- اتفاقية 2019 تعزز التعاون في مكافحة 18 نوعًا من الجرائم وتنسيق أمني لمونديال 2030، مما يعكس الأهمية الاستراتيجية للشراكة في حماية الحدود ومنع الأنشطة الإجرامية.
- النجاحات الملموسة تشمل إحباط 75,184 محاولة هجرة غير نظامية في 2024 وتفكيك 14 خلية إرهابية في 2023، مع تقدير متبادل يعزز العلاقات الثنائية ويسهل التعاون الاقتصادي والتجاري.
يأخذ التعاون الأمني بين المغرب وإسبانيا منحى تصاعدياً مع توالي وتبادل زيارات مسؤولي البلدين، كان آخرها ما شهدته مدريد، خلال الأسبوع الحالي، من مباحثات رفيعة بين عبد اللطيف حموشي، المدير العام للأمن الوطني ولمراقبة التراب الوطني في المغرب (المخابرات الداخلية)، وكبار مسؤولي الأمن والاستخبارات في الجارة الشمالية. ويأتي التحسن في العلاقات المغربية الإسبانية بعدما تمكن البلدان من تجاوز تبعات أزمة دبلوماسية غير مسبوقة اندلعت حين استقبلت مدريد، في إبريل/ نيسان 2021، زعيم جبهة البوليساريو إبراهيم غالي، فيما يظل البعد الأمني واحداً من الركائز المهمة التي يُبنى عليها التعاون.
وتأتي زيارة المسؤول الأول عن الأمن في المغرب إلى إسبانيا، حيث أجرى مباحثات مع عدد من نظرائه الإسبان، خصوصاً المدير العام للشرطة الوطنية فرانسيسكو باردو بيكيراس والمفوض العام للاستعلامات أوخينيو بيرييرو بلانكو، في وقت توالت فيه، خلال الأشهر الماضية، زيارات متبادلة لمسؤولين أمنيين من البلدين، كانت أبرزها الزيارة التي قادت، في 13 فبراير/ شباط الماضي، بيرييرو بلانكو إلى الرباط. وهي الزيارة التي تركزت على بحث تعزيز التعاون الأمني المشترك والشراكة الاستراتيجية بين المغرب وإسبانيا، فضلاً عن سبل تطوير التعاون في مجالات مكافحة الإرهاب ومكافحة الجريمة المنظمة وتبادل المعلومات الأمنية.
تعمق العلاقات المغربية الإسبانية
وضمن تحسن تحسن العلاقات المغربية الإسبانية كانت الرباط، في 19 يناير/ كانون الثاني الماضي، أول محطة لوزير الداخلية الإسباني فرناندو غراندي-مارلاسكا، بعد تجديد تعيينه في حكومة بيدرو سانشيز، إذ التقى نظيره المغربي عبد الوافي لفتيت، وبحثا خلال اللقاء الـ13 بينهما نتائج التعاون بين الرباط ومدريد في عدد من القضايا التي تهم البلدين. وكانت مدريد أول شريك دولي للمغرب في مجال التعاون الأمني خلال سنة 2023، على المستويين التشغيلي والتقني، حسب ما أفاد به تقرير الحصيلة السنوية للمديرية العامة للأمن الوطني في المغرب. وكان لافتاً تعمق العلاقات المغربية الإسبانية أكثر على المستوى الأمني خصوصاً، نتيجة لتولي حموشي منصب مدير الأمن الوطني وفي نفس الوقت مدير الاستخبارات الداخلية، لأول مرة في تاريخ المغرب، وهو ما أعطى هذا الزخم الكبير للتنسيق الأمني الاستخباري.
