جددت الحكومة التركية أخيراً حملتها للتضييق على اللاجئين السوريين، في مدينة إسطنبول خصوصاً، بذرائع عدة بينها ارتكاب المخالفات. لكن النتيجة لأي مخالفة هي إيداع اللاجئ في حافلة تنطلق به إلى مركز الترحيل للتوقيع على "طلب إعادة طوعية" يقول مرحّلون إنه يتم بالإجبار، ثم إيصاله إلى الحدود السورية – التركية، ودخوله إلى مناطق في إدلب وريف حلب وريفي الرقة والحسكة، الواقعة تحت سيطرة المعارضة والنفوذ التركي.
وأطلقت الحكومة التركية وعوداً، منذ أكثر من ثلاثة أعوام، بتخفيف تواجد اللاجئين في البلاد. وبرز مشروع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بإعادة مليون لاجئ إلى سورية، لا سيما بعد حملة وصفت بـ"العنصرية والعدائية" من قبل شرائح من المجتمع التركي تطالب بطرد اللاجئين السوريين.
وقد سبب هذا الأمر ضغطاً كبيراً على حكومة حزب "العدالة والتنمية" وأردوغان الذي كان ملف اللاجئين وإعادتهم إلى سورية بنداً رئيسياً في حملته الانتخابية قبل فوزه بولاية رئاسية جديدة، وربما بات على عاتقه تنفيذ تلك الوعود، بالتزامن مع فتح باب الحوار بين حكومته والنظام السوري برعاية روسية، مع ضغط من موسكو لحل مشكلة اللاجئين، رغم عرقلة النظام لهذه الخطوة، الذي يساوم على ملف اللاجئين، مع معطيات تفيد بعدم رغبته في إعادتهم بأي شكل من الأشكال.
طه الغازي: حكومة العدالة والتنمية تسعى لتقديم دعاية مسبقة للانتخابات المحلية
ووفق أرقام غير رسمية، فقد رحّلت السلطات التركية آلاف السوريين خلال الشهور القليلة الماضية، وفق متابعين لهذا الملف، أوضحوا لـ"العربي الجديد"، أنه رُحّل في مايو/أيار الماضي نحو 966 لاجئاً، وفي يونيو/حزيران الماضي نحو 1538، وفي يوليو/تموز الحالي تجاوز العدد الـ 700 لاجئ.
إعادة هيكلة إدارة الهجرة التركية
وكان أردوغان أصدر قراراً، الأسبوع الماضي، تضمّن إعادة هيكلة إدارة الهجرة، طاولت رئيسها وكبار رؤساء الأقسام، إذ عين أتيلا توروس رئيساً للإدارة، والذي يُعرف بوضعه الكثير من العراقيل أمام اللاجئين، لا سيما منع التنقل بين الولايات خلال ترؤسه للإدارة بين عامي 2014 و2017.
وتؤكد الحكومة التركية أن الحملة تستهدف الأجانب الذين دخلوا إلى البلاد، بطرق غير قانونية ويقيمون ويعملون فيها من دون تصريح رسمي. غير أن الوقائع تؤكد أن الحملة طاولت سوريين يحملون بطاقة الحماية المؤقتة (الكملك)، أجبرتهم الظروف المعيشية على الذهاب إلى ولايات غير التي صدرت فيها بطاقات لجوئهم، وهو أمر مخالف للقوانين التركية.
خالد عبد الرحمن عجم، وهو من مدينة حلب ولاجئ في ولاية جنق قلعة التركية، اضطر للذهاب إلى إسطنبول لاستخراج أوراق للزواج، وهناك تم القبض عليه وسحب بطاقة الحماية المؤقتة الخاصة به لأنه لا يحمل إذن سفر من ولايته إلى ولاية أخرى.
ويقول عجم، لـ"العربي الجديد"، إنه لم يتمكن من إصدار إذن سفر على الرغم من محاولته أكثر من مرة مع السلطات المعنية، أو من خلال النظام الإلكتروني الخاص بهذا الأمر، ما اضطره للمغادرة بدونه.
