صدمت مسودة القانون الانتخابي الجديد الذي وزعته الرئاسة الجزائرية، أمس الثلاثاء، عدداً كبيراً من الأحزاب السياسية التي وصفت القانون بـ"الإقصائي"، لإبقائه على بنود تحول دون السماح للأحزاب الجديدة، وتلك التي حصلت على أقل من أربعة في المائة في آخر انتخابات نيابية، بالمشاركة مباشرة في الانتخابات المقبلة، ويضع أمامها اشتراطات جمع التواقيع من الناخبين لقبول قوائمها.
وأعلنت أحزاب سياسية عدة حالة استنفار بين قياداتها، وبدأت عملية تنسيق مشترك لإسقاط مواد من القانون الانتخابي الجديد قبل صدور نسخته النهائية. وقال رئيس حزب "التجديد والتنمية" أسير طيبي، لـ"العربي الجديد"، إن "إبقاء القانون للعتبة الانتخابية شكّل صدمة كبيرة لنا. كنا نتوقع أن تأخذ السلطة ولجنة صياغة القانون بعين الاعتبار المتغيرات السياسية في العهد الجديد، وكذلك الطريقة التي كان يتم بها التلاعب بالانتخابات في السابق، ما يعني أن النسب التي حصل عليها كل حزب في آخر انتخابات محلية ونيابية عام 2017 ليست حقيقية ولا تعبر عن الحجم الحقيقي لكل حزب، وبالتالي لا يمكن أن تكون قاعدة أساسية تقيم على أساسها الأحزاب وتبنى عليها العتبة".
وأكد طيبي أن الأحزاب المعنية بالإقصاء تجري اتصالات، وتعتزم عقد اجتماع في أقرب وقت لتوحيد الموقف، مضيفاً: "نقوم باتصالات ضرورية في الوقت الحالي، ونعتزم عقد اجتماع نتوصل فيه لموقف مشترك يطالب لجنة الصياغة بإلغاء العتبة، ونوجه رسالة إلى الرئيس عبد المجيد تبون لتحميله مسؤولية تعهداته السياسية بفتح الساحة السياسية للجميع والقطع مع ممارسات العهد السابق"، مضيفاً أن كل الأحزاب الفتية والتي تعرضت للتلاعب بحقوقها السياسية في العهد السابق متوافقة على هذا الأمر.
ويقصد بالعتبة لقبول قوائم المرشحين في انتخابات البرلمان والمجالس البلدية والمجالس الولائية، اشتراط أن تتم تزكيتها من حزب سياسي يكون قد فاز بمجموع أصوات تفوق الأربعة في المائة من الأصوات في آخر انتخابات سابقة، أو أن يكون حائزاً على عشر منتخبين في المجالس المحلية أو البرلمان، بينما يتعين على الأحزاب التي لم تحصل على أي من ذلك والأحزاب الجديدة وقوائم المستقلين، جمع التواقيع من الناخبين بمعدل 50 توقيعاً مصدقاً عليه عن كل مقعد من المقاعد المطروحة للمنافسة في الدائرة الانتخابية (مثلاً بلدية بعشر مقاعد يشترط جمع 500 توقيع)، و250 توقيعاً عن كل مقعد في الدائرة الانتخابية في الانتخابات النيابية، و200 توقيع عن كل مقعد في كل منطقة بالنسبة للجالية في الخارج.
وبرأي طيبي، فإنه إذا كان من الضروري تطبيق العتبة الانتخابية، فعلى الأقل يجب أن يبدأ تطبيقها في الانتخابات التي تلي الانتخابات المحلية والنيابية المقبلة، لتكون الأخيرة بحكم ظروف إجرائها وإشراف هيئة مستقلة عليها، قاعدة لحساب العتبة.
وعبّر حزب "جيل جديد"، وهو أحد أبرز أحزاب المعارضة الذي يدعم التوجهات السياسية للرئيس تبون، عن رفضه التام لإبقاء العتبة الانتخابية، وقال القيادي في الحزب حبيب براهمية إنه "صحيح أن القانون الجديد يحقق الكثير من مطالب قوى المعارضة، لكن أهم مطالب الحزب كان إلغاء العتبة الانتخابية، ونحن طالبنا بوضع أحكام انتقالية تجعل تطبيقها مؤجلا إلى ما بعد الانتخابات المقبلة، بحيث لا تكون مرجعية العتبة هي الانتخابات السابقة"، مشيراً إلى أن "إدراج العتبة هو استفزاز سياسي ومحاولة لغلق العملية الانتخابية. ليس هناك تفسير آخر لذلك غير الرغبة في دعم الأحزاب السابقة المهيمنة على المجالس التمثيلية الحالية، لأن هناك فقط خمسة أحزاب مستفيدة في الوقت الحالي من قانون الانتخابات، أربعة منها أحزاب السلطة (جبهة التحرير الوطني، والتجمع الوطني الديمقراطي، وتجمع أمل الجزائر والحركة الشعبية)، وحزب واحد خارج ذلك هو حركة مجتمع السلم"، مضيفاً أن حزب "جيل جديد" يدعم أن تلتقي الأحزاب لتنسيق المواقف ضد بعض بنود هذا القانون، وللمطالبة بتغيير قوانين اللعبة السياسية والانتخابية، لمنع تكرار المشهد السابق نفسه.
ويعتقد رئيس حزب "النضال الوطني" عبد الله حداد أن الإبقاء على العتبة له غرض سياسي واحد، هو رغبة السلطة في الاستمرار في حصر المنافسة الانتخابية بين الأحزاب السياسية نفسها التي كانت تستأثر بالساحة السياسية في البلاد في المرحلة السابقة، ووضع عوائق تمنع ظهور قوى سياسية جديدة تتوافق مع روح التغيير السياسي المعبّر عنها من قبل الحراك الشعبي، مشيراً إلى أن "إبقاء العتبة إخلال كبير بتكافؤ الفرص وتحول إلى عائق يكبح جماح الأحزاب الفتية والجديدة والمستقلين ويحدّ من مشاركتها في الانتخابات، وهذا يعني أننا سنشهد في الانتخابات المقبلة مجالس محلية وبرلمان بالتشكيلة الحالية نفسها تقريباً من القوى السياسية".
وتذهب بعض القراءات السياسية إلى أن مسودة قانون الانتخاب بشكلها الحالي يمكن أن توصف بأنها انقلاب ثانٍ من قبل السلطة السياسية الجديدة على حلفائها من الأحزاب السياسية الفتية التي دعمت الرئيس عبد المجيد تبون في ترشحه، وكذلك خلال الاستفتاء الشعبي الأخير، كونها تقطع الطريق على أي فرصة لها للمنافسة الانتخابية.