استمع إلى الملخص
- الحكومة الإسرائيلية أعلنت عن خطط لتقليص عدد المعتقلين ونقل حوالي 500 أسير فلسطيني إلى معسكرين آخرين، ردًا على الانتقادات الدولية وتقارير عن الاعتقال المهين.
- شهادات من داخل المعسكر تكشف عن معاملة قاسية وانتقامية، مما أثار قلق البيت الأبيض ووزارة الخارجية الألمانية ودعوات لإسرائيل للتحقيق في مزاعم التعذيب وسوء المعاملة.
ناقشت المحكمة العليا الإسرائيلية، اليوم الأربعاء، للمرة الأولى منذ بدء الحرب على غزة، ملف إغلاق معسكر اعتقال سدي تيمان الإسرائيلي، بعدما كشفت تقارير صحافية وشهادات أسرى كانوا يقبعون فيه عن ظروف قاسية يعيشها الفلسطينيون المعتقلون من قطاع غزة، وصلت إلى حد بتر أطراف السجناء بسبب الإصابات الناجمة عن تكبيل أيديهم بشكل مستمر.
وتأتي جلسة الاستماع رداً على التماس قدمته جمعية حقوقية مدنية في إسرائيل ومجموعات حقوق إنسان أخرى، والتي اعتمدت بشكل كبير على تقرير كانت شبكة سي أن أن قد نشرته وأظهر ما وصفها بـ"بالظروف المروعة" التي عاشها الأسرى الفلسطينيون من قطاع غزة، بما في ذلك تعصيب الأعين وتكبيل الأيدي بشكل مستمر، وهو ما أثار موجة ردود فعل دولية.
وكشفت صحيفة "هآرتس" العبرية، اليوم الأربعاء، أن الحكومة الإسرائيلية أبلغت المحكمة العليا أنها ستقلص أعداد المعتقلين في معسكر سدي تيمان إلى 200 معتقل على المدى الفوري، وأنها ستبقيه من أجل فترات الاعتقال القصيرة، زاعمةً أنها بدأت بالفعل بنقل معتقلين من المعسكر إلى مراكز اعتقال أخرى ما سيعني تحسين ظروف اعتقالهم. وأشارت الصحيفة إلى أن المعلومات الواردة تشير إلى أن إسرائيل ستعمل على نقل ما يقارب 500 أسير فلسطيني من قطاع غزة، من سدي تيمان إلى معسكري عوفر وكتسيعوت، فيما رجحت وسائل إعلام إسرائيلية أن تستغرق هذه العملية ما يصل إلى عشرة أيام.
واعتقلت إسرائيل آلاف المدنيين من غزة خلال الحرب البرية المستمرة في القطاع، وانتشرت صور الاعتقال المهينة للكرامة البشرية على نطاق واسع عالمياً، حيث جُرِّد المعتقلون من ملابسهم سوى الداخلية السفلية، واقتيدوا أمام الملأ في طوابير بأحياء غزة.
شهادات صادمة عن معسكر سدي تيمان
وكان مراسل "العربي الجديد" في قطاع غزة، ضياء الكحلوت، وهو أحد الذين تم اعتقالهم في سدي تيمان، قد نشر شهادته عبر صفحته على فيسبوك، موضحاً أنه لا يزال هو وكل من أُطلق سراحهم من المعسكر يعانون من جروح وآثار جروح بفعل الوضعيات التي كانوا يجبرون على الجلوس بها. وأضاف: "لا يزال المئات من قطاع غزة في السجون (سدي تيمان وبعضهم نُقل للسجون المركزية) منسيين بلا اهتمام ولا رعاية صحية ولا حتى ذكر مستمر لمعاناتهم".
وعلى الرغم من أن جيش الاحتلال الإسرائيلي يزعم أن كل المعتقلين في معسكر سدي تيمان هم من مقاتلي حركة حماس، إلا أن الكحلوت كان قد أوضح، في شهادة منفصلة عبر منصة فيسبوك، أنه رأى عشرات الأطباء والممرضين وسائقي الإسعاف هناك، موضحاً أنهم "كلهم كانوا يعاملون من قبل السجانين والجيش الإسرائيلي بقسوة وانتقام شديدين".
