يدخل ممثلون لحوالي 150 منظمة للمجتمع المدني السوري إلى قاعة داخل معهد العالم العربي في العاصمة الفرنسية باريس، اليوم الثلاثاء، لعقد المؤتمر التأسيسي لمبادرة "مدنيّة"، بعدما عقدوا اجتماعاً مغلقاً يوم أمس، في المعهد ذاته، لوضع الأسس للمبادرة أو الصيغة التفاعلية بين إدارتها ومكوناتها.
المبادرة انطلقت وتأسست بداية العام الحالي من قبل مجموعة من المؤثرين ورجال الأعمال الذين يضطلعون بالشأن السياسي بشكل أو بآخر، لا سيما بعد اندلاع الحراك المناهض للنظام السوري عام 2011، وعلى رأسهم أيمن أصفري، رجل الأعمال السوري - البريطاني، وهو رئيس مجلس إدارة المنصة. ويتزامن انعقاد المؤتمر التأسيسي للمبادرة مع مشهد معقد يخيّم على الملف السوري، إثر التقارب العربي والإقليمي مع نظام بشار الأسد.
أهداف "مدنيّة"
وينعقد المؤتمر التأسيسي لـ"مدنيّة" تحت عنوان "الأحقية السياسية للفضاء المدني السوري". وجهدت المنصة، خلال الأيام الماضية التي سبقت انعقاد المؤتمر، بالتعريف عن نفسها وأهدافها، وركزت على أنها لم تتأسس لتأخذ دور أي جسم أو منصة سياسية للمعارضة السورية، وإن كان عنوان اجتماعها الأول يشي بالبحث عن دور سياسي راهناً أو مستقبلاً.
وفي البيان الذي أصدرته المنصة عن المؤتمر، أشارت إلى أن "استعادة القدرة السياسية داخل الفضاء المدني السوري، تحت مظلة مدنيّة، لا تعني وجود نيّة باستبدال الهيئات السورية القائمة المشاركة في العمليات السياسية التي حددها قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، بل إنها تسعى إلى استكمال جهودها".
"مدنيّة": لا نيّة باستبدال الهيئات السورية القائمة المشاركة في العمليات السياسية التي حددها القرار 2254
وأضافت أن "الهدف من استعادة القدرة السياسية متجذر في إيماننا بأننا، الجهات الفاعلة المدنيّة السورية، يجب أن نشارك بنشاط في تشكيل جميع المسارات التي يمكن أن تؤدي إلى حلّ سياسي، على النحو الذي يحميه قرار مجلس الأمن نفسه". وتابعت: "نحن دائرة انتخابية قائمة على القيم، تعمل من أجل دولة تدعم حقوق الإنسان والحريات وسيادة القانون، تسترشد منظماتنا بهذه الرؤية، ونحن نسعى جاهدين للمشاركة بنشاط في منصات صنع القرار لضمان توافق إجراءات مختلف الجهات الفاعلة السياسية والدولية مع هذه الرؤية".
وأشارت المنصة في معرض التعريف عن نفسها، إلى أنها تهدف إلى عكس الديناميكيات المؤثرة على مسارات الحلّ السياسي في سورية، من خلال حشد الفاعلين المدنيين السوريين حول مجموعة شاملة من القيم المبنية على الحقوق للانتظام ضمن فضاء مدني موحد، مع سعيها لتقديم هؤلاء الفاعلين كنظراء قادرين على لعب دور قيادي في صناعة القرارات المتعلقة ببلدهم بما يساهم في الوصول إلى بلد حر ديمقراطي ذي سيادة يحترم حقوق النسان ويساهم إيجابياً ضمن المجتمع الدولي. وتتجلى أهمية هذه الجهود بشكل خاص مع تزايد توجهات التطبيع مع نظام الأسد في أعقاب الزلزال المدمر الذي ضرب سورية وتركيا في 6 فبراير/ شباط الماضي.
