خطت تركيا، أول من أمس الأربعاء، أولى الخطوات نحو التطبيع مع نظام بشار الأسد، عبر لقاء على المستوى الوزاري هو الأول بين أنقرة والنظام منذ عام 2011، وتمثل باجتماع ثلاثي عقد في موسكو بين وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، ونظيره في النظام السوري علي محمود عباس، ووزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، وبمشاركة رؤساء الاستخبارات السوري علي المملوك، والتركي هاكان فيدان، والروسي سيرغي ناريشكين.
ومع تركيز أنقرة على ملف إعادة السوريين اللاجئين في تركيا إلى سورية، ومكافحة حزب العمّال الكردستاني، فإن نظام الأسد يسعى في المقابل إلى تحصيل مكاسب، أولها الاعتراف به كسلطة قائمة.
وفي حين روّجت الأطراف المشاركة إلى أن الاجتماع كان بنّاء، وتم الاتفاق على عقد لقاءات أخرى، إلا أن التسريبات دلّت على عدم التوصل إلى تفاهمات نهائية، في وقت حاولت أنقرة التشديد على أنها ستؤمن عودة آمنة للاجئين السوريين.
وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، قد ذكر منتصف شهر ديسمبر/كانون الأول الحالي، أنه اقترح على نظيره الروسي فلاديمير بوتين "تشكيل آلية ثلاثية مع روسيا وسورية لتسريع الدبلوماسية بين أنقرة ودمشق"، وأشار إلى إمكانية اجتماع مسؤولي الاستخبارات ثم وزراء الدفاع ثم الخارجية قبل اللقاء بينه وبين الأسد.
تطبيع أنقرة والنظام: خريطة طريق لن تكون سهلة
وكشفت صحيفة "خبر تورك" التركية، أمس الخميس، أن اللقاء الوزاري الأمني الذي عُقد في موسكو تناول مسألة عودة اللاجئين وحزب العمال الكردستاني، مشيرة إلى أن "جميع الأطراف في الاجتماع أكدت أنه كان بنّاء ومهماً". كما تناول الاجتماع، بحسب الصحيفة، "مسألة إكمال مرحلة كتابة الدستور الجديد، وإجراء انتخابات حرّة ومستقلة"، مؤكدة أن "الحل لن يكون سهلاً وكل الأطراف لديها شروط وأولويات مختلفة".
أنقرة تركّز على ملف إعادة السوريين اللاجئين في تركيا، ومكافحة الكردستاني
ونقلت "خبر تورك" عن مصادر، أن "تركيا وروسيا والنظام توصلت إلى نقاط مشتركة في 7 عناوين تتعلق بمسألة التنظيمات المسلحة والعمال الكردستاني، من أصل 9 عناوين". وأضافت أن "مسائل اللاجئين والتنظيمات المسلحة كانت المحور الأساسي للاجتماع، وأعربت تركيا عن موقفها من الكردستاني، فيما تناول النظام السوري مسألة مكافحة التنظيمات الراديكالية، ولكن لم يتم وضع خريطة طريق بهذه المسألة حتى الآن، إلا أن هناك نوايا متبادلة من أجل حلها، فيما قضية إدلب ستكون أصعب نقطة لحلها".
وبالنسبة لقضية اللاجئين السوريين، قالت الصحيفة إن "الجانب التركي تحدث في الاجتماع عن أنه وضع خريطة طريق تتعلق بعودة السوريين بشكل آمن ومشرف إلى بلادهم".
وذكرت أن "تركيا وروسيا طالبتا بأن تبدأ مرحلة عودة اللاجئين إلى سورية اعتباراً من فبراير/شباط المقبل، لكن النظام السوري طلب مزيداً من الوقت". وأشارت الصحيفة إلى أن "موسكو طرحت اعتماد نماذج العودة كما يحصل من لبنان والأردن، أو أن تكون هناك نماذج وتطبيقات خاصة في ما يتعلق بالعودة من تركيا".
