تحرص الحكومة الشرعية في اليمن على تكرار موقفها المتمسك بالمرجعيات الثلاث لحل الأزمة، والمتمثلة بالمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني، وقرارات مجلس الأمن الدولي.
وترى الحكومة أن أي حل سياسي يُبنى على هذه المرجعيات سيكون من شأنه طيّ مرحلة انقلاب الحوثيين وما ترتب عليه من تغييرات في هيكل وشكل النظام السياسي للدولة، إذ سيعيد الوضع إلى ما قبل 21 سبتمبر/ أيلول 2014، وهو تاريخ انقلاب الحوثيين على الدولة.
أما جماعة الحوثيين فترفض هذه المرجعيات وتريد فرض واقع جديد، باعتبارها سلطة أمر واقع على المناطق الخاضعة لسيطرتها من البلاد، وبالتالي ترى أن لها استحقاقات ناتجة عن "شرعية الثورة" كما تقول في أدبياتها.
الحوثيون يرفضون المبادرات والقرارات الإقليمية والدولية
وللحوثيين مواقف مسبقة من المرجعيات الثلاث، فعلى الرغم من التوقيع على المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية بين أحزاب "اللقاء المشترك" وحزب "المؤتمر الشعبي العام" في نهاية العام 2011، إلا أن الجماعة رفضت القبول بهذه المبادرة التي اعتبرتها التفافاً على ثورة 11 فبراير/ شباط (الثورة اليمنية 2011).
كما رفضت القبول بالمبادرة كونها تطالب بإنهاء جميع النزاعات في اليمن، وعودة التشكيلات العسكرية إلى معسكراتها، وإنهاء المظاهر العسكرية في المدن بما فيها العاصمة صنعاء، وهو ما تعتبره الجماعة المسلحة استهدافاً لها.
كما أن للحوثيين موقفاً من مخرجات الحوار الوطني الذي انعقد في صنعاء من الفترة ما بين 18 مارس/ آذار 2013 حتى 20 يناير/ كانون الثاني 2014 رغم مشاركتهم فيه، إذ تحفظوا عليه لأسباب عدة، بينها عدم تشكيل حكومة جديدة يومها إلى جانب رفضهم مخرجات لجنة الأقاليم التي قسمت البلاد إلى 6 أقاليم.
ويرفض الحوثيون القرارات الأممية وفي مقدمتها قرار مجلس الأمن 2216، والذي نص على فرض عقوبات طاولت قيادات داخل الجماعة وفي مقدمتهم زعيمها عبد الملك الحوثي، حيث نصت على تجميد أرصدة ومنع من السفر.
كما نص القرار على حظر توريد الأسلحة والعتاد ووسائل النقل العسكرية إلى الحوثيين والقوات الموالية لهم، والتي كانت تابعة للرئيس السابق علي عبد الله صالح آنذاك.
وطالب القرار الحوثيين بسحب قواتهم من جميع المناطق التي استولوا عليها بما في ذلك صنعاء، والتخلي عن جميع الأسلحة التي استولوا عليها من المؤسسات العسكرية والأمنية بما في ذلك منظومات القذائف.
غياب التوافق على أساس بناء حل سياسي في اليمن
كبير الباحثين في مجموعة الأزمات الدولية أحمد ناجي، قال في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "الشرعية تتمسك بالمرجعيات الثلاث لسببين، الأول أن هذه المرجعيات هي الأساس في وجود الشرعية، بداية من المبادرة الخليجية التي أوجدت هذه الصيغة من الحكومة المعترف بها دولياً، ثم مؤتمر الحوار الوطني الذي يعد أكبر مشروع لهذه الحكومة في فترة ما بعد 2011، ثم التأييد الدولي الذي يتمثل بقرارات مجلس الأمن 2216 وما بعده".
والسبب الثاني، بحسب ناجي، هو أن "هذه المرجعيات تمنح الشرعية موقفاً تفاوضياً قوياً"، موضحاً أن اعتماد المرجعيات الثلاث "يعني إعطاء الشرعية أساساً قانونياً جيداً للبدء في أي مفاوضات، يسميها سلطة شرعية، ويسمي الحوثيين جماعة انقلبت على الشرعية".
ولفت ناجي إلى أن الحوثيين يرفضون المرجعيات الثلاث "للأسباب المعكوسة، فهم يرون أن هذه المرجعيات جاءت قبل وجودهم كسلطة، وتعاديهم، فمثلاً القرار 2216 يسميهم مليشيات انقلبت على السلطة، ويتحدث عن ضرورة تسليم السلاح وغيره". وأضاف أن "الأهم من هذا أنهم يقولون دائماً إن هذه المرجعيات لم تعد تعكس الواقع على الأرض، وكأن الواقع على الأرض تجاوزها".
ورأى ناجي أنه "من المبكر الحديث عن حل سياسي إذا لم نتفق على صيغة المرجعيات الأساسية"، معتبراً أن السؤال الأساس لبناء حل سياسي على هذه المرجعيات هو "لأي درجة نحن قادرون على أن نقنع الأطراف الموجودة على الأرض بها، فالحوثيون يرفضونها، وكذلك المجلس الانتقالي الجنوبي يرفضها، وبالتالي إلى أي درجة نتفق أولاً على هذه المرجعيات؟".
ناجي: الحوثيون يعيدون النظر حتى بالقانون والدستور والمسلمات الرئيسية
وقال ناجي إن "تحركات الحوثيين الأخيرة تجاوزت نقطة المرجعيات الثلاث، وبدأت تعيد النظر حتى في المرجعيات الأساسية المرتبطة بالقانون والدستور والمسلمات الرئيسية".
