العلاقات بين الصين والهند أمام اختبار كسر الجمود

06 يونيو 2024
ناريندرا مودي برفقة الرئيس الصيني بقمة بريكس في غاو، 16 أكتوبر 2016 (فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- في الانتخابات التشريعية الهندية، حقق حزب "بهاراتيا جاناتا" بقيادة مودي فوزًا بـ 240 مقعدًا، مما يتطلب تشكيل تحالفات لإدارة البلاد، ويفتح الباب لولاية ثالثة لمودي.
- الصين، التي تابعت الانتخابات بإهتمام، ترى فرصة لإعادة صياغة العلاقات مع الهند، مؤكدة على أهمية العلاقات الصحية والمستقرة بين البلدين، خاصة بعد التوترات منذ مايو 2020.
- العلاقات الهندية-الصينية تواجه تحديات بسبب النزاع الحدودي المستمر والتوترات الأمنية، مع استمرار الجمود رغم المحادثات، وتاريخ طويل من الخلافات يعود للأربعينيات، مما يشير إلى استمرار التحديات في المستقبل.

تابعت الصين باهتمام بالغ الانتخابات التشريعية الهندية التي أسفرت أول أمس الثلاثاء عن فوز الحزب القومي الهندوسي "بهاراتيا جاناتا" برئاسة رئيس الوزراء الحالي ناريندرا مودي، بـ 240 مقعداً، بينما كان في حاجة إلى 272 مقعداً لتحقيق أغلبية مطلقة. وحسب وسائل إعلام هندية من المتوقع أن يؤدي ناريندرا مودي، اليمين الدستورية رئيساً للوزراء لولاية ثالثة السبت المقبل.

وفي ظل عدم حصول الحزب القومي على أغلبية ساحقة، وهو ما سيدفعه نحو تشكيل تحالفات مع أحزاب أخرى لإدارة شؤون البلاد الداخلية والخارجية؛ طُرحت تساؤلات عن هامش المناورة بالنسبة للحكومة خلال الولاية الثالثة، ومدى تأثير انخفاض الأغلبية البرلمانية مقارنة بالولايتين السابقتين، على دوائر صنع القرار خاصة فيما يتعلق بإدارة العلاقات مع الصين والولايات المتحدة. وتعقيباً على ذلك نقلت صحيفة "غلوبال تايمز" الصينية الحكومية، عن خبراء محليين تأكيدهم على أنه من الضروري بالنسبة للهند أن تتمسك بمنظور استراتيجي تجاه العلاقات الثنائية.

وفي تعليقها على نتائج الانتخابات الهندية، وإذا كان ذلك سيخلق فرصاً لكلا البلدين لإعادة صياغة العلاقات المجمدة منذ مايو/ أيار 2020، قالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية ماو نينغ، في إفادة صحافية أمس الأربعاء: "موقف الصين من علاقاتها مع الهند ثابت وواضح للغاية. إننا نؤمن دائماً بأن العلاقات الصحية والمستقرة بين الصين والهند تصب في مصلحة البلدين". وتابعت "تعرب الصين عن تهانيها بفوز حزب بهاراتيا جاناتا بقيادة رئيس الوزراء ناريندرا مودي والتحالف الوطني الديمقراطي. ونأمل أيضاً أن تعمل الدولتان على تحقيق المصالح الأساسية للشعبين، والعمل في الاتجاه نفسه، والعمل من أجل إقامة علاقات صحية ومستقرة بين الصين والهند".

تقارير دولية
التحديثات الحية

هذا ومن المتوقع أن تواجه الحكومة الجديدة تحديات كبيرة خلال الولاية الثالثة لمودي، لعل أبرزها النزاع الحدودي مع الصين الذي يعتبر الملف الأكثر تعقيداً. وخلال السنوات الماضية شهدت العلاقة بين الولايات المتحدة والهند تقارباً ملحوظاً بسبب المخاوف الأمنية المشتركة بشأن صعود الصين، بالإضافة إلى النزاع الحدودي، وقد أسفر ذلك عن تعزيز التعاون في مجال الدفاع المشترك في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.