وأكدت "خبر تورك"، أن "عام 2023 سيكون حافلاً بالمفاجآت، إذ يُنتظر أن تشرف أجهزة الاستخبارات التركية والروسية والتابعة للنظام على عودة 150 ألف سوري إلى بلادهم"، مشيرة إلى أنه "طُرحت في الاجتماع مسألة إعادة الممتلكات لأهلها، والضمانات"، وإن لم يحدد ماهية الضمانات التي يبدو أنها تتعلق بعدم محاكمة من يعودون.
وفي السياق، كما ذكرت مصادر تركية مطلعة لـ"العربي الجديد"، "تركيا تدرس نتائج الاجتماع في الوقت الحالي، وبناء عليه ربما تكمل ما تحدث عنه الرئيس رجب طيب أردوغان خلال الشهر الحالي، بأن تنتقل آلية الاجتماع إلى مستوى وزراء الخارجية بين البلدان الثلاثة".
في هذا الوقت، وصف وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو الاجتماع الثلاثي في موسكو بـ"المباحثات المفيدة"، مؤكداً ضرورة تأمين عودة آمنة للاجئين السوريين إلى بلادهم. جاء ذلك في كلمة له أمس الخميس في أنقرة، خلال "اجتماع تقييم نهاية العام" الذي يتضمن فعاليات وزارة الخارجية التركية.
وأضاف الوزير التركي أن النظام السوري يرغب بعودة السوريين إلى بلادهم، مؤكداً أنه "من المهم أن يتم ذلك بشكل إيجابي مع ضمان سلامتهم". واعتبر أنه من المهم أيضاً إشراك النظام الدولي والأمم المتحدة أيضاً في موضوع عودة اللاجئين.
وشدّد على ضرورة وأهمية التواصل مع النظام لتحقيق السلام والاستقرار الدائمين، ولضمان عودة آمنة للاجئين. وأضاف جاووش أوغلو أن تنظيم الوحدات الكردية "خطر" يهدد بلاده، معتبراً أن تهديده لسورية أكبر، لكونه يمتلك "أجندة انفصالية".
وفي سياق التواصل مع النظام، قال جاووش أوغلو إن المرحلة التالية في خريطة الطريق، هي عقد اجتماع على صعيد وزيري خارجية البلدين، مبيناً أنه لم يتم بعد تحديد التوقيت بشأن ذلك. ونفى أن يكون قد تم عقد لقاء مع رئيس النظام بشار الأسد. وأكد مواصلة بلاده بحزم مكافحة الإرهاب، لافتاً إلى أن الخلافات بين أنقرة ودمشق حالت دون تأسيس تعاون بينهما في هذا المجال. وأشار إلى إمكانية العمل المشترك مستقبلاً، في حال تشكلت أرضية مشتركة بين البلدين في ما يخص مكافحة الإرهاب.
وفي ما يخص مطالب النظام بـ"خروج القوات التركية" من سورية، قال جاووش أوغلو إن الغرض من تواجد قوات بلاده هناك "مكافحة الإرهاب، لا سيما أن النظام لا يستطيع تأمين الاستقرار". وشدّد على أن تركيا تؤكد مراراً عزمها نقل السيطرة في مناطق تواجدها حالياً، إلى سورية، في حال تحقق الاستقرار السياسي وعودة الأمور إلى طبيعتها في البلاد، مجدداً احترام أنقرة لوحدة وسيادة الأراضي السورية.
جاووش أوغلو: نحن الضامن للمعارضة، ولن نتحرك بما يعارض حقوقها
وحول ردود فعل المجتمع الدولي إزاء المباحثات بين أنقرة والنظام السوري، قال جاووش أوغلو إن هناك دولاً تؤيد هذا الأمر وترغب في تحوّله إلى خطوات ملموسة، مقابل وجود أخرى معارضة له أو حذرة تجاهه.
وأشار إلى أن التقدم المطلوب إحرازه لم يتحقق خلال اجتماعات أستانة واللجنة الدستورية بسبب تعنت النظام السوري، مؤكداً وجوب تفاهم النظام والمعارضة. وأضاف: "نحن الضامن للمعارضة، ولن نتحرك بما يعارض حقوقها، على العكس من ذلك فإننا نواصل مباحثاتنا للإسهام في التفاهم على خريطة الطريق التي يريدونها".
