فرضت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن مجدداً عقوبات على ضباط ذوي رتب عالية في المنظومة العسكرية والأمنية للنظام السوري، اثنان منهم مسؤولان أو مشاركان في هجمات بأسلحة محرمة دولياً أدت إلى مقتل وإصابة المئات من المدنيين.
لكن هذه العقوبات المتلاحقة لم تردع هذه المنظومة عن ارتكاب جرائم بحق السوريين ولم تفضِ إلى تغيير في سلوك النظام.
وقالت وزارة الخزانة الأميركية، أول من أمس الثلاثاء، إنها فرضت عقوبات على "اثنين من كبار ضباط القوات الجوية السورية المسؤولين عن الهجمات بالأسلحة الكيميائية على المدنيين، وثلاثة ضباط كبار في أجهزة الأمن والاستخبارات القمعية في سورية"، مضيفةً في بيان، أن "هؤلاء المسؤولين الكبار والمنظمات المرتبطة بهم قاموا بسجن مئات الآلاف من السوريين الذين طالبوا سلمياً بالتغيير".
وأوضحت الوزارة أنها فرضت عقوبات على كل من "اللواء محمد يوسف الحاصوري في القوات المسلحة السورية، والذي يتولى قيادة اللواء 70 في قاعدة التيفور العسكرية"، مضيفة أنه سبق له أن شغل منصب نائب قائد "اللواء 50" في سلاح الجو السوري في قاعدة الشعيرات الجوية.
وشملت العقوبات العميد كمال علي الحسن، وهو قائد "فرع 227"، وقاد سابقاً "فرع 235"، وهو الفرع المسؤول عن العمليات المشتركة مع "حزب الله" اللبناني، بالإضافة إلى اللواء توفيق محمد خضور العامل في قوات النظام الجوية، ويتولى حالياً قيادة "الفرقة 22" الجوية، واللواء أديب نمر سلامة، مساعد مدير مخابرات النظام الجوية، وقحطان خليل (خليل)، الذي قال بيان الخزانة الأميركية إنه "مسؤول كبير في الديوان ورئيس اللجنة الأمنية في جنوب سورية".
دفعة ثانية من العقوبات خلال عهد بايدن
وتعد هذه العقوبات الثانية من نوعها التي تفرضها الخزانة الأميركية خلال إدارة بايدن، إذ سبق لها أن فرضت في يوليو/ تموز الماضي عقوبات على ثمانية سجون تديرها الأجهزة الأمنية التابعة للنظام السوري، وعلى مسؤولين أمنيين في هذه الأجهزة، إضافة إلى فصيل "أحرار الشرقية" المحسوب على فصائل المعارضة السورية في شمال سورية، وعلى أحد الميسّرين الماليين لـ"هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً)، في شمال غربي سورية.
تأتي حزمتا العقوبات خلال إدارة بايدن خارج سياق "قانون قيصر"
وتأتي حزمتا العقوبات خارج سياق "قانون قيصر"، الذي أقرّته إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب ودخل حيّز التنفيذ في منتصف العام الماضي، بهدف التضييق على النظام السوري من خلال معاقبة مسؤولين فيه وكيانات داعمة له.
ووفق منظمة "مع العدالة" التي تعرّف نفسها بأنها "منظمة غير ربحية تسعى إلى إحقاق مبدأ المساءلة ومنع الإفلات من العقاب لمجرمي الحرب"، فإن محمد يوسف الحاصوري قائد طائرة سوخوي "ساهم في ممارسة عمليات القصف الممنهج على المناطق الآهلة بالسكان". وكان الحاصوري قائد "السرب 685" التابع لـ"اللواء 50" في الفرقة 22-قوى جوية، وشارك في شنّ طلعات جوية وقصف المدنيين في محافظات حمص وحماة وإدلب.
وأشار تقرير المنظمة إلى أن الحاصوري نفذ غارات بأسلحة كيميائية أدت إلى مقتل مدنيين في عدة مناطق سورية، أبرزها الهجوم على بلدة خان شيخون في ريف إدلب الجنوبي في عام 2017. وعقب هذا الهجوم "قامت الولايات المتحدة باستهداف مطار الشعيرات بـ59 صاروخ توماهوك من دون تحقيق نتيجة ملموسة في إخراج المطار من الخدمة".