لكن بالنسبة للصين، كان الأمر معقداً إذ ظل النزاع الحدودي الذي لم يجر حله بين نيودلهي وبكين خلال الولايتين الماضيتين يتصدر عناوين الصحف. ويحتفظ الجانبان بعدد كبير من القوات والأسلحة المتقدمة على طول الشريط الحدودي في منطقة الهيمالايا بين البلدين. وما زال الجمود مستمراً على الرغم من عقد أكثر من عشرين جولة من المحادثات، وخرجت الأمور عن نطاق السيطرة في مايو/ أيار 2020 بعد صدام مسلح وقع على الحدود أدى إلى مقتل أكثر من عشرين هندياً وأربعة جنود صينيين.

وكان مودي قد تحدث خلال حملته الانتخابية عن معالجة قضايا الحدود قريباً لتحقيق تطبيع العلاقات مع الصين، وشدد على أهمية الاستقرار الإقليمي بالنسبة لبلاده. وقال: "أعتقد أننا بحاجة إلى معالجة الوضع الذي طال أمده على حدودنا بشكل عاجل". ومع ذلك يعتقد مراقبون بأنه من غير المرجح أن تقوم الهند والصين بحل قضاياهما الحدودية خلال ولاية مودي الثالثة، لأن بكين لا ترغب في تقديم تنازلات، بغض النظر عن كيفية ممارسة السلطة في نيودلهي.

جذور الخلاف بين الصين والهند

تاريخياً، بدأ الصراع بين الصين والهند في أواخر أربعينيات القرن الماضي، عندما تنازع الطرفان حول ترسيم حدودهما الممتدة على مساحة أربعة آلاف كيلومتر، وادعاء كل منهما بأنها تملك الحق القانوني والسيادي في السيطرة على بعض المناطق والولايات الحدودية، أهمها منطقة أروناتشال براديش التي كانت ضمن الأراضي الهندية خلال حقبة الاستعمار البريطاني، ولكن بعد استقلال الهند ومن ثم تأسيس جمهورية الصين الشعبية في عام 1949، طالبت كل منهما بالسيادة على المنطقة، وتفاقم الصراع في أواخر خمسينيات القرن الماضي، حيث وصل إلى حد المواجهة العسكرية.

لكن الصدام الأعنف حدث في عام 1962 بعد لجوء القائد الروحي لمنطقة التبت، الدلاي لاما، إلى الهند، هرباً من السلطات الصينية، حيث شن الجيش الصيني هجوماً عسكرياً على المنطقة، ضمن ما يعرف باسم الحرب الصينية - الهندية، وتعرض الجيش الهندي آنذاك لهزيمة ساحقة، ولكن سرعان ما عاد وسيطر على أروناشال براديش بعد انسحاب الجيش الصيني إثر ضغوط دولية. وفي عام 1987 اندلعت مواجهات أخرى، في أعقاب إطلاق الحكومة الهندية لقب "ولاية" على منطقة أروناتشال براديش، الأمر الذي اعتبرته بكين خرقاً لتفاهمات سابقة بشأن المنطقة. وبعد أشهر قليلة توصل الجانبان عبر القنوات الدبلوماسية إلى تفاهمات حالت دون تدهور العلاقات بينهما. ولكن خلال الأعوام الماضية تجدد الصراع على الحدود، وأسفرت المواجهات المسلحة في عام 2020 عن سقوط ضحايا من الجانبين ما أنذر بنشوب حرب مفتوحة بينهما.

يشار إلى أن ولاية أروناتشال براديش، هي منطقة حدودية، تقع عند مفترق طرق بين الصين ومملكة بوتان الواقعة شمال شرق الهند. ويطلق الجانب الهندي على المنطقة اسم هضبة دوكلام، بينما تطلق عليها بكين اسم جنوب التبت، وتؤكد أنها جزء من الأراضي الصينية، في حين أن نيودلهي تقول إن السلطات الصينية تحتل أجزاء كبيرة من الولاية.

من جهتها، تدعم الصين حقها في السيادة على المناطق المتنازع عليها بحزمة من الوثائق والمستندات تعود إلى اتفاقية حدودية أبرمت بين الصين وبريطانيا في عام 1890 عُرفت باسم اتفاقية (سيكيم – التبت)، كما تستند في دعم روايتها إلى وثائق صدرت عن السفارة الهندية لدى بكين في عام 1960 تؤكد التزام نيودلهي ببنود الاتفاق.

