في ظروف غير مسبوقة تشهدها الصين على صعيد التحديات الداخلية والخارجية، ينعقد المؤتمر العشرون للحزب الشيوعي الصيني في العاصمة بكين، بحضور أكثر من ألفي مندوب من جميع أرجاء البلاد، اليوم الأحد، في حدث سياسي يعتبر الأهم والأبرز والأكثر تأثيراً، نظراً لانعقاده مرتين في العقد الواحد، فضلاً عما يترتب عليه من قرارات وسياسات تحدد المسار الذي ستسلكه البلاد خلال السنوات الخمس المقبلة.
المؤتمر العشرون للشيوعي الصيني
وحسب البروتوكولات الحزبية المتبعة في مؤتمرات سابقة، من المقرر أن يختار المندوبون أعضاء اللجنة المركزية للحزب المكونة من أكثر من 300 عضو، بما في ذلك رئيس الوزراء الذي يشغله حالياً لي كه تشيانغ.
وبعد ذلك، ستصوت اللجنة المركزية لاختيار أعضاء المكتب السياسي المكوّن من 25 عضواً، بما في ذلك لجنته الدائمة المكونة من سبعة أعضاء يمثلون أعلى هيئة قيادية، من بينهم الأمين العام للحزب الذي يشغل منصب رئيس البلاد، ورئيس اللجنة العسكرية المركزية.
ومن المتوقع أن تتبع عملية اختيار المكتب السياسي إلى حد كبير البروتوكولات التي شوهدت في مؤتمر الحزب السابق قبل خمسة أعوام، وتستند إلى ترشيحات خلال اجتماعات مصغرة يحضرها الأمين العام للحزب بنفسه.
ففي عام 2017، التقى الرئيس شي جين بينغ كبار المسؤولين، من بينهم متقاعدون، للاستماع إلى ترشيحاتهم في ما يتعلق باختيار أعضاء المكتب السياسي الحالي، وعُقدت معظم تلك الاجتماعات، حسب ما ذكرت وسائل إعلام رسمية صينية آنذاك، داخل مجمع جونغ نانهاي في بكين، حيث يعيش ويعمل كبار قادة الحزب.
من المتوقع أن يعفي شي كل المسؤولين الذين تجاوزوا سن الـ69
وعادة ما يضع الحزب شروطاً محددة للمرشحين لجهة العمر والوظائف الحالية. فعلى سبيل المثال، حسب العُرف المتّبع، لا يجوز أن يتجاوز عمر المسؤول 69 عاماً، لذلك من المتوقع أن يعفي شي كل المسؤولين الذين تجاوزوا هذا الحد، من بينهم اثنان من أعضاء اللجنة الدائمة، ونحو نصف أعضاء المكتب السياسي الحالي.
ولكن قد يكون التغيير الأكثر دراماتيكية، وما يشاع في الأوساط الصينية أن الرئيس ينوي تقليص اللجنة الدائمة إلى خمسة أعضاء بدلاً من سبعة، ما يمنحه مزيداً من المرونة لبسط نفوذه وهيمنته.
ولكن تبقى جميع هذه الإجراءات محاطة بسرية تامة، وكذلك القائمة النهائية للمكتب السياسي واللجنة الدائمة، إذ لا يُعلن عنها إلا في اليوم الأخير من المؤتمر الذي من المتوقع أن يستمر مدة أسبوع كامل.
ويعتقد خبراء أن القوائم النهائية هي إجماع حزبي جرى التوصل إليه قبل انعقاد المؤتمر، وأن الاجتماع مجرد إجراء شكلي إلى حد كبير لتأييد قرارات قيادة الحزب وتوجهاتها، إذ بدأت المفاوضات بشأن المناصب الرئيسية قبل المؤتمر، وانتهت عندما أعلن موعد انعقاده في نهاية آب/أغسطس الماضي.
تكريس سلطة شي المطلقة
ويعتقد الباحث في مركز كولون للدراسات السياسية في هونغ كونغ لي يوان مارتن، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "الضجة الكبيرة التي تثيرها وسائل الإعلام الصينية حول المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي تأتي في إطار بروباغندا حزبية معهودة، وإن كانت في هذه الدورة مضاعفة ومكثفة لأسباب عدة".
