عادت قضية تدخل جهاز الأمن العام الإسرائيلي (الشاباك) في مكافحة الجريمة المستفحلة في المجتمع العربي الفلسطيني في الداخل إلى الواجهة من جديد في الأيام الأخيرة، مع ارتفاع عدد القتلى إلى 156 قتيلاً منذ مطلع العام وهو عدد غير مسبوق.
وقررت اللجنة الفرعية الحكومية لمكافحة الجريمة في المجتمع العربي، التي اجتمعت أمس الأربعاء برئاسة رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، تفويض "الشاباك" بالتدخل في التحقيق في الجرائم التي تتعلق بالسلطات المحلية، وذلك عقب مقتل مدير عام بلدية الطيرة عبد الرحمن قشوع، قبل أيام، وجريمة أخرى قُتل فيها أربعة أشخاص من بينهم المحامي غازي صعب، المرشح لرئاسة مجلس أبو سنان المحلي، رغم أن الشرطة أكدت في تصريحات سابقة أن مقتله لا علاقة له بالانتخابات المحلية المقررة في شهر أكتوبر/ تشرين الأول المقبل.
وكان "الشاباك" دخل على خط التحقيق في الجريمتين المذكورتين قبل اجتماع اللجنة، ذلك أنهما تتعلقان بالسلطات المحلية ويخول إليه القانون التدخل في هذه الحالة، لكن قرارات الجلسة ستساهم في تعزيز دوره، على أن يبقى في إطار الصلاحيات التي يتيحها القانون دون الحاجة لتشريع قانون جديد.
واستعرضت الجلسة تعرض نحو 20 رئيس سلطة محلية في المجتمع العربي للتهديد من قبل عصابات إجرام، ووصلت التهديدات لستة منهم إلى الدرجة السادسة من الخطورة، وهي الدرجة الأعلى، كما يتوقع "الشاباك" دخول ستة آخرين القائمة في الأيام القريبة على خلفية تهديدات متزايدة عشية الانتخابات.
لكن هذه التهديدات ليست منفصلة عن الجرائم التي أودت بحياة 156 شخصاً منذ مطلع العام، فيما كررت لجنة المتابعة العليا لشؤون الفلسطينيين في الداخل والقيادات العربية مراراً مسؤولية إسرائيل عن الجرائم في ظل غياب قرار سياسي للحد منها وفي إطار سياستها لتفتيت المجتمع العربي وإغراقه بالفتن والمشاكل.
وتقرر خلال الجلسة أن يساعد "الشاباك" الشرطة الإسرائيلية بالعمل ضد عصابات الإجرام في كل ما يرتبط بانتخابات السلطات المحلية فقط، بما لا يتجاوز صلاحياته حسب القانون، ما يعني اقتصار مهامه على التدخل فقط بالقضايا المتعلقة برموز الحكم أو في حالات تهريب السلاح الذي قد ينزلق لأعمال عدائية ضد إسرائيل وليس المستخدم في جرائم جنائية.
وحاول مسؤولون إسرائيليون مراراً إلقاء المسؤولية على المجتمع العربي، مدعين أنه لا يتعاون مع الشرطة الإسرائيلية في القضايا الجنائية، والترويج لـ"الشاباك" على أنه الحل، رغم علمهم بالموقف العام للمجتمع العربي وحتى لجهات حقوقية ومنظمات عاملة في مجال حقوق الإنسان والحريات الرافض لتدخل "الشاباك"، وعلمهم أيضاً بأن الشاباك نفسه يرفض التدخل في قضايا ليست ذات خلفية أمنية، ما يعني أنها محاولات من قبل المؤسسة الإسرائيلية للنأي بنفسها عن تحمّل المسؤولية.
ونقل موقع "يديعوت أحرونوت"، اليوم الخميس، أن رئيس "الشاباك"، رونين بار، أكد خلال اجتماع الأمس رفض تدخل الجهاز في الجرائم الجنائية، كما أوضح أن "الدولة التي تميل إلى تفعيل الشاباك ضد كل مشكلة معقدة ستصبح دولة مختلفة".
ولفت المحلل العسكري في صحيفة "هآرتس"، عاموس هارئيل، إلى أن دور "الشاباك" ازداد إلى حد ما خلال أحداث هبة الكرامة في مايو / أيار 2021 "عندما تبيّن أن بعض المشاركين في المواجهات لديهم خلفية إجرامية وأن أسلحة مسروقة من معسكرات للجيش الإسرائيلي استُخدمت من قبل منظمات إجرامية وجهات إرهابية في الضفة"، على حد تعبير الكاتب.
وأضاف هارئيل أن تكليف "الشاباك" ملاحقة الجرائم "يمكن أن يفتح جروحاً قديمة في المجتمع العربي في إسرائيل. كما أن أساليب عمل المنظمة (الشاباك)، وخاصة الاستخباراتية، تصعّب (عليه) تقديم أدلة إدانة أمام محكمة جنائية"، في إشارة من الكاتب إلى أن "الشاباك" لا يرغب بكشف الأساليب والأدوات التي يستخدمها في مهماته الأمنية.
وسجّل المجتمع العربي منذ مطلع العام عدد قتلى أكبر بنحو ثلاث مرات قياساً بنفس الفترة من العام الماضي، كما أنه أعلى بخمس مرات مما هو عليه في المجتمع الإسرائيلي ويشكل العرب نحو 21 بالمائة من سكان إسرائيل.
ويرى هارئيل أن تسارع جرائم القتل في الآونة الأخيرة هو نتيجة لعدة عوامل متشابكة، من بينها: عدم نجاح الشرطة في حل معظم جرائم القتل السابقة مما يزيد من ثقة المجرمين بأنفسهم، صراعات السيطرة بين عائلات (عصابات) الجريمة المنظمة، توترات عنيفة على خلفية انتخابات السلطة المحلية، التي ستُجرى بعد نحو شهرين.
ويشير هارئيل إلى أن "العديد من القتلى مجرمون، ولكن في عدة مرات أدت الجرائم إلى مقتل أبرياء أو سياسيين محليين وموظفين في القطاع العام، ممن أغضبوا المجرمين بطريقة أو بأخرى أو أعاقوا مخططاتهم".