مع فشل الجولة السابعة للجنة الدستورية السورية في تحقيق أي نتيجة، وأي تفاهمات تبرر استمرار أعمال هذه اللجنة التي كانت تأمل الأمم المتحدة أن تكون بوابة للحل في سورية، تلوّح المعارضة السورية بتعليق مشاركتها في أعمال اللجنة، مع مطالبات تصل حتى إلى عدم التعامل مع المبعوث الأممي إلى سورية غير بيدرسن، ما لم يتخذ خطوات من شأنها إدانة نظام بشار الأسد، كونه المسؤول عن تعطيل أعمال اللجنة.
فشل الجولة السابعة للجنة الدستورية السورية
وألغى بيدرسن ورئيس وفد المعارضة في اللجنة الدستورية هادي البحرة، مؤتمراً صحافياً كان مقرراً أول من أمس الجمعة في ختام أعمال الجولة السابعة، وهو ما يؤكد فشل هذه الجولة في التوصل إلى حد أدنى من تفاهمات تبرر استمرار أعمال هذه اللجنة.
واكتفى بيدرسن بإصدار بيان قال فيه: "سأفعل كل ما بوسعي لتقريب وجهات النظر بين الأعضاء من خلال بذل المساعي الحميدة، وسأتواصل مع حكومة النظام السوري وهيئة المفاوضات السورية، والرؤساء المشاركين ووفد المجتمع المدني لتحقيق ذلك".
وناقشت اللجنة المصغرة من اللجنة الدستورية، والمكونة من 45 شخصاً؛ منهم 15 يمثلون النظام، و15 يمثلون المعارضة، و15 من منظمات المجتمع المدني، على مدى أيام أوراق عمل قدمتها الوفود الثلاثة.
إرسال النظام وفده إلى جنيف يندرج في سياق شراء الوقت حتى تتغير المعطيات السياسية الإقليمية والدولية
واستغرق تشكيل اللجنة أكثر من عامين قبل أن تعقد أولى الجولات أواخر عام 2019، ثم تتابعت هذه الجولات، إلا أن نتائجها بقيت صفراً بسبب إصرار النظام على تعطيل دور الأمم المتحدة، والتملص من قراراتها ذات الصلة بالقضية السورية وفي مقدمتها القرار 2254 والمتعلق بوقف إطلاق النار والتوصل إلى تسوية سياسية للأزمة السورية.
ونُوقشت في الجولة السابعة التي انتهت أول من أمس الجمعة، أوراق عمل عدة تخص مبادئ دستورية قدمتها الوفود، إذ قدّم وفد المعارضة ورقة حول "أساسيات الحكم" تقترح أن يكون الحكم في سورية جمهورياً، وأن "السيادة للشعب" يمارسها عبر وسائل الاقتراع. كما نصت على التداول السلمي للسلطة والتعددية السياسية.
بينما قدّم وفد النظام ورقة حول ما سماها "الدولة"، تكرس شعار الدولة الحالي وعلمها، ونشيدها، وهو ما فجّر خلافاً داخل أروقة الاجتماعات، خصوصاً أن وفد النظام يصر على أن هذه الرموز "غير قابلة للتعديل".
من جهته، قدّم وفد المجتمع المدني التابع للنظام، ورقة عمل حول "هوية الدولة"، تؤكد أن اسم الدولة يجب أن يبقى "الجمهورية العربية السورية"، وأنها "جزء من الوطن العربي، والشعب السوري جزء من الأمة العربية".
سعي النظام السوري لتعطيل عمل اللجنة الدستورية
ولم يعد خافياً سعي النظام السوري إلى تعطيل عمل اللجنة، وأن العملية السياسية برمتها لا تعنيه بشكل أو بآخر، وأن إرسال وفده إلى جنيف يندرج في سياق شراء الوقت حتى تتغير المعطيات السياسية الإقليمية والدولية، والتي يأمل أن تصب في صالحه.
أما المعارضة السورية، فلم تترد منذ أواخر عام 2019 في الذهاب إلى جنيف للتفاوض حول المسألة الدستورية، على الرغم من تيقنّها أن النظام يضع العراقيل أمامها، كي تُتهم هذه المعارضة بتعطيل المسار السياسي للحل في سورية.
تجميد حضور المعارضة باجتماعات اللجنة الدستورية؟
ويبدو أن تجميد حضور المعارضة في اجتماعات اللجنة الدستورية بات خياراً مطروحاً بقوة، بعد أن "تحوّل هذا المسار إلى مجرد لقاءات عبثية تفيد النظام ولا تضرُّه، وتوفر غطاء للأمم المتحدة بأنها تتحرك في القضية السورية، ولكن من دون أي نتائج تذكر"، وفق أحمد رمضان، رئيس حركة "العمل الوطني من أجل سورية"، ورئيس دائرة الاستشارات الاستراتيجية في "الائتلاف الوطني السوري" المعارض.
