت إلى خمس، تنتخب كل دائرة منها 10 أعضاء. ويحق للناخب الإدلاء بصوت واحد فقط لمرشح واحد، ويبلغ عدد من يمكنهم الانتخاب نحو 800 ألف ناخب وناخبة، وفق آخر إحصائية رسمية للقيود الانتخابية الشهر الماضي.
وحول ذلك، أكّد الناخب في الدائرة الأولى، علي الشطي، عزمه المشاركة في الانتخابات المُقبلة "من أجل الحفاظ على التغيير الذي أحدثناه في الدائرة الأولى بالانتخابات الأخيرة، والتأكيد على اختياراتنا التي أبطلتها المحكمة الدستورية دون أدنى اعتبار للإرادة الشعبية التي عبّرت عنها النتائج النهائية". كما أكد على حق الشعب "الأصيل الذي لا يمكن أن نتنازل عنه كوننا مصدر السلطات، عبر العملية الانتخابية وبالتصويت لاختيار من يمثّل الشعب في البرلمان".
وتابع الشطي: "صوتي في هذه الانتخابات من نصيب المرشح ذاته الذي انتخبته في مجلس 2022، لأنني جرّبته ولم يخذلني، كما أن خطّه السياسي واضح ولم يجامل على حساب الوطن في اللحظات المفصلية، وتحديداً مرحلة رحيل الرئيسين". وبيّن أنه "ربما لو لم يُبطل المجلس السابق لاخترت مرشحاً وطنياً آخر حتى أساهم في منح فرصة للأسماء الجديدة الصادقة، ولكني أُعيد نفس الاختيار للتأكيد على إرادتي التي أبطلها حكم المحكمة الدستورية".
واعتبر الشطي أن هذه الانتخابات "مهمة ومفصلية وتُحدد خريطة طريق المستقبل، وهي استفتاء شعبي للمواطنين للاختيار بين مسارين: فإما التأكيد على مسار الإصلاح أو إعادة لتموضع قوى الفساد من جديد في البرلمان بعد طردهم منه". وشدد على أن الاستحقاق "يمثّل تحدياً لقدرتنا كمواطنين وفق تأطير خياراتنا بالصوت الواحد على اختيار الأنسب والأصلح من المرشحين".
أما الناخب في الدائرة الثانية، عمر العنزي، فأوضح أنه يُشارك في الانتخابات "من أجل مصلحة الوطن وأداء واجبي كمواطن تجاهه باختيار المرشح الإصلاحي، وتجنب تكرار تجربة عدم المشاركة، وتحديداً في انتخابات عامي 2012 و2013، اللتين ساهمتا في إيصال نواب أقرّوا تشريعات ضد المواطن وضد الحريات العامة، والتي ما زلنا ندفع ثمنها منذ عشر سنوات إلى اليوم".
ولفت العنزي إلى أنه لم يختر مرشحاً حتى اللحظة، وقال حول ذلك: "ما زلت أتابع الطرح الانتخابي وندوات المرشحين ومقابلاتهم الإعلامية حتى أقتنع اقتناعاً تاماً بمن سأمنحه صوتي". وأوضح أن من معاييره في الاختيار بين المرشحين "طرح الحلول العملية لمشاكل البلاد، وعلى رأسها قضية البدون والنظام الانتخابي وقضايا الصحة والتعليم والإسكان".
أبطلت المحكمة الدستورية في مارس الماضي انتخابات مجلس الأمة 2022
وعبّر العنزي عن تمنياته بأن يتجّه المواطنون إلى صناديق الاقتراع "بمخافة الله ثم الوطن أثناء اختيار المرشح وبناءً على قناعة تامة، وعدم الانجرار في التصويت إلى القبلية أو الطائفية أو العائلية، ووضع الكويت التي تشمل الجميع أمام أعينهم فمواطنتنا هي ملاذنا الأخير"، بحسب تعبيره.