من جهته، قال وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، إنه أكد خلال الاجتماع الثلاثي في موسكو "ضرورة حل الأزمة السورية بما يشمل جميع الأطراف، وفق القرار الأممي رقم 2254". وفي تصريحات أدلى بها الأربعاء، قبل عودته إلى بلاده من موسكو، قال أكار إنه "من خلال الجهود التي ستبذل في الأيام المقبلة يمكن تقديم مساهمات جادة لإحلال السلام والاستقرار في سورية والمنطقة".
وحول فحوى الاجتماع الذي استمر قرابة ساعتين، أفاد أكار بأنهم بحثوا الخطوات التي يمكن اتخاذها "من أجل تأمين السلام، والهدوء والاستقرار في سورية والمنطقة، وتحويل التطورات فيها إلى مسار إيجابي". وأكد أن مكافحة الإرهاب من بين أهم الأمور التي ذكرها خلال الاجتماع.
وتابع أكار: "شدّدنا (خلال الاجتماع) على احترامنا وحدة وسيادة أراضي دول الجوار، وفي مقدمتها سورية والعراق، وأن هدفنا الوحيد مكافحة الإرهاب، وليس لنا أهداف أخرى (في هذين البلدين)". الوزير التركي أكد أيضاً أن بلاده تهدف إلى تأمين حدودها وشعبها، و"تحييد إرهابيي الوحدات الكردية و"داعش" اللذين يشكلان تهديداً على سورية كذلك".
وكانت وزارة الدفاع الروسية قد ذكرت في بيان أن المحادثات تطرّقت إلى "سبل حل الأزمة السورية وقضية اللاجئين"، كما و"الجهود المشتركة لمكافحة الجماعات المتطرفة". وأضافت الوزارة أن "الفرقاء شددوا على الطبيعة البناءة للحوار بالشكل الذي عقد فيه وضرورة مواصلته بغية إرساء الاستقرار" في سورية.
في المقابل، قال مسؤول في وزارة الخارجية الأميركية، طلب عدم ذكر اسمه، لـ"العربي الجديد"، إن الإدارة الأميركية "لم ولن تعرب عن أي دعم لجهود التطبيع أو إعادة تأهيل الديكتاتور الوحشي بشار الأسد". وتابع: "لن تقوم الولايات المتحدة بترقية علاقاتها الدبلوماسية مع نظام الأسد، ولا ندعم تطبيع الدول الأخرى علاقاتها معه".
وحثّ المسؤول في وزارة الخارجية الأميركية "الدول التي تفكر في التعامل مع نظام الأسد على النظر بعناية إلى الفظائع المروعة التي ارتكبها ضد الشعب السوري على مدى العقد الماضي، فضلاً عن جهود النظام المستمرة لحرمان جزء كبير من البلاد من الوصول إلى المساعدات الإنسانية والأمن".
وأعلن المسؤول الأميركي أن واشنطن لن ترفع العقوبات عن النظام السوري أو تغير موقفها المعارض لإعادة إعمار سورية حتى يتم إحراز تقدم لا رجوع فيه نحو الحل السياسي. وأضاف: "نعتقد أن التقدم السياسي الذي لا رجعة فيه، هو شرط ضروري وحيوي لإعادة الإعمار، ولم نشهد تقدماً في هذا الجانب".
ولفت المسؤول إلى أن العقوبات الأميركية، بما في ذلك بموجب "قانون قيصر"، "أداة مهمة للضغط من أجل مساءلة نظام الأسد، لا سيما في ما يتعلق بسجله الفظيع من انتهاكات حقوق الإنسان التي يتعرض لها الشعب السوري". وشدد على أن "الاستقرار في سورية والمنطقة أمر لا يمكن تحقيقه إلا من خلال عملية سياسية تمثل إرادة جميع السوريين، ونحن ملتزمون بالعمل مع الحلفاء والشركاء والأمم المتحدة لضمان بقاء حل سياسي دائم في المتناول".