وشملت العقوبات اللواء أديب سلامة، الذي ظل رئيس فرع المخابرات الجوية، "الجهاز الأكثر وحشية في التعامل مع السوريين" في مدينة حلب لأكثر من عشر سنوات قبل ان يُنقل إلى الإدارة العامة في عام 2016. ووفق "مع العدالة"، أشرف سلامة على عمليات القتل والاعتقال العشوائي والتعذيب الممنهج التي كانت ترتكب بصورة يومية في فرع المخابرات الجوية بحلب. وكان اسم سلامة قد أُدرج في قوائم العقوبات الأوروبية، والعقوبات البريطانية، إضافة للعقوبات الكندية.
كما يعد اللواء توفيق محمد خضور، قائد "الفرقة الجوية 22" والمشمول بالعقوبات الأميركية، من أكثر ضباط النظام وحشية في التعامل مع المدنيين في المناطق التي كانت خارج سيطرة النظام. وقالت وزارة الخزانة الأميركية إن "خضور أمر الفرقة 30 في قاعدة الضمير الجوية، في 25 فبراير/ شباط 2018، بشنّ غارات على الغوطة الشرقية، حيث أسقطت براميل تحوي متفجرات كيميائية، ما تسبّب بمقتل مدنيين".
أما قحطان خليل، وهو لواء في جهاز المخابرات الجوية، ويترأس اللجنة الأمنية في جنوب سورية، فهو من المتهمين بشكل مباشر بارتكاب مجزرة داريا، الواقعة جنوب غرب دمشق، والتي خلفت مئات القتلى عام 2012.
ويعد العميد كمال علي الحسن من كبار المسؤولين في جهاز المخابرات العسكرية، ويرأس الفرع 227 الذي قتل آلاف السوريين تحت التعذيب، كما أظهرت الصور الذي سربها مصور كان يعمل في هذا الفرع وعُرف لاحقاً باسم "قيصر".
عقوبات لا تمنع جرائم النظام السوري
وعلى الرغم من سيل العقوبات التي فُرضت خلال نحو عشر سنوات على ضباط في المنظومة العسكرية والاستخباراتية في النظام، وطاولت حتى رئيس النظام بشار الأسد، إلا أن هذه المنظومة لم تتأثر ولم تتراجع عن القمع الذي تمارسه بحق السوريين.
وفي السياق، لم تمنع حزم العقوبات الأوروبية على أركان النظام، وآخرها كان منذ بضعة أيام بفرض عقوبات على وزراء الأسد، جرائم الحرب التي ارتكبها هذا النظام منذ ربيع عام 2011، ما يجعل كل هذه العقوبات سواء الأوروبية او الأميركية بلا أثر حقيقي أو قيمة، إذ لم يتبدل سلوك النظام الذي لا يزال يرفض تقديم تنازلات سياسية تفضي إلى التوصل لحلول دائمة للقضية السورية.
المقاربة الأميركية في التعاطي مع الملف السوري من زاوية العقوبات غير مجدية
وفي هذا الصدد، رأى مدير تجمع المحامين السوريين في تركيا غزوان قرنفل، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "المقاربة الأميركية في التعاطي مع الملف السوري من زاوية العقوبات غير مجدية ولا أثر لها"، مضيفاً: حتى عقوبات "قيصر" التي ضيّقت على النظام لم تكن كافية لتغيير سلوكه.
ولفت قرنفل إلى أن واشنطن تدرك أن تغيير ممارسات النظام يعني بالضرورة تفكيك منظومة الاستبداد الأمنية والعسكرية، ما يعني انهيار هذا النظام، مضيفاً "فرض عقوبات على شخصيات ضالعة في الجرائم لا قيمة له ولن يغيّر شيئاً في المشهد السوري، خصوصاً أن ممتلكات هؤلاء هي داخل سورية، ومن ثم لا جدوى من هذه العقوبات، فهذه الشخصيات لا تغادر سورية مطلقاً".
وأعرب عن اعتقاده بأن الولايات المتحدة "حريصة على بقاء النظام أكثر من حرص روسيا"، متابعاً أن "هذه العقوبات لن تبدل من المعطيات السورية الحالية شيئاً، ومن يدفع الثمن هم فقط المدنيون المسحوقون في الداخل السوري".