التزام بالتصويت
من جهته، شدّد الناخب في الدائرة الثالثة، عبد الوهاب السرحان، على أن "المشاركة في الانتخابات مستحقة ومطلوبة في هذا التوقيت بالذات، لأن عدم المشاركة يعني تخلّي المواطن عن حقوقه وواجباته، وبالتالي يعني تنازله عن حقه بالمواطنة". وأضاف السرحان، أن "هذه الانتخابات هي الأصعب خلال هذا العقد، لأنها تشهد تغييرات في المشهد السياسي بتحوّل المعارضة إلى صف الحكومة بحكم شعبيتها، وانتقال الموالين للحكومات السابقة إلى المعارضة، لذا يجب على المواطنين في هذه الأوضاع اتخاذ موضع قدم باختيارهم من يريدون لمستقبل البلاد".
وأكّد السرحان أنه حسم اختياره بالتصويت لمرشح عن دائرته. وعن المعايير التي اختار بناءً عليها، قال: "اعتمدت على أن يكون نائباً سابقاً لأنه بذلك خضع إلى تجربة فعلية يُمكن الحكم عليها وقياسها وتقييمها، وأنه حمل مشروعاً وطنياً منذ بداية دخوله إلى البرلمان وهو مستمر فيه ولم يتخلَ عنه، وأزعم بقدرته على أن يخلق توافقاً نيابياً في الفترة المقبلة بين الإصلاحيين في المجلس".
وفي السياق ذاته، اعتبر الناخب في الدائرة الرابعة، خالد الفضلي، المشاركة في انتخابات مجلس الأمة 2023 "ضرورة". وبالنسبة إليه، فهي "تعني تعزيز تمكين إرادة الشعب من حكم الدولة، ومساهمة في ترسيخ الثقافة الديمقراطية وحكم الشعب، وذلك بالمشاركة في العملية السياسية من خلال صناديق الاقتراع".
يرى مواطنون أن قرار المحكمة الدستورية غير منصف ويريد آخرون عدم تكرار تجربة المقاطعة
وبيّن الفضلي أنه اختار مرشحاً للتصويت له بناءً على "طرحه العقلاني وفهمه لمعنى الدولة والديمقراطية". وأضاف أن ثقته هي بأن يساهم مرشحه "في تقدم الشعب على سلم الديمقراطيات، كما أن من أولوياته خلق مناخ ديمقراطي حقيقي، وإشهار الجماعات السياسية عن طريق الأحزاب، وإلغاء القوانين المقيّدة للحريات، وتنويع مصادر الدخل، وهذا ما يعنيني بالدرجة الأولى".
بدوره، أشار الناخب في الدائرة الخامسة، عبد العزيز الهاجري، إلى مشاركته في هذه الانتخابات "لأنها تأتي في مرحلة مفصلية وحاسمة في تاريخ الكويت، فإما أن تنتصر إرادة الأمة أو تُرفع رايات الفساد، ولا ثالث لهما"، بحسب قوله.
ولم يختر الهاجري مرشحه بعد، مؤكداً أنه ما زال يفكر "لكثرة النماذج الوطنية المحترمة في الدائرة". وبيّن أن معاييره باختيار واحد من المرشحين في النهاية ستكون وفق "إرث المرشح السياسي"، موضحاً أنه "يجب أن تكون مواقفه واضحة وصريحة ومُعلنة تجاه القضايا الوطنية". ومن هذه القضايا، وفق قوله، "الإصلاح السياسي الشامل بإقرار العفو عن كافة المُدانين في قضايا الرأي، وبتعديل قانون منع المسيء من الترشح للانتخابات وغيرها من الأساسيات على طريق الإصلاح".
ولفت الهاجري إلى أنه "على الرغم من حالة الإحباط السائدة، لكن يقع على عاتقنا نحن الناخبين الشباب بثّ الأمل والتفاؤل لدى المجتمع من خلال المنتديات الاجتماعية العامة، وحثّ الناس على التوجّه إلى صندوق الاقتراع لحسن الاختيار والمساهمة الفاعلة في الانتخابات".