لا تتوقف أجهزة النظام السوري الأمنية عن تعذيب معتقلين حتى الموت، إذ تظهر بين وقت وآخر قوائم أسماء لبعض الذين قضوا في عشرات المعتقلات التي تديرها هذه الأجهزة، وخاصة في معتقل صيدنايا سيئ الصيت الذي تُرتكب بين جدرانه عمليات تعذيب وحشية دفعت منظمات دولية إلى وصفه بـ"المسلخ البشري".
قتلى جدد تحت التعذيب بسجون النظام السوري
وأكد المرصد السوري لحقوق الإنسان، أمس الثلاثاء، أنه حصل على "معلومات موثوقة" من داخل الغوطة الشرقية للعاصمة السورية دمشق، تفيد بقيام الأجهزة الأمنية التابعة للنظام أول من أمس الإثنين، بتسليم مخاتير مناطق في القطاع الجنوبي من الغوطة الشرقية، وهي دير العصافير، زبدين، حتيتة التركمان، أوراقاً لـ38 معتقلاً قضوا تحت التعذيب في سجون النظام بعد اعتقالهم عقب سيطرة الأخير على الغوطة الشرقية في مارس/آذار 2018، ومن ضمنهم 9 أفراد من عائلة واحدة.
وأشار المرصد إلى أن "عدد الذين قضوا تحت التعذيب في مسلخ صيدنايا البشري من أبناء الغوطة الشرقية ممن اعتقلوا بعد عام 2018، أكبر من الذي أفصح عنه النظام".
وأوضح أن "عدد السوريين الذين قتلوا تعذيباً في سجون النظام، ارتفع إلى 56 منذ مطلع يناير/كانون الثاني الماضي، في حين أن عدد الذين قضوا تحت التعذيب منذ انطلاق الثورة السورية عام 2011 هو 47575، من بينهم 47172 رجلاً وشاباً و339 طفلاً دون سن الثامنة عشرة، و64 امرأة".
وأشار المرصد إلى أن "ما يزيد عن 30 ألف معتقل قتلوا في سجن صيدنايا سيئ الصيت، فيما كانت النسبة الثانية الغالبة هي في إدارة المخابرات الجوية" الجهاز الأكثر وحشية في التعامل مع المعتقلين.
56 معتقلاً قتلوا تحت التعذيب بسجون النظام منذ مطلع يناير
من جانبها، أوضحت رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا، في بيان، أن بعض الأشخاص الواردة أسماؤهم في الأنباء المتداولة حالياً حول مقتل معتقلين من الغوطة الشرقية (بلدة دير العصافير تحديداً) كان ذووهم على علم بوفاتهم منذ ما يقارب العامين.
وأشارت إلى أن "هناك بعض الأشخاص الواردة أسماؤهم، لم يتلق ذووهم أي معلومات تفيد بإعدامهم حتى اللحظة، كما أن هناك بعض الأسماء تعود لمفقودين أو مختفين قسراً لا يعلم ذووهم أي معلومة عن مصيرهم حتى اللحظة".
وأوضحت أن "إخطارات الوفاة الصادرة للمعتقلين والواردة إلى السجل المدني، لا تتضمن سبب الوفاة بأي حال"، لافتةً إلى أنه "غالباً ما يتم ذكر أسباب الوفاة في شهادة وفاة صادرة عن مستشفى تشرين العسكري أو مستشفى حرستا العسكري وليس عن السجل المدني، وتمنح هذه الشهادة لذوي المعتقلين الذين قضوا تحت التعذيب أو بسبب سوء الرعاية الصحية أو عمليات التجويع، وليس لذوي الذين تم إعدامهم".
وحمّلت الرابطة "مكتب الأمن القومي وشعبة الأمن العسكري والشرطة العسكرية والقضاء العسكري ممثلاً باللواء المجرم محمد كنجو حسن، المسؤولية الكاملة عن حرمان المعتقلين في سجن صيدنايا من الاتصال مع العالم الخارجي".
وأشارت إلى أن المعتقلين "يخضعون لظروف معيشية قاسية ويعرضون على محاكمات هزلية تفتقر إلى أدنى شروط التقاضي العادل".
دياب سرية: لدينا وثائق حول سجن صيدنايا، ولكن المجتمع الدولي لا يتحرك
إعدامات جماعية في سجون الأسد
في السياق، قال الناشط دياب سرية، وهو من مؤسسي الرابطة، في حديث مع "العربي الجديد": "لدينا معلومات مؤكدة عن أن النظام أعدم ما لا يقل عن 500 شخص نهاية عام 2020، معظمهم ممن أجروا مصالحات وتسوية لأوضاعهم معه في عدة مناطق سورية".
وأشار إلى أن "المجتمع الدولي يتعامل مع الأنباء عن قتل وإعدام السوريين في سجون النظام بعدم اكتراث"، مضيفاً "لدينا وثائق حول سجن صيدنايا، ولكن المجتمع الدولي لا يتحرك".
وكانت منظمة "العفو الدولية" قد وثقت في تقرير نشرته بدايات عام 2017 إعدامات جماعية بطرق مختلفة نفذها النظام السوري، بحق المعتقلين في سجن صيدنايا.