وأضاف أنه "من السابق لأوانه أن نقول ما هي الصيغة الجديدة التي يقترحها الحوثيون، فهذا يخضع لشكل التغييرات الجذرية التي يتكلمون عنها، لكن من خلال العمل الذي قاموا به خلال الشهرين الماضيين، فهم يحاولون تقديم صورة عن أنفسهم أنهم ضد القوانين الوضعية، وعندهم القرآن".
واعتبر أن ذلك "حالة من نقل المرجعيات إلى مستوى مختلف كلياً عما شهده اليمنيون في السابق، في مرحلة ما بعد ثورة 26 سبتمبر/ أيلول 1962"، والتي أُعلن بموجبها قيام الجمهورية في اليمن.
وأشار ناجي إلى أن المحيط الإقليمي والمجتمع الدولي لا يؤكد أن مهمته هي حماية مصالح اليمنيين، "فما يريده المحيط الإقليمي خصوصاً هو حفظ مصالحه، وما يريده المحيط الدولي، لو افترضنا حسن النية، هو وجود بلد هادئ من دون مشاكل، ولا أزمة إنسانية فيه، ولا وضعاً أمنياً مقلقاً للمحيط وللملاحة الدولية".
وأوضح أنه "بالتالي بالنسبة له (المحيط الإقليمي والمجتمع الدولي) فموضوع المرجعيات ليس أساساً بقدر ما هو موضوع التوافق والتسوية كيفما كانت".
تنصل من المبادرات والقرارات حول اليمن
من جهته، قال الصحافي وضاح شمسان، في حديث لـ"العربي الجديد" إن "الحكومة تتمسك بالمرجعيات الثلاث لأنها أساس وجودها".
وأضاف أنه "من دون هذه المرجعيات فالحكومة والسلطة الشرعية اليمنية لا معنى ولا وجود ولا قيمة لها في الصراع الحاصل، على الأقل من منظور القانون الدولي وأمام المجتمع الدولي، وإن كانت هذه الشرعية أمام المجتمع اليمني هي الممثل الشرعي أو الوحيد له، برغم ما يتعلق بأدائها من علامات استفهام ومن اعتراضات ومن خذلان تعرّض له أمامها".
ولفت إلى أن هذه المرجعيات "تبقى هي أساس الحل في المشهد اليمني لأنها تمكن من استعادة الدولة، وإعادة مؤسساتها إلى المجتمع، ومنح حق السيادة لمن يمثل المجتمع اليمني في مواجهة المليشيات، أو أي أطراف أخرى لا تمثل المجتمع اليمني".
واعتبر أن "الحوثيين هم دخلاء، فمنهجهم وفكرهم ومشروعهم هو دخيل على المجتمع اليمني، وقد اغتصبوا الحكم واغتصبوا السلطة بالقوة العسكرية وبتمويل ودعم خارجي".
ورأى شمسان أن هناك تراجع في المواقف الدولية والإقليمية تجاه المرجعيات الثلاث، لافتاً إلى أنه "كما يبدو هناك محاولة للتنصل منها، ما يجعل الحكومة الشرعية تشعر بالخطر وتتمسك بها بشكل واضح، بينما لا تعترف بها المليشيات الحوثية، وترى أن هذه المرجعيات إنما تأتي على حساب وجودها ونفوذها".
وأوضح شمسان أنه "إذا قبلت المليشيات الحوثية بالمرجعيات الثلاث فإنها بالتأكيد تكون قد أسقطت عن نفسها كل المبررات لما أقدمت عليه من استيلاء على السلطة، وما حققته من نفوذ ومكاسب، وستكون من خلال هذا الاعتراف ملزمة بالانسحاب من مؤسسات الدولة ومن المناطق التي تخضع لها، وتسليم سلاحها، والاعتذار للمجتمع اليمني عما فعلته به خلال السنوات الماضية".
وأضاف أنها "ستكون محاسَبة أمام المجتمع اليمني، ومدانة أيضاً بما ارتكبته من جرائم، سواء جرائم سياسية أو غير ذلك من جرائم الاستيلاء على السلطة، وقتل المدنيين، وتدمير البنية التحتية، ونهب المال العام، وتجنيد الأطفال".
شمسان: الأطراف الدولية تدفع دائماً باتجاه الحل التوافقي
من جهة أخرى قال شمسان إن الأطراف الدولية "تدفع دائماً باتجاه الحل التوافقي والذي يتم من خلاله التنازل عن المرجعيات الثلاث، والقبول بتسوية سياسية يتقاسم فيها الطرفان (الحوثيون والحكومة الشرعية) السلطة والنفوذ".
ورأى أن المجتمع الدولي عمل من أجل الوصول إلى هذه اللحظة منذ البداية، "فبرغم قرار مجلس الأمن 2216 والذي كان يمنح السلطة الشرعية الحق الكامل في السيادة على الأراضي اليمنية، إلا أن ما كان يدور في الكواليس كان مختلفاً عن ذلك تماماً".
ولفت إلى أنه "تمت دعوة الحوثيين لحضور مفاوضات سياسية في سويسرا (جنيف) والكويت واستوكهولم من أجل أن يكونوا طرفاً فيها"، موضحاً أن هذه المفاوضات "جعلت الحوثيين معترفاً بهم بشكل غير كامل، وطرفاً لا يمكن تجاوزه"، كما أجبرت "الحكومة الشرعية على أن تكون نداً لهم، وبالتالي هذا يعد اعترافاً من الحكومة الشرعية بهم، وهو ما تسعى الآن الأطراف الدولية إلى إلزام الأخيرة به".