وبعد أن تم سحب بطاقة الحماية من خالد عجم نقل إلى ولاية سقاريا، حيث طُلب منه مراجعة ولايته الأصلية لاستخراج بطاقة جديدة، مشيراً إلى أنه تعرّض للكثير من الإهانات من الموظفين بسبب سفره بدون إذن.
توقيع اللاجئ على أوراق لا يُعرف ما كتب فيها
ويوضح أنه بعد أخذ وردّ تم إعطاؤه بطاقة حماية، لكن مؤقتة (ورقة وليس كرت)، وهذه الورقة تتطلب التجديد كل شهر من خلال البصم المباشر، وعند ذهابه للبصم في إحدى المرات تم التحفظ عليه ووضعه في حافلة ليتم نقله إلى مركز الترحيل، ثم تبصيمه على أوراق لا يعرف ما كتب فيها، قبل نقله إلى سورية عبر معبر باب الهوى، وهو يقيم الآن في مدينة سلقين الحدودية مع تركيا، الواقعة شمال إدلب.
ويشير خالد إلى أن عدم معرفته باللغة التركية منعته من معرفة ما وقع عليه، مشيراً إلى أنه تعرّض لإهانات في مركز الترحيل، وأن كل الذين معه تم إجبارهم على البصم والتوقيع على ترحيلهم.
وكانت وزارة الداخلية التركية أعلنت، العام الماضي، أن نحو 3.7 ملايين سوري يعيشون في تركيا تحت الحماية الدولية، وأن أكثر من 700 ألف طفل سوري ولدوا في البلاد.
وتعتبر إسطنبول المدينة التي يعيش فيها أكبر عدد من اللاجئين، مع 530 ألف لاجئ سوري، تليها غازي عنتاب كثاني أكبر مدينة، إذ يتمركز فيها نحو 452 ألفاً، وفقاً لبيانات إدارة الهجرة التابعة لوزارة الداخلية التركية. كما يعيش السوريون بأعداد كثيفة في مدينة أورفة وريفها وفي محافظة هاتاي، وبأعداد أقل في مرسين وبورصة وإزمير وأنقرة، وبقية الولايات التركية.
وتزايدت المخاوف لدى اللاجئين السوريين من عمليات ترحيل جماعية وكبيرة، لا سيما مع ازدياد الضغوط السياسية لدفعهم للعودة إلى سورية، ليس فقط من تركيا وإنما من دول الجوار، رغم تقارير المنظمات الدولية التي تفيد بأن عودة اللاجئين إلى سورية غير آمنة، سواء إلى مناطق سيطرة النظام أو مناطق السيطرة الأخرى.
عمليات ترحيل اللاجئين سياسية بحتة
ويشير الحقوقي طه الغازي، المطلع والمهتم بملف اللاجئين السوريين في تركيا، إلى أن الدوافع وراء الإجراءات التركية الأخيرة حيال اللاجئين السوريين وعمليات الترحيل "سياسية بحتة".
ويضيف الغازي، لـ"العربي الجديد"، أن "حكومة العدالة والتنمية تسعى من خلال عمليات توقيف أو ترحيل اللاجئين أو المهاجرين لتقديم دعاية مسبقة للانتخابات المحلية في مارس/آذار من العام المقبل، وذلك بعد أن خسرت بلدتي إسطنبول وأنقرة في الانتخابات السابقة، بعد أن استخدم منافسوها ملف اللاجئين".
ويشير إلى أن "حكومة العدالة والتنمية باتت تدرك أن الأحزاب والتيارات الأخرى كسبت أصواتاً وتأييداً في عدة انتخابات، نظراً لاستخدام خطاب موجه ضد اللاجئين السوريين بالتحديد".
ويؤكد الغازي أن "أردوغان ينفذ وعوداً سياسية بطبيعة الحال. ففي خطاب بعد فوزه مباشرة (بالرئاسة)، قال أردوغان إن 600 ألف عادوا طوعياً. وهذا المصطلح لا يمكن القول إنه يمثل حقيقة العودة الطوعية، وأن هناك نية لإعادة مليون لاجئ آخرين. والرئيس بات ملزماً بتنفيذ ما ورد في الخطاب، بالإضافة لتصريحاته الأخيرة حول مكافحة الهجرة غير الشرعية".
