حسمت القوى الأبرز في المعارضة الداخلية في سورية موقفها من الانتخابات الرئاسية، التي ينوي النظام إجراءها في 26 مايو/أيار الحالي، بإعلان مقاطعتها شكلاً ومضموناً. غير أنه من غير المتوقع أن يكون لهذا الموقف أي تبعات، إذ ليس لهذه القوى أي تأثير حقيقي في أي استحقاق وطني، لجهة المنافسة أو حتى إرباك النظام، الذي حشر هذه المعارضة في زاوية ضيقة من دون السماح لها بأي نشاط سياسي حقيقي. وذهبت هذه المعارضة إلى خيار المقاطعة، في ظل عدم رضى شعبي على أدائها، واتهامات لها بتمييع فكرة المعارضة للنظام مع قبولها بالتفاهم والتفاوض معه.
واتّهمت بعض هذه القوى بالعمل على قياس النظام، وبالارتباط بدول حليفة له، مما يجعل موقفها بلا وزن حقيقي، سواء بتأييد الانتخابات أو مقاطعتها. آخر المواقف المقاطعة للانتخابات الرئاسية، كان من "الجبهة الوطنية للتغيير والتحرير" يوم الاثنين الماضي، إذ قالت في بيان إن موقفها "هو عدم المشاركة لا ترشيحاً ولا تصويتاً". ودعت إلى عدم التدخل الخارجي في الانتخابات بالقول: "من الثابت لدينا أنّه ليس من حق أي قوة خارجية أن تتدخل في هذا الشأن، سواء كان تأييداً أو اعتراضاً، فإنّ الثابت أيضاً هو أنّ الانتخابات التي تحتاجها سورية في أزمتها الكارثية هي انتخابات تكون جزءاً من التطبيق الكامل للحل السياسي وللقرار 2254. وتكون الانتخابات أداة بيد الشعب السوري فيستخدمها ليوحد صفوفه وأرضه ويقرر مصيره بشكل حر ونزيه". وأشارت الجبهة إلى أنه كي تكون الانتخابات أداة لتوحيد السوريين: "ينبغي أن تتم على أساس دستور جديد يضعه السوريون بالتوافق فيما بينهم، وتحقق معايير النزاهة والشفافية، وتتم بإشراف مراقبين من الأمم المتحدة. وينبغي أن تُجرى على كامل الأرض السورية وبمشاركة كل السوريين في سورية وخارجها".
و"الجبهة" هي تشكيل سياسي يقوده رئيس حزب "الإرادة الشعبية" قدري جميل المقرب من موسكو، وضمّ عند تأسيسه في يوليو/تموز 2011 نحو 250 مندوباً من مختلف المحافظات السورية، ومن "الحزب السوري القومي الاجتماعي"، و"اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين"، ومجموعة شخصيات مستقلة.
الانتخابات التي تحتاجها سورية في أزمتها الكارثية هي انتخابات تكون جزءاً من التطبيق الكامل للحل السياسي وللقرار 2254
وكان جميل قد أصدر بياناً حدد فيه موقف "الإرادة الشعبية" من الانتخابات، وقال إن "تحديد موقفٍ من هذه الانتخابات هو شأن سوري داخلي بحت". واعتبر أن "لا علاقة نهائياً بين الانتخابات الحالية وبين القرار 2254 والانتخابات التي ينصّ عليها"، التي من المفترض أن تجري على أساس دستوري جديد. وأشار البيان إلى أن "هذه الانتخابات لن تساهم في إنهاء الأزمة السورية لأنها لا تجري في السياق الذي نص عليه قرار مجلس الأمن 2254". وبناء على كل ذلك حمل البلاغ قرار الحزب بـ "عدم المشاركة لا ترشيحاً ولا تصويتاً".
وسبق موقف "جبهة التغيير" وحزب "الإرادة الشعبية"، تصريحات للمنسق العام لـ"هيئة التنسيق الوطنية" المعارضة حسن عبد العظيم، التي تتخذ من دمشق مقراً لها، في نهاية مارس/آذار الماضي، أعلن فيها موقف الهيئة من الانتخابات بعدم المشاركة بها، بل ودعا لمقاطعتها على المستوى الشعبي. وبرر المقاطعة بأن الانتخابات "عمل استباقي يقطع الطريق على الحل السياسي وفق بيان جنيف، والقرارات الدولية بما فيها 2118 لعام 2013، والقرار 2254 لعام 2015". وتساءل عبد العظيم "إن كانت ستجري الانتخابات بهذه الطريقة، فلماذا إذا تشكلت اللجنة الدستورية التي من مهامها وضع دستور للبلاد، وهيئة حكم؟". ولفت إلى أن تشكيل اللجنة كان أمراً شكلياً، وأن النظام يدفع لاستمرار الوضع لما هو عليه. ونوّه عبد العظيم في تصريحات نقلها موقع "روسيا اليوم"، بأن هذا الموقف يعبر عن "هيئة التنسيق الوطنية" وعن "الجبهة الوطنية الديمقراطية" (جود)، وتلك الأخيرة عرقل النظام انعقاد مؤتمرها التأسيسي في دمشق.
وحول دوافع مقاطعة المعارضة الداخلية للانتخابات، قال عضو هيئة التفاوض العليا واللجنة الدستورية والأمين العام لـ"حزب الاتحاد الاشتراكي العربي الديمقراطي"، أحمد العسراوي: "إننا في الحزب لم نشارك في أي انتخابات أو استفتاءات منذ غادرنا الجبهة الوطنية التقدمية في عام 1973، ترشيحاً أو انتخاباً، بعد إصرار كتلة النظام على صناعة دستور يثبت تفرد فئة واحدة بحكم البلاد. وكنا من القوى الأساسية المؤسسة للتجمع الوطني الديمقراطي عام 1979، الذي نادى بالتغيير الوطني الديمقراطي طريقاً وحيداً للخلاص من الفردية والاستبداد".
إن كانت ستجري الانتخابات بهذه الطريقة، فلماذا إذا تشكلت اللجنة الدستورية التي من مهامها وضع دستور للبلاد، وهيئة حكم؟
وأضاف العسراوي: "في متابعة لرؤيتنا في الحزب ومع شركائنا في التجمع سابقاً وفي الهيئة لاحقاً، لم نرَ يوماً أن الانتخابات أو الاستفتاءات التي يقوم بها النظام وبالطريقة التي يمارسها، تتقدّم بالوطن خطوة واحدة إلى الأمام بل تأتي تكريسا لما هو قائم. أما اليوم فنراها في هيئة التنسيق الوطنية خطوة تراجعية عن الحل السياسي التفاوضي بل وخطوة تدميرية له، وقفزة فوق العملية السياسية التفاوضية بمحاورها الأربعة (هيئة الحكم الانتقالي، العملية الدستورية، العملية الانتخابية، الأمن ومكافحة الإرهاب) المستندة إلى بيان جنيف لعام 2012 وكل القرارات الدولية ذات الصلة بالمسألة السورية، خصوصاً منها القرارين الدوليين 2118/2013 و2254/2015، وحتى فوق مخرجات ما سمي بمؤتمر الحوار الوطني السوري (مؤتمر سوتشي) الذي شارك به النظام وأيد مخرجاته، ولم تشارك به هيئة التفاوض السورية لكنها تفاعلت ايجابياً مع مخرجاته". ونوّه العسراوي إلى أنه "عندما يكون الحديث عن شرعية الانتخابات، فمن أين تأتي هذه الشرعية، ما دمنا نفتقد المؤسسات الآمنة والمحايدة التي تديرها؟".