وجه القضاء الفرنسي تهمة "تشكيل عصابة إجرامية" للرئيس الأسبق، نيكولا ساركوزي، بعد عامين على إدانته بثلاث تهم في قضية التمويل الليبي لحملته الانتخابية، وهي أول تهمة من هذا النوع توجه لرئيس جمهورية سابق في فرنسا.
ووجه القاضيان أود بوريسي ومارك سومرير التهمة لساركوزي، يوم الاثنين الماضي، لكن بقي الأمر سرياً في إطار التحقيق، قبل أن يكشف عنه، اليوم الجمعة، موقع "ميديا بارت" الفرنسي، الذي كان السبب في إيصال الرئيس الأسبق إلى دوائر القضاء بعد نشره وثائق دامغة تثبت تلقيه أموالاً من العقيد الليبي الراحل معمر القذافي.
ومن شأن التهمة الجديدة التي وجهت إلى ساركوزي بعد أربعة أيام من الاستجواب، بدأت في 6 أكتوبر/ تشرين الأول، وما يقرب من 40 ساعة من جلسات الاستماع، أن تقود الرئيس الأسبق إلى السجن لعشر سنوات، وفقاً لقانون العقوبات (المادة 450-1).
وهذه التهمة الجديدة تضاف إلى 3 تهم وجهت إلى ساركوزي منذ مارس/آذار عام 2018، هي "الفساد"، و"اختلاس الأموال العامة"، و"التمويل غير المشروع للحملة الانتخابية". كما تم توجيه الاتهام إلى وزيرين سابقين من عهد ساركوزي، هما كلود جيان وإريك وورث، اللذان كانا ركائز الحملة الانتخابية الرئاسية لعام 2007، حيث كان الأول مديراً للحملة الانتخابية، والثاني أميناً للصندوق. وإريك وورث هو الرئيس الحالي للجنة المالية في البرلمان الفرنسي.
يشار إلى أن التهمة الجديدة تتعلق، وفق ما كشف موقع "ميديا بارت"، بجانب محدد ظهر أخيراً من قضية التمويل الليبي، بعدما وجهت في يناير/ كانون الثاني الماضي لوائح اتهام في قضية "تشكيل عصابة إجرامية" لشخصيات مقربة من ساركوزي، أبرزها مساعده السابق تييري جوبير.
[ REVELATION ] Pour la première fois dans l’histoire judiciaire, un ancien président de la République est mis en examen pour « association de malfaiteurs ». https://t.co/llRU1RUUDS
— Mediapart (@Mediapart) October 16, 2020
وكان "ميديا بارت" قد نشر وثائق في نهاية عام 2019، تثبت أن جوبير تلقى في فبراير/شباط عام 2006، من حساب سري تم فتحه في جزر الباهاماس ما يقرب من نصف مليون يورو من المال الليبي، تم سحب نصفها نقداً في فرنسا قبل الانتخابات الرئاسية.
تلك الأموال مرت عبر شركة خارجية للوسيط زياد تقي الدين (المتهم أيضاً في القضية عينها)، والمسماة "روزفيلد ليميتد"، والتي تم استخدامها لجمع الأموال من النظام الليبي (ستة ملايين يورو في المجموع في عام 2006) مقسمة إلى ملاذات ضريبية لا حصر لها بعد ذلك. وفي ذلك الوقت، عمل تقي الدين مبعوثا سريا لحكومة ساركوزي في وزارة الداخلية إلى النظام الليبي، وقد اعترف منذ ذلك الحين بالمشاركة في التمويل بين البلدين.
والتطور الحاسم الذي توصل إليه القضاء بهذه التهمة، كان قد بدأ مع تعرّض ساركوزي لانتكاسة لم يكن يتوقعها، مع رفض محكمة الاستئناف في باريس، في 24 سبتمبر/أيلول الماضي، غالبية الطعون التي قدمها محاموه ومقربون منه في قضية التحقيق المتعلق بشبهات تلقيه أموالاً من القذافي.
هذا الملف الشائك، الذي بدأ القضاء التحقيق فيه منذ 8 سنوات، نجح ساركوزي في "عرقلته" مراراً من خلال طلبات الاستئناف والطعون، لدرجة أنّ وسائل إعلام فرنسية كثيرة كانت تعتبر أنّ ساركوزي أخيراً يتصرف بثقة، ويحاول العودة إلى المشهد السياسي الفرنسي، حتى إن الرئيس الحالي إيمانويل ماكرون، كان على تواصل معه خلال الأزمة التي اندلعت بينه وبين رئيس وزرائه المستقيل إدوارد فيليب، في يوليو/تموز الماضي، واستشاره مرات عديدة في بعض الشخصيات التي يرغب في تسميتها في بعض الوزارات.
ولن تقف المتاعب التي يواجهها ساركوزي عند هذا الحد، إذ من المقرر أن يحاكم في قضية فساد أخرى تُعرف إعلامياً باسم "قضية بيسموث" في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، وهي تتعلق بالفساد واستغلال النفوذ، بالإضافة إلى قضية أخرى ستفتح في مارس/آذار عام 2021 وتتعلق بتمويل حملته عام 2012.