ناقش المؤتمر السنوي العاشر لقضايا الديمقراطية والتحول الديمقراطي تحت عنوان "الموجة الثانية من الانتفاضات العربية"، والذي يعقده المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات عبر منصة "زوم" ومواقع المركز على شبكات التواصل الاجتماعي، في يومه الثالث، اليوم الإثنين، موضوع القوى الاجتماعية، وقضايا الاقتصاد في سياق الانتقال الديمقراطي.
نعيمي: وجود "تجمع المهنيين السودانيين"، ساهم في انتقال الحراك في السودان من العفوية إلى الهيكلة
وعرض أستاذ علم اجتماع التنظيمات في معهد التنمية الاجتماعية بالعاصمة المغربية الرباط، محمد نعيمي، لدور الحركات الاجتماعية في حراكَي السودان والجزائر، وانعكاساته على مطالب الانتقال الديمقراطي، حيث قارن بين أوجه التشابه والاختلاف في التجربتين السودانية والجزائرية، وانعكاسات ذلك على مطالب الانتقال الديمقراطي في كلا البلدين. وخلص نعيمي إلى أن وجود "تجمع المهنيين السودانيين"، بوصفه تكتلاً نقابياً مستقلاً عن السلطة ونقاباتها الرسمية، وعن الأحزاب السياسية في السودان، ساهم إلى حدّ بعيد في انتقال الحراك في السودان من العفوية إلى الهيكلة، وفي تعبئة بقية الحركات الاجتماعية ومنظمات المجتمع المدني وأحزاب المعارضة. وهو الأمر الذي لوحظ غيابه، بحسب أستاذ علم الاجتماع، في التجربة الجزائرية، ليظل الحراك فيها غير مهيكل، في حين أن وجود معارضة سياسية قوية في السودان، وانخراطها في الحراك، ودعمها له، أضفى شرعية سياسية عليه، ومكَّنه من بلورة مطالب الانتقال الديمقراطي والتفاوض بشأنها مع المؤسسة العسكرية والشروع في مرحلة انتقالية. ورأى نعيمي أن هذا الأمر يفتقده الحراك الجزائري حتى الآن، ما حال دون صياغة مطالب سياسية متوافق عليها، وأبقى التحول الديمقراطي متعثراً إلى حين.
أما أستاذ العلوم السياسية في جامعة النيلين بالسودان، حسن الساعوري، فناقش تحديات وعقبات التحول الديمقراطي للثورة السودانية ومآلاتها. وقال الساعوري، إن غياب توافق النخب السياسية أدى إلى ثلاث سلبيات، تمثلت بالتعثر في إنشاء مؤسسات الحكم الانتقالي التي يتم عبرها تحديد آليات التحول الديمقراطي، وتجاوز الدستور الانتقالي من مكوني السلطة الانتقالية المدني والعسكري، ما أدى إلى تداعيات وخيمة على محاولات بناء دولة القانون، والانفلات الأمني الذي فتح بدوره المجال أمام المكون العسكري لإحكام سيطرته وفرض العزل السياسي ضد بعض القوى المشاركة في الثورة، الذي يمثل نقيضاً للسلوك الديمقراطي القائم على حقّ الجميع في المشاركة السياسية.
ودرست الأستاذة المساعدة في كلية الاقتصاد والعلوم الاجتماعية والبيئية في جامعة العلوم الطبية والتكنولوجيا في الخرطوم، مشاعر الأمين الدولب، مشاركة النساء في الثورة السودانية، وما يخص قضايا النساء في الوثائق المرجعية للفترة الانتقالية، من خلال تحليل الإجراءات والقرارات والتشريعات التي صدرت من المستويات الأعلى في الهرم الحكومي إلى الأسفل في ما يتعلق بالنساء. وأوضحت أنه جرى تعديل عدد من القوانين والتشريعات في توقيت استباقي لتشكيل المجلس التشريعي للفترة الانتقالية، من دون إجراء حوار مجتمعي حولها، ما جعلها مثار جدل في الشارع العام، لما عدّه البعض مصادماً لقيم المجتمع وثقافته. ورأت الدولب أن طبيعة الإجراءات الفوقية تأتي مناقضة لقيم الديمقراطية، لأنها تستبق إجراء الانتخابات، وأن أسلوب الهندسة الاجتماعية الفوقية الذي تستخدمه الحكومة الانتقالية في السودان، يستهدف القيام بتغيير ثقافي من دون الاهتمام بقضية التمثيل والمشاركة السياسية، التي تمثل أحد المؤشرات المهمة في التحول الديمقراطي.