وترتبط الرباط ومدريد باتفاقية تعاون في مجال مكافحة الجريمة، جرى توقيعها في 13 فبراير 2019، تروم تطوير التعاون بين الجانبين في مجال مكافحة 18 نوعاً من الأفعال الإجرامية، وعلى رأسها الإرهاب، والجرائم التي تمس حياة الناس وسلامتهم الجسدية، والاعتقال والاختطاف غير القانونيين. كما تشمل الاتفاقية الأمنية الجرائم الواقعة على الممتلكات، والاتجار غير المشروع بالمخدرات والمؤثرات العقلية والسلائف (المواد الأولية اللازمة لتحضير بعض أنواع المخدرات أو المتفجرات)، والاتجار بالبشر والهجرة غير النظامية، والاستغلال الجنسي للأطفال، ونشر مواد إباحية بمشاركة قاصرين وإنتاجها أو توزيعها أو حيازتها.
ويبقى من بين أهم الملفات الحساسة التي تستأثر باهتمام المغرب وإسبانيا في مجال التعاون الأمني، الإرهاب والهجرة غير النظامية، نظراً إلى أهمية حماية الحدود ومنع انتشار مختلف الأنشطة المتطرفة والإجرامية. وفضلاً عن ذلك، توسع التعاون بين البلدين إلى ملفات أخرى، منها التنسيق في عملية العبور السنوية لثلاثة ملايين مغربي مغترب في أوروبا، وملف التنسيق الأمني من أجل إنجاح مونديال 2030، إذ ستقام هذه البطولة لكرة القدم في كل من المغرب وإسبانيا والبرتغال، وما يتطلبه ذلك من لجان مشتركة وتنسيق بين عدة أجهزة في البلدين، على المستوى القانوني والعملياتي، بل وحتى على مستوى تكنولوجيا الاتصالات الحديثة والرصد وتبادل المعطيات آنياً.
تنسيق أمني
وانعكس تصاعد التنسيق بين البلدين بتراجع تدفقات المهاجرين غير النظاميين على مدينتي سبتة ومليلية، المحتلتين من قبل إسبانيا، على سبيل المثال، بنسبة 41 بالمائة في سنة 2023 مقارنة بسنة 2022، بحسب وزارة الداخلية الإسبانية. فيما تمكنت السلطات المغربية من إحباط ما مجموعه 75,184 محاولة للهجرة غير نظامية خلال عام 2024، أي بارتفاع بنسبة 6 في المائة مقارنة بعام 2022، وفق وزارة الداخلية المغربية.
ويبقى ملف مكافحة الإرهاب من أبرز المؤشرات على نجاعة التعاون الأمني بين الرباط ومدريد، إذ أفضى التنسيق والعمليات المشتركة بين المكتب المركزي للأبحاث القضائية في المغرب (مكلف بمحاربة الإرهاب) والمفوضية العامة للاستعلامات الإسبانية إلى تفكيك 14 خلية إرهابية واعتقال 80 شخصاً خلال سنة 2023 وحدها، وفقاً لوزير الداخلية الإسباني.
وبدا جلياً الاعتراف الإسباني بالدور الذي لعبه حموشي في تكريس التعاون الأمني بين الرباط ومدريد، من خلال منحه وسام "الصليب الشرفي للاستحقاق الأمني بتميز أحمر" في عام 2014، ووسام الاستحقاق "الصليب الأكبر" للحرس المدني الإسباني في 21 سبتمبر/ أيلول 2019، خلال اجتماع المجلس الوزاري برئاسة العاهل الإسباني فيليب السادس.
وبحسب الباحث في الشؤون الأمنية والعسكرية المغربي محمد شقير، فإن المباحثات التي جرت بين حموشي ونظرائه الإسبان "تعكس تأكيد مدريد تجذر العلاقات الأمنية الثنائية بين المملكتين، خصوصاً أن حموشي كان المسؤول الأمني الأفريقي الوحيد الذي استُضيف من القارة السمراء خلال فعاليات الاحتفالات الرسمية بالذكرى السنوية الـ200 لتأسيس جهاز الشرطة الوطنية بالمملكة الإسبانية" الأسبوع الحالي. وأوضح لـ"العربي الجديد" أن ذلك "يكشف المكانة الخاصة التي يحظى بها حموشي لدى المسؤولين الإسبان، والتي تمثلت في استقباله من طرف الملك الإسباني، بعدما سبق أن جرى توشيحه بوسام ملكي وكذا من طرف مسؤولين أمنيين سامين كمدير الشرطة الإسبانية ومدير الاستخبارات" اللذين التقاهما، وغيرهم.