السياسة التركية والظروف الضاغطة
وحول اللقاء الثلاثي، وصف الباحث والخبير في الشؤون الروسية طه عبد الواحد، المقيم في موسكو، مسيرة التطبيع التي بدأتها أنقرة مع النظام السوري بـ"الأمر المؤسف للغاية، لجهة أنها تثبت المفهوم السائد في عصرنا بأن السياسة محكومة بالمصالح".
ورأى في حديث مع "العربي الجديد" أن "اجتماع موسكو جاء ضمن ظروف معينة تحكم السياسة التركية، وأنقرة باتت ملزمة بتقديم شيء لموسكو مقابل تلك الامتيازات التي تحصل عليها اقتصادياً، لاسيما في مجال الطاقة، إذ إن موسكو كانت دائماً تدعو أنقرة إلى الانفتاح على الحوار مع دمشق".
وأشار عبد الواحد أيضاً إلى "الوضع الداخلي التركي، حيث يحاول خصوم أردوغان التصيد في سياسته حول الشأن السوري لاستغلال بعض النقاط ضده في الانتخابات وللتأثير على الرأي العام".
خبر تورك: تركيا وروسيا والنظام توصلت إلى نقاط مشتركة في 7 عناوين تتعلق بمسألة التنظيمات المسلحة والكردستاني، من أصل 9 عناوين
وفي موضوع القوى الكردية التي تصنفها أنقرة مجموعات إرهابية، قال عبد الواحد إن "أردوغان ربما يسعى عبر الانفتاح على دمشق إلى الحصول على صلاحيات أوسع، من سلطة لا تزال للأسف شرعية من وجهة نظر القانون الدولي، والغرض من هذا تقوية موقفه في حال قرر إطلاق عملية عسكرية في مناطق شمال شرق سورية".
ولم يستبعد عبد الواحد أن أردوغان، ضمن حالة عدم الاستقرار الجيوسياسي عالمياً، وتصاعد حدة التوتر في أكثر من بؤرة في العالم، وتراجع قدرة الأمم المتحدة في التأثير على مسار تسوية الأزمة السورية، ربما يسعى عبر هذا الانفتاح إلى محاولة تحقيق تسوية سياسية للأزمة السورية، وفق سيناريو لا يبتعد كثيراً عن القرار 2254، ويكمن في أساسه تسوية تضمن مصالح روسيا وتركيا في سورية ونفوذهما.
من جهته، رأى المحلل والصحافي التركي إسلام أوزكان، أنه من المحتمل أن تتسارع عملية التطبيع بين أنقرة ونظام الأسد. وأضاف في حديث مع "العربي الجديد": "حتى الآن، التقدّم في علاقات تركيا مع روسيا وإيران بشكل ملحوظ منذ فترة طويلة كان ينذر بذلك بالفعل، وهذا التطبيع سيحدث بطريقة أو أخرى بسبب هذا التقدم في العلاقات، وبسبب التطورات على الساحة، وكانت العملية تسير نحو هذا الاتجاه".
لكن أوزكان لفت إلى أن "هناك عقبات أمام التطبيع الذي قد يتعطل لأسباب عدة"، مضيفاً أن النظام في دمشق "حريص جداً على التطبيع مع تركيا لكسب الاعتراف الدولي، ولكن أيضاً دمشق طلبت من أنقرة الانسحاب من جميع الأراضي التي تحتلها ووضعت هذا كشرط مسبق للتطبيع، ويمكن لدمشق أن تؤجل هذا الشرط وتتركه إلى نهاية المحادثات، لكن هذا ليس بالشيء الذي يمكن أن تتخلى عنه في نهاية المطاف".
وأشار أوزكان إلى أنه "لدى كلّ من الجانب السوري والتركي موقف حذر نسبياً تجاه العملية، لكن من المؤكد أن الجانبين يحتاجان واحدهما إلى الآخر، لذلك يبدو أن عملية تدريجية ستتبع، تبدأ برئيسي المخابرات ووزيري الدفاع وصولاً إلى الرئيسين، لكن يمكن تخطي بعض الروابط في هذه السلسلة إذا اتخذت الأطراف خطوات إيجابية واتفقت على مبادئ محددة".