ورحبت المبادرة بجميع الفاعلين المدنيين السوريين الذين يؤمنون بقيمها، من مختلف القطاعات والمناطق الجغرافية، بما في ذلك منظمات المجتمع المدني والتنظيمات المجتمعية ومجموعات الضحايا والنقابات والاتحادات ومراكز الأبحاث ووسائل الإعلام، وفي وقت لاحق الأفراد.
وتضمّن البيان الصحافي حول المؤتمر التأسيسي للمؤتمر، تأكيد رئيس مجلس إدارة المبادرة أيمن أصفري أنه "على مدى العقد الماضي، لعبت مؤسسات المجتمع المدني السوري دوراً استثنائياً في الحفاظ على قيم الانتفاضة السورية وتقديم الخدمات السياسية للمجتمعات السورية المختلفة، ولهذه المؤسسات شرعيتها في أن يكون صوتها مؤثراً عند نقاش حاجات الشعب السوري ومستقبله بما في ذلك دعم أي عملية سياسية". ولفت إلى أن "مدنيّة تسعى إلى جمع هذه المؤسسات معاً، متحدة من خلال القيم المشتركة والأهداف المشتركة".
صوت للمجتمع المدني السوري
ووصف عضو مجلس إدارة المبادرة، حسام القس، المؤتمر بأنه إعلان لإطلاق المنصة وبدء العمل بشكل رسمي. وأضاف في حديث لـ"العربي الجديد" أن "مدنيّة ليست جسماً سياسياً، ولا تطمح لأن تكون بديلاً عن الأجسام السياسية الموجودة حالياً". وكشف أن رئيس هيئة التفاوض السورية بدر جاموس سيحضر المؤتمر كضيف.
وأشار القس إلى أن المبادرة "تطمح لأن تكمل الجهود مع كل الفاعلين في القضية السورية من أجسام سياسية ومدنيّة وحقوقية وغيرها للوصول إلى حقوق شعبنا، والوصول ببلدنا إلى المكان الذي نطمح له كلنا في بناء وطن حر ديمقراطي مستقل يحفظ حقوق أبنائه ويساوي بينهم". وتابع أن "الغاية من تأسيس مدنيّة هي تجميع وحشد كل الجهود وتضافرها لأكبر قدر ممكن من منظمات المجتمع المدني والمنظمات الإنسانية التي تعمل في سورية، من أجل التخفيف عن أبناء شعبنا من آثار التهجير والتدمير الممنهج التي يتعرض لها في سورية ودول الجوار وكل مكان يتواجد فيه، وكذلك لإيصال رسالة إلى الفاعلين الدوليين تفيد بأن المجتمع المدني السوري له صوت وهو موجود ومستعد لإيصال صوت السوريين أينما تواجدوا".
حسام القس: كل الطروحات مبنية على أساس المساهمة في التخفيف من معاناة السوريين والوصول إلى حلّ سياسي على أساس القرار 2254
ولفت القس إلى أن المنصة تتألف سواء بأعضائها أو مجلس إدارتها الحالي، من ناشطين وفاعلين مؤثرين ضمن المجتمع المدني والحقوقي والإنساني السوري من مختلف الاتجاهات والانتماءات، ومن أكثر من 160 منظمة سورية تعمل في مختلف مناطق سورية ودول الجوار وأوروبا وأميركا، وتم اختيارها على أساس قيم "مدنيّة" التي تم تحديدها من الإيمان بوطن ديمقراطي حر يساوي بين أبنائه يسوده القانون وحقوق الإنسان والمواطنة الحقيقية، وعلى هذا الأساس تم اختيار المنظمات التي تتقاطع مع هذه القيم والمبادئ.