محمد شقير: تجاوز التوتر السياسي بين الرباط ومدريد سهّل تسريع العلاقات الاقتصادية والتجارية
واعتبر شقير أن "مختلف النقاط التي جرى التباحث بشأنها، كمحاربة الإرهاب والجريمة المنظمة والتهريب والهجرة غير النظامية، كان الهدف منها تقوية علاقات التعاون الأمني بين البلدين بحكم موقعهما الجغرافي والجيوستراتيجي، باعتبار المغرب البوابة الخلفية لإسبانيا وأوروبا في مجموعها، وكون إسبانيا البوابة الشمالية للمغرب ومجموع دول القارة السمراء". وأوضح أن اشتراك البلدين، بالإضافة إلى البرتغال، في تنظيم كأس العالم في سنة 2030 "يفرض الرفع من مستوى التعاون الأمني بين البلدين في الحفاظ على ضمان أمن حركة التنقل التي ستتضاعف في السنين المقبلة".
ورأى أن "تجاوز التوتر السياسي بين الرباط ومدريد، الذي كان متمحوراً حول الموقف الإسباني من الصحراء، سهّل تسريع العلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين"، لافتاً بالمقابل إلى أن "التصور المشترك حول قضايا إقليمية ودولية، بالإضافة إلى التنظيم المشترك للمونديال، وكذا اشتراكهما في مواجهة التهديدات الإرهابية والاجرامية، كل هذا دفع إلى الرفع من مستوى التعاون".
وأوضح أن التعاون الأمني بين الرباط ومدريد "لم يتوقف رغم فترات التوتر السياسي التي مرت بها العلاقات المغربية الإسبانية في عام 2021"، مضيفاً أنه "اتخذ طابعاً استراتيجيا". وشدّد على أن "الشراكة الأمنية بين البلدين ما هي إلا وجه من أوجه التقارب الذي يشمل مجالات عدة سياسية ودبلوماسية واقتصادية ورياضية".
نبيل الأندلوسي: التعاون الأمني يعد من ركائز الشراكة الاستراتيجية الجديدة بين البلدين
من جهته، اعتبر رئيس المركز المغاربي للأبحاث والدراسات الاستراتيجية نبيل الأندلوسي أن التعاون الأمني بين الرباط ومدريد "يعد من ركائز الشراكة الاستراتيجية الجديدة بين البلدين، خصوصاً على مستوى مكافحة الجريمة المنظمة، والاتجار الدولي بالمخدرات، والهجرة غير النظامية، والإرهاب، والاتجار بالبشر". وقال في حديث مع "العربي الجديد" إن البلدين "يستفيدان من هذا التعاون الثنائي، ويسعيان لتعميقه وحمايته اعتباراً للمصالح المتبادلة التي تحصل عليها الرباط ومدريد على حد سواء، خصوصاً على مستوى المعلومات الاستخبارية والمقاربة الاستباقية للحفاظ على أمن البلدين من المخاطر والتهديدات المحتملة".
وأوضح أن "كثافة الاجتماعات الأمنية رفيعة المستوى بين البلدين أخيراً، ومنها الاجتماع الرسمي الذي جمع قبل أشهر حموشي مع المدير العام للأمن الوطني ولمراقبة التراب الوطني مع بيرييرو بلانكو، الذي زار المغرب على رأس وفد أمني مهم، تعني أن التنسيق الأمني بلغ مستويات رفيعة في إطار الشراكة بمقوماتها الجدية القائمة على الوضوح والندية والمصالح المشتركة". وخلص إلى أن التنسيق الأمني في العلاقات المغربية الإسبانية "لا ينفصل عن الشراكة الاستراتيجية بين البلدين سياسياً واقتصادياً، ويمكن اعتباره إحدى الركائز الأساسية لهذه الشراكة".