الأسباب الاقتصادية للثورة
وفي الجلسة الثانية للمؤتمر التي ناقشت قضايا الاقتصاد في سياق الانتقال الديمقراطي، عرض البرلماني السوداني السابق علي إبراهيم محمد، المعوقات الاقتصادية للتحول الديمقراطي في السودان، طارحاً تساؤلين محوريين: "لماذا استمرت الممارسات الفاسدة بعد سقوط نظام البشير والضغط الشعبي الكبير على العدالة الانتقالية لإيقافها؟ وما تداعيات ذلك العجز على مسألة التحول الديمقراطي في البلاد؟". وفي هذا الإطار، سلّط محمد الضوء على كيفية تقاطع الجغرافيا السياسية مع اقتصاديات الفساد، معتبراً أن التوزيع غير المتكافئ للسلطة داخل التحالف الحاكم يعني، ضمن أشياء أخرى، أن الاستجابات السياسية غير فعّالة في مخاطبة تحدي الفساد الكبير، وحيث من المرجح أن تظل كذلك على المدى المنظور، وهو ما يمكن أن يشكل في الحالات القصوى عقبة رئيسية أمام التحول الديمقراطي والتنمية الاقتصادية.
وعرض المحاضر في قسم الاقتصاد في جامعة الخرطوم، الزاكي الحلو، الأسباب الاقتصادية لانتفاضة ديسمبر/كانون الأول 2018 في السودان، من منظور الاقتصاد السياسي، مستنداً إلى بيانات تمّ استخلاصها من الرصد الخبري للثورة السودانية، الذي أنجزه المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، ومن مصادر أخرى، حيث أشارت البيانات والمعلومات إلى مجموعة أسباب اقتصادية، تمثلت في ندرة السلع الأساسية (الخبز، والوقود) وارتفاع الأسعار، وتقييد سحب النقود من المصارف، وتردي الخدمات العامة وضعف الأداء التنموي، والتي ساهمت في إشعال فتيل الانتفاضة، حيث تحولت مطالب الثوار من التركيز على الإصلاحات الاقتصادية إلى هدف إسقاط النظام .
أهم مطالب الحراك الشعبي في الجزائر، كان كسر هيمنة الريع على مقدرات الاقتصاد
وناقشت ورقة عمل قدمها الباحثان الجزائريان خالد منه ورضا بوجانة، الأزمات السياسية التي شهدتها الجزائر، والتي كانت ذات دوافع اقتصادية في أغلبها. وشدّد الباحثان على أن أحد أهم مطالب الحراك الشعبي في الجزائر الذي انطلق عام 2019، كان كسر هيمنة الريع على مقدرات الاقتصاد، وإتاحة الفرصة للشباب لممارسة حقوقهم السياسية والاقتصادية.
وقال منه وبوجانة إن النظام الاقتصادي الحالي في الجزائر لا يمكنه بالفعل أن يقود إلى الانعتاق، إذا لم يعالج مسألة الريع من جذورها. فعلى مرّ السنوات العشرين الماضية، ساهمت سياسات السلطات العمومية في تعميق الأزمة الاقتصادية، من خلال إهدارها فرصة الإقلاع الاقتصادي من جهة، وترسيخ ممارسات تستقي سلوكياتها من الأدبيات المتعلقة بالاقتصاديات الريعية من جهة أخرى. وأضافا أن الرهان يكمن في تغيير المنطق الريعي الذي طبع الاقتصاد الجزائري، وتخليصه من كل الترسبات التي علقت به، وخصوصاً الفساد والرشوة، والانفتاح الحقيقي، سواء من الناحية الاقتصادية أو السياسية. ويتطلب ذلك، بحسب منه وبوجانة، تغيير مصادر النمو الاقتصادي الحالية، القائمة أساساً على الاستغلال الكبير للموارد النفطية، والاستيراد المكثف الذي تمارسه فئة صغيرة من المستوردين، والاقتصاد غير الرسمي.