وأضاف رمضان، في حديث مع "العربي الجديد": "قبل هذه الجولة (السابعة) قمنا بدراسة الوضع من جوانبه كافة، ووضعنا السيناريوهات المحتملة، ومنها استمرار النظام في التعطيل وعجز المبعوث الخاص عن اتخاذ موقف واضح، ولذا لم تكن النتيجة مفاجئة".
وقال إن "على وفد الهيئة التوقف عند هذه النقطة واتخاذ العديد من الإجراءات، منها مطالبة المبعوث الأممي بتقديم إحاطة صريحة تحدد الجهة التي عطّلت المفاوضات وتحميلها مسؤولية ذلك من دون مواربة، وإلا فإنه سيكون متواطئاً على حساب معاناة الشعب السوري".
رمضان: على وفد المعارضة عدم حضور أي جولة جديدة ما دامت الأمور على ما هي عليه
ووفق رمضان، فإنه على وفد المعارضة "عدم الموافقة على حضور أي جولة جديدة لمفاوضات اللجنة الدستورية ما دامت الأمور على ما هي عليه، وعدم الركون إلى أي وعود شفهية أو كتابية".
كما على المعارضة، بحسب رمضان، "مطالبة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، بالعمل على العودة إلى المفاوضات المباشرة والشاملة التي تركز على التطبيق الكامل للقرار 2254 وفي المقدمة منه تشكيل الهيئة الحاكمة الانتقالية، وعدم الغوص في القضايا المتفرعة عن ذلك على حساب الانتقال السياسي".
كما دعا رمضان إلى "عدم التعامل مع المبعوث الخاص ما دام مصراً على خطة الخطوة مقابل خطوة"، معتبراً هذه الخطة "محاولة لجر السوريين إلى مستنقع جديد لا أمل فيه".
وطالب المتحدث نفسه الأمم المتحدة "باستبعاد بيدرسن عن مهمة المبعوث الدولي إلى سورية، فهو لم يقدّم خلال سنوات شيئاً على صعيد الحل السياسي، مما يقتضي تسليم الملف لشخصية أخرى تتمتع بكفاءة أوسع"، وفق قوله.
وأشار رمضان إلى أن "السنوات التي قضاها بيدرسن في مفاوضات اللجنة الدستورية من دون أن يحقق أي نتيجة، كانت كافية لكتابة دساتير نصف دول العالم".
وأشار إلى أن "المعارضة السورية تحاول في الوقت الراهن الإفادة من الموقف الدولي تجاه أزمة أوكرانيا لفتح الملفات الإنسانية، وفي المقدمة منها قضية المعتقلين التي لم يتم تحريكها بأي شكل من الأشكال".
من جهته، أكد كبير المفاوضين السابق في الهيئة العليا للمفاوضات التابعة للمعارضة، محمد صبرا، أن "فشل اجتماعات ما يسمى باللجنة الدستورية متوقع ولم يفاجئ أحداً".
وأضاف في حديث مع "العربي الجديد": "هذه اللجنة بدأت وفق معايير خاطئة، وهي تأسست بإرادة وقرار روسي، وخلافاً لقرارات الأمم المتحدة ومنها القرار 2254 لعام 2015".
وتابع: "مسار اللجنة الدستورية كان يهدف بالأصل لتعطيل مسار جنيف، وخلق مساحة من الاستعراض الإعلامي للقول إن روسيا تسعى لتحقيق حل سياسي ولا تعتمد فقط على الحل العسكري".
صبرا: لا جدوى من الاستمرار في مسار ولد ميتاً
واعتبر صبرا أن "فشل اللجنة الدستورية بدأ من اللحظة التي تم التنازل فيها عن خريطة الطريق الموجودة في القرار 2254، والتي نصت بشكل واضح على أن نقطة البداية في الحل هي تشكيل هيئة الحكم الانتقالي، وبعد ذلك وضع جدول زمني لكتابة دستور بإشراف هيئة الحكم الانتقالي".
ورأى صبرا أن "لا جدوى من الاستمرار في مسار ولد ميتاً، وولد لغاية واحدة هي تجميل صورة مليشيا بشار الأسد، والقول إنه ملتزم بالعملية السياسية".
ودعا المعارضة إلى "تعليق مسار اللجنة الدستورية والعودة للتمسك بالقرار 2254 بكل فقراته، والمطالبة بتنفيذه من دون أي تنازل يسمح لبشار الأسد ولروسيا بالتحكم بمستقبل سورية وتحديد خيارات الشعب السوري".