ويعددها: "ومنها التسويق لاستحقاق هو في الأصل خرق للدستور الحزبي يتمثل بتمديد ولاية الرئيس شي جين بينغ لفترة ثالثة، وذلك يتطلب آلة دعاية تعمل على ضخ الحماسة وإثارة المشاعر القومية إزاء قضايا مثل ملف تايوان، وتحدي الهيمنة الغربية، إلى جانب تهويل التحديات وربط تذليلها والتغلب عليها بوجود شخصية قيادية على رأس السلطة مثل شي".
وحول تطلعات الرئيس بشأن المؤتمر، يقول الباحث المقيم في هونغ كونغ: "ليس لدى شي أدنى شك في أن الأمور تسير كما يريد هو، وأن قرار التمديد قد يكون اتُخذ في اجتماع المكتب السياسي في وقت سابق، ولا ينتظر سوى المصادقة عليه حين ينعقد مجلس النواب في شهر مارس/آذار المقبل".
ويضيف في حديثٍ لـ"العربي الجديد" أن "التكهنات تتركز فقط حول التشكيلة القيادية الجديدة التي ستقود الصين خلال الفترة المقبلة، والتي من المتوقع أن تنحصر بمجموعة من الموالين للرئيس، ما يعني العودة إلى مفهوم السلطة المطلقة التي تتفرد بكل شيء داخل الحزب والدولة، وهو أمر لم يحدث منذ عهد الزعيم الصيني الراحل ماو تسي تونغ".
على المستوى الشعبي، يترقب الصينيون ما سيتمخض عنه المؤتمر، خصوصاً ما يتصل بحياتهم اليومية، إذ يجرى الحديث عن توقعات برفع القيود المتعلقة بسياسة صفر كورونا الحكومية، التي تعرضت لانتقادات كبيرة خلال العامين الماضيين بسبب فشلها في وضع حد لوباء كورونا.
لي يوان مارتن: الصين تعود إلى مفهوم السلطة المطلقة
وانغ بينغ، شاب يعمل في مجال التسويق بالعاصمة بكين، يقول في حديث مع "العربي الجديد": "لا يهمني ولا يشغلني من سيكون على رأس السلطة ومن هم أعضاء المكتب السياسي واللجنة الدائمة، ولا أعتقد أن أبناء جيلي يتابعون المؤتمر لهذا الغرض، ما يهمنا كشباب هو إلغاء السياسات الصارمة المتعلقة بمكافحة فيروس كورونا، ووقف الاختبارات اليومية، ورفع القيود عن السفر والتوجه نحو التعايش مع الوباء على الطريقة الغربية".
ويضيف: "عدا ذلك من قرارات سياسية أو حتى عسكرية، هي أمور تتعلق بالقيادة والحكومة، ولم نعتد أن يتم إطلاعنا على مثل هذه الملفات والقضايا. ولكننا في الوقت نفسه نثق بأن من هم على رأس السلطة يعملون لصالح الشعب والبلد وبالتالي ليست لدينا أي هواجس تجاه ذلك".
من جهتها، تعرب تشين وو لينغ، وهي طالبة من تايوان تدرس في جامعة صن يات سن الصينية، عن قلقها من اتخاذ خطوات تصعيدية تجاه الجزيرة بعد المؤتمر.
وتقول في حديث مع "العربي الجديد" إن "الكثير من التقارير تحدثت عن إرجاء ضربة عسكرية لتايوان إلى حين انعقاد المؤتمر، ويُعتقد بأن القيادة الصينية لم ترغب، بعد زيارة نانسي بيلوسي (إلى تايبه في 2 و3 أغسطس/آب الماضي)، في تنفيذ تهديداتها كي لا يؤثر ذلك على الترتيبات التي كان يجرى التحضير لها لتمديد ولاية الرئيس.
ولكن بعد انعقاد المؤتمر، قد تسعى بكين إلى استعادة الجزيرة بالقوة كما لوّحت مراراً، خصوصاً أن الظرف الدولي الراهن والحرب الروسية على أوكرانيا، من العوامل التي تمنح الصين فرصة كبيرة لتحقيق أهدافها في ظل الانشغال الأميركي بتداعيات الحرب التي يقودها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بنفسه".