وفي تقرير حمل عنوان "المسلخ البشري"، ذكرت المنظمة أن إعدامات جماعية شنقاً نفّذها النظام بحق 13 ألف معتقل، أغلبيتهم من المدنيين المعارضين، بين عامي 2011 و2015. ووصفت المنظمة سجن صيدنايا العسكري بأنه "المكان الذي تذبح فيه الدولة السورية شعبها بهدوء".
وكانت "العفو الدولية" قد وثقت في منتصف عام 2016 مقتل 17723 معتقلاً، أثناء احتجازهم في سجون النظام السوري، ما بين مارس/ آذار 2011 وديسمبر/ كانون الأول 2015، أي بمعدل 300 معتقل كل شهر.
ويعد ملف المعتقلين أكثر الملفات في القضية السورية إيلاماً، إذ يرفض النظام مقاربة هذا الملف بشكل نهائي خشية الملاحقة من قبل جهات دولية متخصصة، في ظل تراخ إقليمي ودولي عن فتح الملف ودفعه إلى محاكم تحت مظلة الأمم المتحدة.
ولا تملك جهة سياسية أو حقوقية أرقاماً واضحة يمكن الركون إليها عن عدد الذين دخلوا معتقلات الأسد منذ عام 2011، أو عدد الموجودين حالياً أو عدد من قتل تحت التعذيب أو غُيّب، فكل الأجهزة الأمنية لديها معتقلات، إضافة إلى معتقلات خاصة بالمليشيات المحلية وحزب الله اللبناني والمليشيات الإيرانية.
وكانت لجنة المعتقلين في هيئة التفاوض التابعة للمعارضة السورية أوضحت لـ"العربي الجديد" في مارس الماضي، أن عدد المعتقلين الموثقين في سجون النظام أقل من الرقم الحقيقي. وأشارت إلى أن أغلب توثيقات المنظمات المختصة تتحدث عن 125 ألفاً إلى 140 ألف معتقل.
وقبل سنوات، سرّب مصوّر كان يعمل لدى النظام أُطلق عليه لاحقاً اسم "قيصر"، وكان مكلفاً بتصوير جثث المدنيين من ضحايا التعذيب والقتل، أكثر من 55 ألف صورة لقتلى خلال السنوات الأولى من الثورة السورية داخل معتقلات نظام بشار الأسد، تبدو على جثثهم آثار التعذيب بالكهرباء والضرب المبرح، وتكسير العظام، والأمراض المختلفة، ومن بينها الجرب، إلى جانب الغرغرينا والخنق. وبين القتلى فتيان تتراوح أعمارهم بين 12 و14 عاماً، ونساء وشيوخ يتجاوز عمر بعضهم 70 عاماً.
في السياق، بيّنت الشبكة السورية لحقوق الإنسان في تقرير لها أخيراً، أن عدد السوريين الذين قتلوا تحت التعذيب من مارس عام 2011 وحتى سبتمبر/أيلول عام 2021، بلغ 14565، نحو 99 في المائة منهم قتلوا في سجون النظام السوري، ومن بينهم 174 طفلاً و74 امرأة.
لا تملك جهة سياسية أو حقوقية أرقاماً واضحة يمكن الركون إليها عن عدد الذين دخلوا معتقلات الأسد منذ عام 2011
انتقادات للموقف الدولي بشأن ملف المعتقلين السوريين
من جهته، قال مدير الشبكة، فضل عبد الغني، في حديث مع "العربي الجديد"، إنه "لا يمكن التعامل مع حصيلة القتلى تحت التعذيب بمعزل عن ملف المختفين قسرياً".
وأضاف "هناك جهل وعدم خبرة واطلاع من قبل أشخاص تعاملوا مع هذا الملف، وبعض الجهات هاجمت الشبكة تحت ذريعة أن الأرقام التي تصدرها عن عدد القتلى تحت التعذيب لدى النظام قليلة، وهو ما يؤكد وجود عدم وعي لدى هذه الجهات، لأن أعداد المختفين قسرياً هائلة تصل إلى أكثر من 100 ألف شخص، ولدى النظام أكثر من 80 ألف مختف".
وأشار إلى أنه "من الممكن أن يكون عدد كبير من المختفين قسرياً قد قتلوا تحت التعذيب، ولكن لا نعرف مقدار هذا العدد. يجب أن نتأكد حتى ننقل الاسم من خانة المختفين إلى خانة القتلى تحت التعذيب، ولدينا يقين بأن بعض المختفين قسرياً قد قتلوا بالفعل تحت التعذيب".
وأكد أن "الشبكة تتعامل مع أسماء وليس مع تقديرات، لأن الملف حساس ولا يحتمل التعامل بسطحية وغوغائية". ووصف عبد الغني موقف المجتمع الدولي من جرائم نظام الأسد بـ"المخزي"، قائلاً "العالم غير مكترث إطلاقاً بالسوريين، وكل يوم يُقتل سوريون تحت التعذيب ولدينا إحصائية شهرية".
وتابع "تُرِك النظام ليُعذب السوريين حتى الموت، مع أن جريمة التعذيب هي ضد الإنسانية، ولكن للأسف لديه ضوء أخضر من المجتمع الدولي، إذ ليس هناك جهود دولية للكشف عن مصير المختفين قسرياً والمفقودين، ولم ينجح هذا المجتمع في دفع النظام إلى إطلاق معتقل واحد".