وأشار إلى أن اختيار باريس مكاناً لانعقاد المؤتمر التأسيسي يأتي بعدما "قدّمت الحكومة الفرنسية مشكورةً التسهيلات اللوجستية وتلك التي لها علاقة بوصول الأعضاء المشاركين في المؤتمر سواء كانوا في الداخل السوري أو دول الجوار أو مَن هم موجودون في أوروبا وأميركا". وأكد حضور ممثلين عن الحكومة الفرنسية وممثلين عن دول عدة فاعلة في القضية السورية، "من دون أن يعني ذلك أي تدخّل أو فرض أي أجندات على "مدنيّة"، وكل الطروحات مبنية على أساس المساهمة في التخفيف من معاناة السوريين والوصول إلى حلّ سياسي على أساس القرار 2254"، قائلاً إن "أي جهود تصب في دفع ذلك من دون مقابل مرحب بها من أي طرف كانت".
خطة عمل مدنيّة مشتركة
وتشارك رئيسة مؤسسة "تستقل" هند قبوات في المؤتمر، عن المؤسسة التي ترأسها. وقالت قبوات لـ"العربي الجديد" إنها "فخورة بالمشاركة في المنصة والمؤتمر إلى جانب مؤسسات من المجتمع المدني مشهود لها بالمصداقية والعمل الجاد منذ سنوات"، معبّرة عن احترامها لمجلس إدارة المنصة، وحسن التنظيم لإطلاقها كما تنظيم المؤتمر.
هند قبوات: الهدف من المؤتمر التأسيسي هو وضع خطة عمل مدنيّة مشتركة، بدون تهميش أو إقصاء
وأكدت قبوات أن الانضمام للمنصة ليس غرضه القيام بأي دور سياسي، مضيفة أن "هذا التجمّع يضم الكثير من الطاقات الشبابية، من شباب وشابات، لديهم العلم والمعرفة والأخلاق والقيم، التي تمكّنهم من أن يكونوا يوماً ما أملاً لسورية الجديدة التي نريدها". ولفتت قبوات إلى أن الهدف من المؤتمر التأسيسي هو الاجتماع والتلاقي بين مكونات المنصة، و"وضع خطة عمل مدنيّة مشتركة، بدون تهميش أو إقصاء"، مشددة على أنه "لا توجد مؤامرات أو أجندات خفية".
وتبرز مشاركة "التحالف الأميركي من أجل سوريا"، وهو تجمّع يضم عدداً من المؤسسات التي تُعتبر جماعات ضغط سورية معارضة في الولايات المتحدة، وكانت له جهود فاعلة في الضغط على الإدارة الأميركية لتحريك ملف العقوبات على النظام، بما في ذلك إصدار "قانون قيصر" و"قانون الكبتاغون".
وأشار التحالف في بيان إلى أن أهمية المؤتمر التأسيسي للمنصة تكمن في استعادة الفاعلية السياسية للفاعلين المدنيين السوريين، خصوصاً خلال هذه الأوقات الحرجة التي اتسمت باتجاهات التطبيع مع نظام الأسد وعواقب الزلزال المدمر الذي ضرب سورية وتركيا، بالإضافة إلى السعي لتقديم الفاعلين المدنيين السوريين كنظراء أساسيين في عمليات صنع القرار المتعلقة ببلدهم، وبهدف المساهمة في إنشاء دولة حرة وديمقراطية وذات سيادة تدعم حقوق الإنسان وتنخرط بنشاط مع المجتمع الدولي.
وقال محمد علاء غانم، المسؤول عن التخطيط السياسي في "المجلس السوري ـ الأميركي" و"التحالف الأميركي من أجل سوريا"، إن "المؤتمر يشكل فرصة طيبة للالتقاء بعدد كبير من روّاد العمل المدني والأهلي السوري تحت سقف واحد ولتوحيد وتنسيق جهودنا التي لا يجب أن تبقى مبعثرة". وأضاف لـ"العربي الجديد": "أنا ومن معي في التحالف متحمسون لبحث سبل تضافر جهود شباب وشابات المجتمع المدني السوري في المؤتمر".