تضييق الخناق

يعتقد المختص في الشأن الآسيوي في معهد فودان للدراسات والأبحاث، جينغ وي، في حديث لـ"العربي الجديد"، بأن الحكومة الهندية المقبلة ستكون أمام تحديات كبيرة فيما يتعلق بمقاربة العلاقات مع الصين. وأوضح أنه إلى جانب النزاع الحدودي هناك ملفات وقضايا شائكة، مثل: التضييق على الشركات الصينية العاملة في البلاد، والذي يؤثر بطبيعة الحال في التبادلات بين الجانبين. وأشار جينغ وي إلى أنه في أعقاب النزاع الحدودي بين الصين والهند في يونيو 2020، كانت هناك زيادة ملحوظة في موقف الحكومة الهندية العدائي تجاه الشركات الصينية. وقد شمل ذلك إجراءات مثل حظر أكثر من 200 تطبيق صيني، وإطلاق تحقيقات في قضايا الضرائب ومكافحة غسل الأموال المتعلقة بالشركات الصينية، وتعزيز التدقيق في الاستثمارات الصينية بالبلاد، ما أثر بشدة في بيئة الأعمال ونشاط المستثمرين الذين غادروا الهند بحثاً عن بدائل أخرى. لذلك ستكون هناك معضلة في إعادة بناء الثقة وجذب المستثمرين الصينيين من جديد، على اعتبار أن الاقتصاد ضمان لتوطيد العلاقات بين الجانبين، إذ إن كل طرف لا يرغب أن يؤثر الصراع القائم بمصالحه التجارية والاقتصادية. وبالتالي فإن غياب البعد الاقتصادي قد يضع البلدين أمام مواجهة مفتوحة في المستقبل.

مستقبل العلاقات

وحول صدى فوز الحزب القومي الهندوسي، برئاسة مودي، في الانتخابات التشريعية ومدى تأثير ذلك في مسار العلاقات بين بكين ونيودلهي، قال الباحث الصيني في العلاقات الدولية وانغ تشي بينغ، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنه خلال السنوات الماضية لم تكن هناك أي مؤشرات على تحسن العلاقات بين الجانبين، خصوصاً أن مودى اختار الانصهار في البوتقة الأميركية، حسب قوله، بذريعة مواجهة التحديات الصينية، وبالتالي فإن الصين لا تعول كثيراً على إعادة انتخاب مودي لولاية ثالثة.

ولفت وانغ تشي بينغ إلى أن العلاقات شهدت تدهوراً كبيراً خلال الولايتين السابقتين، وصلت إلى حد الصدام العسكري على الحدود. وأشار إلى أن مودي منذ انتخابه رئيساً لوزراء الهند عام 2014، لم يزر الصين إلا في مناسبتين الأولى عام 2015، والثانية عام 2018، واقتصرت لقاءاته بالرئيس الصيني شي جين بينغ، على هامش قمم مجموعة "بريكس"، لكنه في الوقت نفسه دأب على استفزاز بكين، من خلال تكرار زياراته للمناطق الحدودية المتنازع عليها. أيضاً عزز علاقاته بالولايات المتحدة، بغية الحصول على امتيازات سياسية واقتصادية مقابل الاصطفاف في تحالفات إقليمية تهدف إلى كبح جماح الصين.

من جهته استبعد الأستاذ في جامعة صن يات سن، ليو تشوان، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن يطرأ أي تغيير على سياسة الهند الخارجية في ظل تآكل الأغلبية البرلمانية التي تمتع بها حزب مودي خلال السنوات العشرة الماضية. وقال ليو تشوان إن أي حديث عن تغير محتمل في السياسة الخارجية، خاصة ما يتصل بالعلاقة مع الصين، مخالف للواقعية السياسية. وأضاف أن نيودلهي تتمتع بنظام سياسي مستقر، وأن ذلك لا يتأثر إطلاقاً بشكل الحكومة ونسبة التمثيل البرلماني. وبالتالي فإن التقارب مع واشنطن على حساب بكين سيبقى قائماً، كما أنه من غير المرجح، حسب قوله، أن تقدم بكين تنازلات فيما يتعلق بالنزاع الحدودي. وهذا يعني أن وتيرة التوتر التي تصاعدت خلال العقد الماضي ستستمر ما لم تكن هناك وقفة ومراجعة سياسية لتقييم وتقدير الموقف بما يخدم مصالح الطرفين.