الكحلوت: رأيت عشرات الأطباء والممرضين وسائقي الإسعاف هناك وكلهم كانوا يعاملون من قبل السجانين والجيش الإسرائيلي بقسوة وانتقام شديدين.
وفي تحقيق أجرته "سي أن أن"، في وقت سابق، نقلت الشبكة شهادات تروي ظروف الاعتقال المأساوية، إذ قال أحد المبلغين الإسرائيليين عن الانتهاكات، الذي كان يعمل مسعفاً في المستشفى الميداني بالمنشأة: "لقد جردوهم من أي شيء إنساني"، وفقاً للتحقيق. وقال آخر: (الضرب) لم يكن بهدف جمع المعلومات الاستخبارية، لقد حدث ذلك بدافع الانتقام".
ودفعت هذه الشهادات البيت الأبيض إلى وصف هذه التفاصيل بأنها "مثيرة للقلق العميق"، وقال إنه يتواصل مع المسؤولين الإسرائيليين للحصول على إجابات. ودانت وزارة الخارجية الألمانية الممارسات المبلغ عنها وقالت إنها تقوم بحملة من أجل وصول اللجنة الدولية للصليب الأحمر إلى المعسكر والسجون الأخرى. كما دعت المقررة الخاصة للأمم المتحدة، أليس جيل إدواردز، إسرائيل إلى التحقيق في مزاعم التعذيب وسوء معاملة الفلسطينيين المحتجزين.
كيف تشكّل معسكر سدي تيمان؟
وبحسب وسائل إعلام إسرائيلية، فقد أقيم معسكر سدي تيمان في خمسينيات القرن الماضي على مسافة خمسة كيلومترات شمال غربي مدينة بئر السبع في صحراء النقب. واليوم يعيد المعتقل الوحشي إلى الأذهان بعض القصص من معتقل غوانتانامو الشهير. ورجّحت بعض المصادر أن تسميته مشتقّة من عملية "جناح النسر"، أو بتسميتها الأخرى "بساط الريح"، التي قامت دولة الاحتلال الإسرائيلي والوكالة اليهودية من خلالها بتهجير سري لنحو 50 ألف يهودي معظمهم من اليمن، وقليل منهم من إريتيريا، بين عامي 1949- 1950 وتهريبهم إلى فلسطين المحتلة.
وخلال حرب أكتوبر 1973، احتوى المعسكر على مستودعات أسلحة ومدرّعات تابعة لعدة وحدات في جيش الاحتلال، استخدمت في ذات الحرب. لكن جيش الاحتلال أقام فيه خلال حربي 2008 و2014، منشآت اعتقال للمعتقلين الفلسطينيين، بموجب أمر صادر عن وزارة الأمن الإسرائيلية، والذي عرّف المعتقل بأنه مكان لاحتجاز "المقاتلين غير الشرعيين". وخلال الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، أعادت إسرائيل استخدام المعسكر من أجل اعتقال مئات الفلسطينيين من القطاع في منشآت داخله، من بين آلاف الفلسطينيين الذين اعتقلهم جيش الاحتلال منذ بداية الحرب.
وكانت وزارة الصحة الإسرائيلية قد أصدرت تعليمات غير عادية للأطباء بعلاج المحتجزين في المنشأة "بالحد الأدنى المطلوب ولا شيء غير ذلك"، وعدم ذكر أسماء الأطباء في وثائق العلاج أو أمام المتعالجين. وتشير هذه المحاولة لإخفاء هوية الأطباء والوثائق، بسوء ما يدبّر للمعتقلين الفلسطينيين في منشأة الاعتقال، وسوء ما يتعرضون له. كما سُمح للأطباء بتقديم العلاج الطبي للمعتقلين، مع إبقائهم مكبلي الأيدي ومعصوبي الأعين، وتقديم العلاج القسري لهم، إذا كانت حالتهم طارئة.