ويتوقع الغازي أن المرحلة المقبلة ستكون شديدة على السوريين. ويضيف: "هنا لا بد أن نوضح نقطة هامة، وهي أن الحكومة التركية تركز على مكافحة الهجرة غير النظامية، ومن ضمنها هجرة السوريين، وبالتالي فإنه يجب الأخذ بالاعتبار أن المهاجرين السوريين فروا ويفرون من حالة حرب دامية. أما المهاجرون الأفغان والباكستانيون والأفارقة وغيرهم يصلون إلى تركيا كنقطة عبور إلى أوروبا. لكن السوريين يحملون بطاقات الحماية المؤقتة، وبموجبها لديهم عدد من الحقوق التي أقرتها المواثيق الدولية التي وقّعت عليها وتقرها تركيا من الأساس".
تعامل تركي غامض مع ملف اللاجئين
من جهته، يرى الصحافي والمحلل السياسي التركي هشام غوناي أن تعامل الحكومة التركية مع ملف اللاجئين غامض من الأساس، أي منذ بدء عمليات اللجوء إلى تركيا، وينسحب ذلك على كل إجراءاتها الأخيرة حيال هذا الملف.
هشام غوناي: تعامل الحكومة التركية مع ملف اللاجئين غامض من الأساس
ويضيف غوناي، لـ"العربي الجديد"، أن "هذا الغموض سبب رئيسي في تعقيد مشكلة اللاجئين في تركيا، فالحكومة لم تعلن عن أرقام واضحة، وكان هناك تفاوت في الأرقام بين تصريحات المسؤولين، بالإضافة إلى أن مسألة ما تم إنفاقه على اللاجئين، كان محط جدل كبير، إذ كرر الرئيس التركي في أكثر من مناسبة قوله إن الحكومة أنفقت على اللاجئين 40 مليار دولار، لكن لم توضح الحكومة مصدر هذه الأموال، هل هي من ميزانية الدولة أم المانحين، وأين أنفقت تلك الأموال وعلى ماذا بالضبط؟".
وحول إرجاع الإجراءات الأخيرة من عمليات التضييق على اللاجئين لأسباب سياسية تتعلق بوعود أردوغان الانتخابية، والربط كذلك مع ملف التقارب مع دمشق، يشير غوناي إلى أنه "لا يمكن أن يتم اتخاذ أي إجراء دون موافقة أردوغان في ظل النظام الرئاسي الذي أسسه بنفسه. على هذا يمكن القول إن الرئيس يريد أن يهيئ الأجواء لعمليات إعادة، قد تكون كبرى، إلى سورية".
لكن غوناي لا يعتقد أنه من الممكن الربط بين هذه الإجراءات والأبعاد الدولية للتعامل مع الملف السوري، بقدر ما هو ملف داخلي، يتعلق بالسياسة التركية.
انسحاب الملف على اللاجئين في لبنان والأردن
وباتت مسألة ترحيل اللاجئين السوريين من تركيا، أو إعادتهم قسراً، تنسحب على اللاجئين في كل من لبنان والأردن، إذ قامت السلطات اللبنانية بحملات ترحيل واعتقال منذ إبريل/نيسان وحتى مايو/أيار الماضيين، ما أدى إلى مخاوف حول عمليات إعادة جماعية، تهدد بها الحكومة اللبنانية.
وبناء على التقارب العربي مع النظام والمبادرة العربية التي أطلقها الأردن، فإن رأس النظام السوري بشار الأسد وافق على إعادة ألف لاجئ سوري من الأردن كعملية اختبار لعمليات إعادة طوعية للاجئين من البلد الذي يفتقر للموارد ويعاني من أزمة اللاجئين، لكن من دون إجراءات مشددة ضدهم. غير أن تواصل الأردن مع النظام بهذا الشأن، بدأ يشي بأن عمان قد تكون قادمة على مرحلة جديدة من إعادة اللاجئين، من دون توضيح الإجراءات التي ستتبعها.